عمرو موسى والاستقالة من مكتب الإرشاد

أمير سعيد

قد لا يمثل الانتماء أو العضوية لبعض المؤسسات والمراكز والهيئات والجماعات حائلاً دون ترشح سياسي لمنصب رئاسة الجمهورية من الناحية القانونية والدستورية البحتة....


قد لا يمثل الانتماء أو العضوية لبعض المؤسسات والمراكز والهيئات والجماعات حائلاً دون ترشح سياسي لمنصب رئاسة الجمهورية من الناحية القانونية والدستورية البحتة، لكن حيث تكون هذه العضوية ذات حساسية ما لدى قطاع عريض من المجتمع المصري؛ فإن إعادة صاحبها النظر فيها يغدو حتمياً ويرتقي إلى درجة الضرورة، بل ربما يصبح من الواجب عليه التنحي طوعاً عن إكمال السباق الرئاسي استشعاراً لدقة موقفه الاجتماعي والسياسي، وربما الأخلاقي لدى شريحة مجتمعية مهمة.

وفي السياق، نتفهم المبادرة التي سارع إليها م. خيرت الشاطر للاستقالة من منصبه كنائب للمرشد العام للإخوان المسلمين، وخروجه من مكتب الإرشاد ذاته، كما قد نتفهم قلق البعض من مجرد انتمائه للجماعة فكرياً استناداً إلى خلافات أيديولوجية، لكن ما يتعذر تفهمه في صعيد مختلف، لا يمس انتماءً إلى جماعة محلية، وإنما يطال عضوية (المرشح الرئاسي عمرو موسى) في مركز يقترن باسم سفاح دولي، عتيد في الإجرام، هو مهندس المشروع النووي الصهيوني، وصاحب العديد من المجازر، والتي أبرزها وآخرها، كمسؤول مباشر، مجزرة قانا في العام 1996، أعني "مركز بيريز للسلام" الذي أسسه شيمون بيريز رئيس "إسرائيل" الحالي، بعد ما يزيد عن عامين من حصوله على جائزة نوبل للسلام، سيئة السمعة... ما يتعذر تفهمه في ذلك، أن الأمر هنا لا يتعلق بجماعة محلية وطنية، سواء أتفقنا معها أم اختلفنا، وإنما عضوية في مؤسسة لا يشرف أي مصري الاقتران باسمها.

ومنذ أيام، ذكّرتنا الإذاعة العبرية، والصحيفة "الإسرائيلية" العتيدة، معاريف، باستمرار عضوية عمرو موسى في مركز بيريز للسلام، وهي المعلومة التي لم تزل تلاحق المرشح الرئاسي، وتثير في نفوس المصريين قلقاً عميقاً حيال ما يمكن أن تمثله عضوية في مركز "تطبيعي" كهذا من أثر على مقام صاحب كرسي الرئاسة المصرية فيما بعد "الثورة".. ذكرتنا هذه الوسائل العبرية بما كان سبق أن نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت قبل عامين عن عمرو موسى في سياق إطراء لـ"براجماتية" الرجل التي تمكنه من فعل الأمر ونقيضه؛ فأسهمت مادحة: " في حين كان موسى يهاجم إسرائيل كان يهتم أيضاً بالعضوية في كثير من الجمعيات والهيئات الإسرائيلية سواء اليسارية أو الداعمة للسلام مثل مركز بيريز للسلام أو جماعة السلام الحقيقي أو ما إلى ذلك من الجمعيات الأخرى التي كانت تُعنى بالسلام وتتواصل مع كبار المسؤولين عبر العالم، الأمر الذي جعل العديد من الخبراء والمحللين السياسيين الإسرائيليين يرون أن انتقاد موسى لإسرائيل من جهة وزيارته لها من جهة أخرى هو براجماتية متميزة لا يمتلكها أي سياسي مصري الآن، صحيح أنه يقوم بكل ذلك بالتنسيق أمنياً وسياسياً، إلا أن هذا لا يمنع أننا وفي النهاية أمام سياسي محنك.." [صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية 3 نوفمبر 2009].

إنها عضوية في "كثيـــــر من الجمعيات والهيئات الإسرائيلية"، كما تقول الصحيفة العبرية الشهيرة، إذن، ولم نسمع نفياً قاطعاً، أو حتى تخلياً واضحاً عنها، يمكننا معه قبول مبررات موقف موسى في مؤتمر دافوس 2009 مع إردوغان، وهو المؤتمر الذي يشارك مركز بيريز في إقامته، وهو موسى، الذي تردد في مصاحبة رئيس الوزراء التركي ثم عاد إلى مقعده، وهو موسى أيضاً الذي تلاسن مع بيريز في مؤتمر دافوس أيضاً لكن في العام 2000، لكنه استمر مع ذلك عضواً في مؤسسة جزار قانا، شيمون بيريز، بحسب وسائل الإعلام العبرية.

وفي ظني أن المصري البسيط، الذي خاضت بلاده خمس حروب ضد الكيان الصهيوني، ربما يتسامح في قضايا فساد أو سرقات، بل ربما يقبل بـ"الفلول" في مناصب رفيعة، لكنه سيقف ملياً عند أي منعطف "تطبيعي" مع "إسرائيل"، ومن ثَم، يبقى لزاماً على المرشح الرئاسي أن يتعامل بقدر من الشفافية مع هذه المعلومات عن هذه العضويات في "كثيـــــر من الجمعيات والهيئات الإسرائيلية"، إما بنفي قاطع بأنه لم يكن يوماً ما ينتمي إلى أي من هذه الجمعيات والهيئات الصهيونية (لاسيما أنه لا ينتمي في الحقيقة في المقابل إلى كثير من الجمعيات والهيئات المصرية)، أو يقدم تبريراً ـولا أعتقد أن هناك تبريراً لذلك ـ لعضويته الحالية أو السابقة، وما إذا كانت مهام منصبه قد فرضت عليه ألا يكون عضواً "شرفياً" فقط في مركز بيريز خصوصاً، بل "عضو نشط وحيوى"، مثلما قال وزير "العدل الإسرائيلي" الأسبق يوسي بيلين مؤخراً في مقال له في "إسرائيل اليوم"..

ننتظر "تفسيراً" أو تكذيباً لهذه "الحيوية والنشاط" في مركز تقول عنه الأهرام المصرية إنه "أكبر اختراق صهيوني للشارع العربي" [عدد24 أغسطس 2007]، وننتظر أيضاً نفياً أو "توضيحاً" لإدعاءات المسؤول الصهيوني ذاته عن زيارة موسى للكيان الغاصب، والتي قال إنه قام بالفعل بزيارة "يد واسم" أو متحف المحرقة في فلسطين المحتلة لكنه امتنع عن ارتداء "الطاقية اليهودية" أثناء الزيارة، والتي أوردها في مقال تحت اسم "خيار عمرو موسى" [إسرائيل اليوم9 مايو2011].

إننا ننتظر "براءة" أو "تفسيراً" لكل هذا، والأخطر منه ما نسبته إليه صحيفة معاريف هذا الأسبوع حين قالت إن موسى "ادعى بأن حال فوزه بالمنصب الرئاسي، فإن جُل اهتمامه سينصب حول إعادة النظر في اتفاقية الغاز بين مصر وإسرائيل، وسيعيد النظر في الاتفاقات بما لا يتعارض مع مصلحة المصريين"، معقبة على ذلك بالإشارة إلى أن "موسى كان من الداعين لتلك الاتفاقية مع إسرائيل، خاصة وقتما كان في منصب أمين الجامعة العربية لفترتين متواليتين."، وهي المعلومات التي سبق أن أكدتها صحف مصرية من قبل، منها "اليوم السابع"..

والدلائل الدامغة على كذب كل ما تقدم، هو فقط الحد الأدنى الذي يمكن قبوله من المرشح الرئاسي، الذي تقول الصحف العبرية إنها تتوقع نجاحه، وهذه الدلائل بالتأكيد لا تتمثل في بضع كلمات خطابية، ولا عبارات براقة لا تتجاوز حدود ما يدغدغ مشاعر البسطاء ومطربهم الشعبي الذي يحب عمرو موسى! كما تتجاوز حدود فهم كثير من مقدمي برامجنا "العظيمة" التي ما زالت تحارب طواحين الهواء، وتصدر أموراً عصية على الفهم كهجومها الكاسح على مرشح لمجرد أنه ينتمي فكرياً إلى جماعة مصرية، وليس عضوياً إلى مؤسسة صهيونية!



3/6/1433 هـ