هل نُقـدِّر عِظَم المسئولية؟

الشيخ ياسر برهامي

في خِضَمِّ المعارك العنيفة حول هوية الأمة ودستورها الجديد، ومحاولات شرسة لا تتوقف للضغط على الإسلاميين، لكي يتنازلوا عن هدفهم في تأكيد انتماء هذا الشعب إلى شرع الله!



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:
ففي خِضَمِّ المعارك العنيفة حول هوية الأمة ودستورها الجديد، ومحاولات شرسة لا تتوقف للضغط على الإسلاميين، لكي يتنازلوا عن هدفهم في تأكيد انتماء هذا الشعب إلى شرع الله! والذي لا يرضى بغيره بديلاً كمنهاج حياة -تأتي مسئولية الاختيار في المناصب المختلفة- أو قل: (الأمانات المختلفة) حملاً ثقيلاً يُشتكى فيه إلى الله جلد الفاجر وعجز الثقة.

ويزداد الحمل مع حجم الأمانة واتساعها ابتداءً بأصغر منصب أو ولاية في حزب أو مجلس محلي، أو برلمان أو هيئة تأسيسية، وانتهاءً بالوزارة والحكومة ورئاسة الدولة، وتتجاذب اختيارات الناس عوامل شتى: بين نصح وغش، بين موازين الوحي ومقاييس الهوى، بين مصلحة ومفسدة -مصلحة ومفسدة شخصية للفرد وجماعته وطائفته، ومصلحة ومفسدة للأمة والشعب- بين أمانة وخيانة، بين عجز وقوة، بين تقوى وفجور، كل ذلك في توليفة عجيبة لا تتمخض!

فما أيسر الاختيار عند العقلاء بين خير وشر، وان كان أكثر الناس يشتهون الشر، ولكن ما أصعب الامتحان في زمن الفتن وضعف البصائر، في وسط شح مطاع وهوى متبع، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، واستئمان الخائن وتخوين الأمين، ونطق الرويبضة -الرجل التافه يتكلم في أمر العامة- ولأن مسئولية الامتحان ليست شخصية، بل عامة، فليست تحدد مستقبلك فقط باختيارك الذي تختار، بل تحدد مستقبل الملايين!

وليست لهذا الجيل فقط، بل لأجيال.. وليس لهذا البلد فقط، بل مصر هي الأسوة للعالم العربي والإسلامي، بل العالم كله ينظر ماذا سيصنع أهلها؟! ونجاحهم نجاح للعالم الإسلامي كله، وفشلهم فشل خطير.. ولو بعد حين سيُسأل كل واحد منا ليس فقط عما قدمه لنفسه في اختياره، بل عن ملايين أمته التي تعيش الآن، وستأتي غدًا!

ولا أعجب مِن مُقْدِم في موضع إحجام، ومسرع في موضع تَرَيُّث، ومستسهل حمل جبال في موضع صعوبة على كل الرجال! والنتيجة معلومة عند الله أزلاً، ولكن لينظر كيف تعملون؟ وهو وحده الذي يؤتي الملك مَن يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز مَن يشاء ويذل مَن يشاء، ولكن الامتحان لنا نحن، فهل نُقدِّر عِظَم المسئولية؟!

الأمة -بإذن الله- محفوظة، ولا تزال طائفة منها على الحق ظاهرة لا يضرها مَن خالفها وخذلها حتى تقوم الساعة، لكن هل نكون منها؟!

نحتاج مع عظم الأمانة وخطر المسئولية إلى التزام الشرع، مع شهود القدر، لنحقق إياك نعبد وإياك نستعين، نحتاج إلى حسن تفويض الأمور إلى الله وكمال التوكل، واستمرار التضرع والدعاء وإخلاص النية، والتجرد من الأهواء وحظوظ النفس، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» (رواه مسلم).

وصدق الله إذ قال: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 9] وإذ قال سبحانه عن مؤمني الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10].

وفي النهاية يفعل الله ما يشاء.
اللهم آتنا مِن لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
 

<