المراهقة (الثورية) وخطرها على المستقبل

تمكنت الثورات التي اندلعت في عدة دول عربية من إحياء الأمل في نفوس الشعوب من جديد، وأعادت لها روح التفاؤل بشأن مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعد أن كانت الأنظمة الاستبدادية قد زرعت في نفوسهم اليأس، والقنوط بشأن الحاضر والمستقبل معا..


تمكنت الثورات التي اندلعت في عدة دول عربية من إحياء الأمل في نفوس الشعوب من جديد، وأعادت لها روح التفاؤل بشأن مستقبل أفضل للأجيال القادمة بعد أن كانت الأنظمة الاستبدادية قد زرعت في نفوسهم اليأس، والقنوط بشأن الحاضر والمستقبل معا، ولم يعد أمام الكثيرين حل سوى الهجرة إلى الخارج للهروب من القهر والإحباط، ورغم أن الثورات لم تصل بعد لاهدافها المرجوة نتيجة لعدة اعتبارات تحدثنا عن بعضها في مقالات سابقة إلا أن حالة من المراهقة اعترت بعض الثائرين قد تؤثر بشدة في تحقيق ما تصبو إليه الشعوب من هذه الثورات، وقد تؤدي إلى "كفر" الشعوب بها، وتمنيها عودة الأنظمة الاستبدادية رغم كل مساوئها..


ما نشاهده الآن في مصر من دعوات أسبوعية لاعتصامات يشارك فيها المئات أو الآلاف لأسباب مختلفة يصبُّ في هذا الإطار، فلا يمكن إدارة أي دولة بواسطة عدة آلاف يجلسون في ميدان ما، ولا يمكن أن تنصاع الدولة لرغباتهم مهما كانت، وهناك فرق كبير بين ثورة خرج فيها الملايين للمطالبة بحقوق مشروعة متفق عليها بين جميع أطياف الشعب، وبين بضعة آلاف لهم مطالب قد يتفق على بعضها عموم الشعب، ولكن لا يرى ضرورة من تكرار الخروج من أجلها، وتعطيل مصالح الناس ووقف الإنتاج، وخلق حالة من انعدام الاستقرار.. إنَّ ما يحدث الآن سيؤدي إلى فوضى عارمة وسيسمح بتسلل البلطجية، والمنتفعين من النظام السابق إلى الميدان من جديد بل قد يؤدي إلى إرسال رسائل سلبية للمجلس العسكري سعى النظام السابق وأشباهه في المنطقة لتكريسها ومفادها "أن هذه الشعوب لا يصلح معها إلا اليد الحديدية فإذا شعرت بالحرية تمردت، ولم تنقاد حتى لما فيه مصلحتها"... هؤلاء الفتية الذين يعتصمون الآن في بعض الميادين ـ عشرات فقط في بعض المحافظات ـ ضحية في الأغلب لبعض السياسيين والمنظِّرين العلمانيين الذين يجلسون في مكاتبهم المكيفة، ويشعرون أن البساط بدأ يُسحب من تحت أقدامهم، وان الشارع يبتعد عنهم وتدور نقمتهم الحقيقية على المجلس العسكري بشأن بعض المطالب النخبوية التي طلبوها، ولم تنفذ مثل موضوع الدستور أوَّلا ...


من مخاطر هذه التحركات غير المدروسة أنها بالتدريج ستفقد فاعليتها أوَّلا لقلة عدد المشاركين فيها، وثانيا لعدم الاتفاق مع بقية القوى الوطنية على المطالب والتوقيتات، وليس معنى أن المجلس العسكري استجاب لبعض مطالبها أنها ناجحة فالواقع يؤكد أن المطالب التي تم الاستجابة لها كانت متفق عليها من كافة القوى الوطنية، كما أن بقية المطالب المتفق عليها، والتي لم تنفَّذ في حاجة لتضافر الجهود لتنفيذها، والاتفاق بين كافة القوى لتنظيم اعتصامات مدروسة تحقق الضغط المطلوب مع التخلي عن المطالب الخلافية، وتركها للحكومة المنتخبة التي تمثل الشعب مع الجزم أن تحقيق كافة المطالب المتفق عليها، وعلى رأسها محاكمة الرئيس المخلوع ورموز حكمه وتطهير البلاد من فلول حكمه لن تتم في ظل الوضع الحالي الذي يسعى للتهدئة وضبط الأوضاع في المقام الأول ويتجنب أي مواجهات صادمة مع الخارج والداخل، والمطلوب الآن عدم توريط المجلس الحاكم في اتخاذ قرارات تخدم مصالح فئة معينة، أو منحه الحجة للبقاء في السلطة لفترة أطول لأن هذه الأمور ستساهم في مزيد من توتير الأجواء، وتوسيع مساحة الاختلافات بين القوى الوطنية.. الأوضاع الحالية لا تثير القلق على الحاضر فحسب بل على المستقبل أيضا فماذا يحدث عندما تأتي حكومة ورئيس منتخبين ثم يقومون باتخاذ قرارات لا ترضي فئة من الناس، هل الاعتصام وتعطيل مصالح البلاد سيكون الحل الجاهز والدائم دون الأخذ في الاعتبار إرادة الأغلبية؟ وهل سيواصل المعتصمون محاولاتهم لفرض وزراء معيَّنين على الحكومة المنتخبة بذرائع مختلفة؟ إذن فما فائدة الانتخابات؟ ..


إن المجتمع يحتاج لفهم أوسع لثقافة الاعتصامات، وإلا ستتحول الأمور لفوضى عارمة، وفي الغرب الاعتصامات والمظاهرات تتم بإذن مسبق، ويتم تحديد المكان، وخطوط السير ولا يسمح لها أبدا بتعطيل مصالح المواطنين أوتعطيل الإنتاج، أو تهديد المصالح الحيوية.. لقد كانت الثورة المصرية درسا في النظام والسلمية والاتفاق على الأهداف العامة ولذلك نجحت في فترة قياسية أما ما يحدث الآن فسيخصم من شعبيتها وسط الجماهير خصوصا مع تواصل حالة انعدام الأمن وتدهور مستوى المعيشة، وتحجج الحكومة بالاعتصامات المتوالية وتوقف الإنتاج لتبرير ذلك.


خالد مصطفى - 22/8/1432 هـ
 

<