أنين جريحة

ملفات متنوعة


هذه كلمات أهديها بكل ود تخرج من جراحات عابقات تنزف دما لك أنت يا من كنت سببا في ذاك النزيف

لك أنت يا من أخذتك الغفلة في أحضانها المهلكة يلفحك لهيبها و يحرقك لظاها و أراك تؤثر وهج ذلها و جبروتها على نسمات منعشات ترد الروح و تفجر الطموح ولا ندري ألهذه الغفلة من سهم قاتل يلوح ليرفع السدول عن أنوار يوم صبوح

إليك هذه النفحات تخرج من لفح الأسى لتعانق الحياة كنبضات قلب دقاته لا تكون إلا بتلك الدماء التي تجري لتدخ بقوتها و سرعتها ينابيع الحياة

أذكرك بمن ضيعتها رغم عظيم مكانتها و طول وفائها لك و جميل صبرها عليك و شوق إنتظارها على عتبات بابك كل يوم تبكي و لا ندري أتبكي نفسها أم أن البكاء كان عليك

دموعها تلك التي تقطر بعد النحيب هي روح تخرج من روحك لو كنت تشعر فتنزل بحرقة لتذيب العقبات و تكسر الحواجز و تنير ظلمات الطريق لأجلك و لكنك تصارعها لتخمدها في كل حين و تطفئ ومض سناها من نورعينيك

تشتكي بعدك عنها و مفارقتك لها و لا ندري هل لشكواها من مكان في أذنيك

تذكرك بخصالها و أفضالها و تقدم لك الهدايا الكرام و العطايا الحسان و لكني أراك ترمي بتجهم كل ذلك و تشيح بوجهك عنها كلما لاح نورها إليك

هي لا تسأم في أن تلاقيك ببسمات وجهها كل يوم رغم إعراضك عنها و لا تمل من مد بالخير يداها و لو تنكرت وتضايقت منها

هل تعلم من تلك الجريحة بسهام غفلتك عنها و عن ذاك النزيف الذي صار يقطر من جنباتك و أنت لا تدري ؟؟؟

هل تعلم من تكون تلك التي تمد يداها إليك كل يوم فتردهما بجهلك بعيدا كلما منك اقتربت و لخيرك طلبت

إنها صلاة الفجر تئن و تشتكي من الوحدة و من طول البعاد

صلاة ضيعتها و أهملتها و تجاهلت مكانتها و عظمتها بين الصلوات

و إننا إذ نتكلم عن هذه الفريضة يلفنا الحزن و تأخذنا الشفقة

بمن تخلف عن أدائها بدون عذر و ما كان يعرف هذا في عهد رسول الله عليه الصلاة و السلام إلا في صفوف المنافقين بل إن أبي بن سلول رأس المنافقين كان يصلي الفجر وإن كان متثاقلا ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

« ‏ليس صلاة ‏‏ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما من ثواب لأتوهما ولو حبوا » أي زحفا على الأقدام.

كان يلام و يعنف من تخلف عن صلاة الفجر و لو مرة واحدة فما بالنا بمن يعرف عنه أنه لا يشهدها في جماعة بل ينام عنها

فهل رأيت أعجب من الجنة كيف ينام طالبها و من النار كيف ينام هاربها

تئن تلك الصلاة من قلة المريدين و تراجع المحبين و تفتقدك يا عبد الله عندما تصعد الملائكة بكشوف الأسماء كلها لتعرضها على رب العزة و اسمك في سجل النائمين أو اللاهين الغافلين ....

{ فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ... }

تطرق برفق أبواب بيتك كل يوم تريد مصاحبتك بنورها إلى بيت الله لتشهد لك ملائكة رحمته و تحقق فيك بشرى نبيك الكريم بتمام النور يوم القيامة و لكني أراك لا تجيب

تريد تلك الصلاة أن تقف بجانبك تدافع و تجادل عنك بكل خير في يوم عبوس قمطرير فكيف تعرض عن تلك الشهادة بإهمال حق أداء تلك العبادة و قد سميت من سابع سماء لعظم مكانها بقرآن الفجر

{ أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا }

هل تعلم يا عبد الله أنك إذا خرجت لصلاة الفجر في ظلمات الليل لا تسمع إلا قرع نعلك و لا ترى إلا ظلك تلتفت يمنة و يسرة فلا تجد أحد يمشي غيرك ثم أتيت بيت الله لتصلي الفجر بعدما تركت الفراش الناعم و طويت الغطاء الدافئ و هجرت النوم و لذته

إن ذلك مقياس حبك لله عز و جل بتلبية ندائه و إنها لبشرى بتمام النور لك يوم القيامة من رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما قال « بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة »

أفلا يستحق ذلك الإله الرحيم الكريم منك ، أن تستيقظ له لتلبي نداءه و تقبل ضيافته فتصلي الفجر في بيته ؟

عبد الله اختبر حبك لمولاك و صدق مشاعرك تجاه مليكك و قسه بمقياس صلاة الفجر

فمن منا يجهل أن حبه إن كان صادقا يدفعه للتفكير في الحبيب و يأخذ من وقته و جهده و يسعد بترك لذة النوم إذا حانت لحظة اللقاء بذاك الحبيب بل يطيب في سبيل الأنس به كل مكدر و منغص

فكيف تغفل يا عبد الله عن لقاء رب العزة و تصم أذانك عن سماع صوت الحق ينادي حي على الصلاة ...حي على الفلاح ...الصلاة خير من النوم... و تسقط صلاة الفجر من قاموسك

أما علمت عن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم « من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل و من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله »

و ها هو عمر رضي الله عنه يقول بعدما علم عن أحدهم و قد تخلف عن صلاة الفجر بسبب قيام الليل ( لئن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله )

هذا رجل شغله طول قيام الليل فنام عن صلاة الفجر فماذا نقول عمن شغلهم اللهو و اللعب و المنكرات و ألهتهم الشهوات فناموا و قد بال الشيطان في أذانهم كما أخبرنا عنهم رسول الله عليه أفضل الصلوات

و لكن صدق عز من قائل { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا }

انظر معي يا عبد الله و أرخى مسامعك لبيوت الله تشتكي من أطياف تكسوها و قد هدها الهجران فلا تجد من يصلي إلا القليل ...

منهم النائم و منهم المنشغل بما يريد عمله و منهم المخطط في صلاته لبرنامج يومه و منهم من لا درى ما قرئ من سور و أه ثم أه لو أطال الإمام في صلاة الفجر ...هذا يتأفف و آخر يتململ و يشتكي و ذاك يبحث له عن مسجد آخر...

في حين تزدحم الشوارع و تكتظ الطرقات و تنتشر الحياة بعد ساعة أو ساعتين فقط من وقت صلاة الفجر لماذا ؟؟؟

لقد خرج الناس من البيوت إلى أماكن أعمالهم و كأن تلك البيوت لم تكن أثناء الفجر عامرة بأحياء يسكنونها

عبد الله بادر و لا تتردد و اسعى بجد إلى لقاء ربك في كل يوم و ضحي بلذة النوم فتعوض عنها بلذات كثيرات طويلات أمدهن و تنعم بحلاوة الإيمان التي حرمها الكثير من العباد

إياك أن تغفل عن نداء الحق و ترمي مشاعل النور التي تضيء لك طريق الحياة و تؤنسك في قبرك بعد الممات و ترافقك إلى الجنات

اثبت يا عبد الله و لو كنت وحدك و لا تستوحش الطريق إن قل الصاحب و لا تقل غيري ينام و أنا أسير لوحدي يلفني برد السقى و يحيط بي ظلام الليل فإنه نور لك يوم القيامة يوم الظلمة الكبرى يوم تختفي الشمس و قد كورت و النجوم و قد انكدرت و الكل يلتمس النور

من الناس من يكون نوره كالجبال و منهم من يكون كمد البصر و منهم من يكون نوره كإصبع في قدميه يضيء مرة و ينطفئ مرة و منهم من يكون أعمى في تلك الظلمات

تخيل معي يا عبد الله و أنت تسير على الصراط و جهنم تغلي من تحته لهيبها يفصل اللحم عن العضام و هي تقول هل من مزيد

تخيل و أنت تسير في صراط أحد من السيف و أدق من الشعرة و تمر من فوقه و أنت في ظلام هل تستطيع أن تجيد المرور و هل تستطيع في الظلام الوصول

فلتمس لنفسك نور صلاة الفجر قبل أن ينادي المنادي و قد جاءتك سكرة الموت التي كنت منها تحيد .

المصدر: زهرة الندى

 
 
 
 
 
 
 
 
 
<