رئيس لكل المصريين

لا يعلم مخلوق من هو المرشح الذي سوف يحصل على تأييد أكثر المصريين للفوز بمنصب رئيس الجمهورية، لكن النقطة التي تحظى بإجماع وطني أن الرئيس الجديد سوف يكون بالضرورة رئيساً لكل المصريين...


لا يعلم مخلوق من هو المرشح الذي سوف يحصل على تأييد أكثر المصريين للفوز بمنصب رئيس الجمهورية، لكن النقطة التي تحظى بإجماع وطني أن الرئيس الجديد سوف يكون بالضرورة رئيساً لكل المصريين، وليس رئيس حزب احتكاري أو مندوباً لشريحة ضيقة عسكرية أو اقتصادية. فهو سيكون مديناً بموقعه للشعب الذي اختاره، وإذا حاول تقليد الرؤساء السابقين فسوف يندم بقية عمره.


ولعل هذه الميزة الكبرى لثورة 25 يناير إذ إنها استعادت القرار من قبضة الطواغيت ليصبح الشعب هو صاحب السيادة الفعلية على حاضره ومستقبله.


وهذا التغيير الجوهري لا يخص مصر دون سواها، فالتجربة الإنسانية على امتداد تاريخها ، تؤكد استحالة أن يكون الحاكم المستبد ممثلاً لشعبه أو لأكثريته، وذلك ما يشهد به المنطق الواقعي، فلو كان المستبد يعبّر عن الجمهور العريض من محكوميه لما لجأ إلى الطغيان والتسلط والتفرد في السلطة واعتماد القهر والعنف المفرط في بسط سلطته.


ونظرة متأنية لتاريخ مصر في ظل الجمهورية تعد نموذجاً عملياً لهذه الحقيقة الراسخة، فمنذ انقلاب العسكر في 23 يوليو 1952م جرى حكم مصر من قبل فرعون جديد، يمسك سائر السلطات ويقرر ما يشاء دون حسيب أو رقيب، فهو فوق النقد ومن باب أَوْلَى فوق المساءلة.


وعندما اختلف زعماء الانقلاب الذي سموه "ثورة" حول طبيعة حكم البلاد، انتصر الطاغية جمال عبد الناصر على زملائه المنادين بإعادة الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة، وزج برئيس مجلس قيادة الثورة اللواء محمد نجيب في السجن ولم يخرج المسكين من محبسه إلا بعد هلاك عبد الناصر ثم خليفته أنور السادات.


فالرئيس الديكتاتور لا يهمه رأي الناس لأنه تسلط عليهم بالقوة ولم يأتِ إلى كرسيه باختيارهم لكي يحسب لهم أدنى حساب.ويكمل المنافقون مسرحية طغيانه بالغلو في "مواهبه" التي ليس لها نظير، ويماهون شخصه مع الوطن، فكل من يحمل رأياً مختلفاً هو عبارة عن عميل لأعداء البلد وخائن يجب تصفيته!!


إلا أن التنبه إلى هذه القاعدة الذهبية اللازمة لإدراك المشهد الحالي الواعد إدراكاً موضوعياً، لا يعني طمس الفروق الأساسية بين المرشحين الثلاثة عشر، سواء أكانت فروقاً فكرية أو سياسية تتعلق ببرامجهم أو تتصل بتاريخ الشخص الإيجابي أو السلبي.فلا يمكن وضع الذين تصدوا لاستبداد مبارك وفساده على قدم المساواة مع الذين كانوا أدوات لنظامه الجائر ونهبه المنظم لثروات الوطن والتلاعب بمقدرات الشعب.


صحيح أن التضليل الإعلامي يؤثر في توجيه إرادة الناخبين لكن التجربة لا بد أن تمضي إلى نهايتها، وهي كفيلة إن شاء الله بتصحيح مسارها والتغلب على عثراتها، فالمهم هو تثبيت مبدأ أنه لا مشروعية لحاكم مستبد، فالشعب هو الذي ينتخب وإذا أساء الاختيار مرة فلن يسيئه دائماً.


وصحيح أن العسكر يهمهم الإتيان برئيس مطواع يستطيعون ترويضه لعلهم ينجحون في النهاية بترسيخ موقع للمؤسسة العسكرية يتيح لها التأثير في صنع القرار السياسي والاقتصادي تحت ذرائع الأمن القومي وما يضاهيها من شعارات حق يراد بها باطل.

والجماعة لا يخفون تطلعاتهم هذه وإن كانوا يقدمونها عبر تسريبات غير رسمية كبالونات اختبار لرصد ردود فعل الشارع الشعبي والسياسي، وبخاصة أن بعض الجنرالات تحدثوا بإعجاب يثير العجب بالتجربة التركية، حيث تولى الجيش هناك فرض العلمنة عنوة على المجتمع التركي المسلم!!


لكن المفارقة أنهم يريدون تطبيق "نموذج" بائس لطالما مقته المكتوون بناره، وها هم الأتراك يقلمون أظفار الجيش تدريجياً حتى ليكاد يصبح جيشاً يشبه الجيوش في البلدان المتقدمة حيث تنحصر وظيفته في حماية البلاد من أي تهديدات خارجية ليس غير.وهنا يصح في القوم ما تقوله العامة عن الذي يذهب إلى الحج بينما الحجاج قضوا مناسكهم وأخذوا يعودون إلى ديارهم.


إن الطبقة السياسية المصرية تستطيع أن تدخل التاريخ بشرف من أوسع أبوابه إذا تجاوزت خلافاتها وركزت على حماية ثمار ثورة الشعب المصري، بدلاً من التلهي بمكاسب ذاتية عابرة.


23/6/1433 هـ
 

<