قصة بداية الوحي

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرًا، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية...



جاء في سيرة ابن هشام :

- أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة:

قال ابن إسحاق: "فذكر الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أنها حدثته: أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به، الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح، قالت: وحبب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده"


- تسليم الحجارة والشجر عليه صلى الله عليه وسلم:

قال ابن إسحاق: "وحدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية عن أهل العلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، قال: فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله (ص: 235) وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلا الشجر والحجارة. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع، ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله، وهو بحراء في شهر رمضان.


- ابتداء نزول جبريل عليه السلام:

قال ابن إسحاق: "وحدثني وهب بن كيسان، مولى آل الزبير، قال: سمعت عبد الله بن الزبير، وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد، كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين جاءه جبريل عليه السلام؟ قال: فقال عبيد: وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير ومن عنده من الناس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرًا، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية".

قال ابن إسحاق: "وحدثني وهب بن كيسان قال: قال عبيد: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك، كان أول ما يبدأ به، إذا انصرف من جواره الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعًا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته، من السنة التي بعث الله تعالى فيها؛ وذلك الشهر -شهر رمضان- خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى".


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فجاءني جبريل، وأنا نائم، بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال اقرأ، قال: قلت: ما أقرأ؟ قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أقرأ؟، قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ماذا أقرأ؟، قال: فغتني به حتى ظننت أنه (ص: 237) الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: فقلت: ماذا أقرأ؟، ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. قال: فقرأتها؛ ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي، فكأنما كتبت في قلبي كتابا. قال : فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفًا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك؛ ثم انصرف عني».


- رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على خديجة ما كان من أمر جبريل معه:

وانصرفت راجعًا إلى أهلي حتى أتيت خديجة؛ فجلست إلى فخذها مضيفا إليها: فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة (ص: 238) ورجعوا لي، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده؛ إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.


- خديجة بين يدي ورقة تحدثه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رأى وسمع؛ فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت؛ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له ورقة : "والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرًا يعلمه".
ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله.


- امتحان خديجة برهان الوحي:

قال ابن إسحاق: وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير: أنه حدث (ص: 239) عن خديجة رضي الله عنها، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني، قالت: قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى؛ قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس على فخذي اليمنى؛ قالت: فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، قالت: فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجلس في حجرها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم، قال: فتحسرت وألقت خمارها؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها، ثم قالت له: هل تراه؟ قال: لا، قالت يا ابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملك وما هذا بشيطان».


قال ابن إسحاق: "وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث، فقال : قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا لملك وما هو بشيطان".

قال ابن إسحاق: "ثم تتام الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله، وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم، والنبوة أثقال ومؤنة، لا يحملها ولا يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه، لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى. قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جمع وترتيب قسم المقالات - موقع طريق الإسلام
 


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

<