غاب الخليجيون وحضرت إيران

تهديد حقيقي تتعرض له دول الخليج –وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الجارة الكبرى لليمن- بتخليها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا عن اليمن، تاركة هذا العمق الجغرافي والاجتماعي لإيران لتعمل في المساحة الفارغة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.


تهديد حقيقي تتعرض له دول الخليج –وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الجارة الكبرى لليمن- بتخليها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا عن اليمن، تاركة هذا العمق الجغرافي والاجتماعي لإيران لتعمل في المساحة الفارغة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.


فإيران بما تملكه من خبرات وقدرات تتمدد في وجودها وعلاقاتها بالأطراف اليمنية السياسية والاجتماعية والمذهبية، مستغلة حالة الفوضى السائدة وسعي القوى المختلفة في كسب نصير لها ضد خصومها الداخليين!
فالحوثيون لا يزالون مرتهنين في تمويلهم ودعمهم لإيران، وبعض قوى الحراك الجنوبي الداخلية والخارجية بدأت في التنسيق الفعلي داخليا وخارجيا مع إيران، وهناك لقاءات باتت تجمع قيادات من فصائل الحراك بالسفير الإيراني ومبعوثين إيرانيين أو مسئولين من طهران في اليمن أو في دول أخرى.

وغير بعيد عن الحوثيين وبعض قوى الحراك الجنوبي المؤتمر الشعبي العام، وبعض القوى الدينية والقبلية التي تسعى لتثبيت قدم لها في المستقبل المنظور. فهناك تغلغل واضح لقيادات موالية لإيران في المؤتمر الشعبي العام، وهي ترى الظرف مناسبا لربط المؤتمر بإيران كقوة إقليمية مساندة في وجه الخصوم السياسييين، وانتقاما منهم. ولم يعد خافيا على المراقبين الارتباط القائم اليوم بين هذه القيادات –والمؤتمر الشعبي العام- وبين الحوثيين في تنسيق جهودهم وتبادل الأدوار الهادفة لزعزعة الأمن وإضعاف الحكومة الحالية وتوسيع نفوذ الحوثيين المسلح إلى محافظات عدة.

كما أن اتصال بعض القوى المذهبية في الجنوب أو في الشمال بأطراف إيرانية أصبح مثارا للحديث في المجالس والمنتديات وتتناوله الصحف بين فينة وأخرى. فإيران ترى في أعداء خصومها أصدقاء يمكن توظيف مشاريعهم في تفتييت الصف اليمني وتشتييت الكلمة اليمانية.


إن التشيع السياسي لإيران بات يتسرب في قطاع كبير من اليمنيين، بكل شرائحهم وفئاتهم، حتى في الأوساط الإعلامية والحقوقية والمجتمع المدني. وهناك تحول لدى البعض إلى التشيع العقدي تحت كثافة الاتصالات والمغريات التي تحيط به من قوى إيران الخفية في اليمن.

المنظور السطحي للوضع اليمني لا يشي بخطورة كبيرة، إلا أن النظرة المتعمقة للوقائع والأحداث والتحولات يشي بتهديد كامن يتنامى حينا بعد حين. فإيران التي تشعر بخسارتها في سوريا وتصارع من أجل بقاء النظام النصيري هناك تبحث عن موقع جديد لزرع بذور الولاء لها والتبعية لمذهبها.


والملامة لا تقع في الحقيقة على إيران، فمن الطبيعي أن تمارس هذا الدور، لكن الملامة كل الملامة أن يتخلى أهل الخليج عن إخوانهم اليمنيين وغالبيتهم من السنة، دون سند أو دعم أو عون سياسي واقتصادي واجتماعي ولوجستي متعدد المنافذ ومتنوع السبل. كما أن الجريمة كل الجريمة أن يبيع اليمنيون ولاءاتهم ودينهم لأجل مصالح مادية أو أحقاد راسخة لم يجدوا لها تنفيسا إلا بأن يمكنوا العدو الخارجي من رقاب إخوانهم ورقابهم مستقبلا.


لقد رأينا جميعا ما جرى في العراق وما يجري في سوريا، ويعرف بعضنا حال أهل السنة بكل أعراقهم ومذاهبهم في إيران، ولا حاجة لسرد الصورة القبيحة للعصبية المذهبية المقيتة للقوى الشيعية في عدائها للسنة.. قتلا وتعذيبا وترهيبا وحرمانا وتشريدا.


ينام الخليجيون على (بحيرات من النفط والغاز)، ويحلمون بتنمية وازدهار وعيش رغيد، ناسين أو متناسين بأن غياب الأمن لن يدع لهم مجالا لتحقيق هذه الأحلام، بل قد يستنزف ثرواتهم وإمكاناتهم في سبيل إعادة تأمين أرواحهم وأعراضهم وكرامتهم فضلا عن عيشهم الرغيد الآمن. وقريبا أو بعد حين ستكشف الأيام عن (الجمر الذي تحت الرماد)! وقد تندلع ثورة بركان هائج يغير الخارطة السياسية والمشهد العام في المنطقة نتيجة تحالف قوى الظلام الشيعي مع قوى الظلم الحاقدة التي لا تعرف غير الانتقام والكراهية والذين يمنون أنفسهم معا في حرق المنطقة بأكمالها.


إن أبناء اليمن يخطئون عندما يعيدون عجلة الارتهان بالأجنبي البعيد عنهم إلى ميدان التنافس بينهم، لتستحيل علاقتهم إلى نزاع مسلح وصراع دموي، لا مكان فيه للحوار ولا موطن فيه للعقل ولا وازع فيه من دين أو ضمير حي. وكم تجرع اليمنيون من ويلات هذا الارتهان في تاريخهم القديم والحديث وفي واقعهم المعاصر.


ختاما.. فـ(أصدقاء اليمن) حقيقة هم أولئك الذين يعينون اليمنيين ليكونوا جسدا واحدا مهما تباينت آراءهم واختلفت مسالكهم، ليخرجوا جميعا من مأزق الخوف والفقر والجهل. أما الذين يتربصون به الدوائر فهم أعداء له مهما اتخذوا لأنفسهم من شعار:

إن أخاك الصدق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك

اللهم اكفنا شرور أنفسنا ولا تمكن علينا عدوا لا يرقب فينا إلا ولا ذمة.


أنور الخضري - 29/6/1433 هـ
 

<