سوريا... الحل من بوابة الجولان

كل يوم يودِّع أهلنا في سوريا الشهداء بعد كل مجزرة جديدة يرتكبها النظام القمعي بحقهم، ويُتبعها باعتقال العشرات وإصابة المئات في حالة يعيشها الشعب في الداخل السوري منذ أكثر من عام، ولا جديد على الصعيد الدولي والخارج، وكل ما يجرى هو فقط محاولة للالتفاف على عنفوان الثورة وإرهاقها !


كل يوم يودِّع أهلنا في سوريا الشهداء بعد كل مجزرة جديدة يرتكبها النظام القمعي بحقهم، ويُتبعها باعتقال العشرات وإصابة المئات في حالة يعيشها الشعب في الداخل السوري منذ أكثر من عام، ولا جديد على الصعيد الدولي والخارج، وكل ما يجرى هو فقط محاولة للالتفاف على عنفوان الثورة وإرهاقها بعد أن تُدمَّر سوريا في ظل الصراع بين الثوار وشبيحة النظام الأسدي الذي يتلقى الدعم القوي من قبل حلفائه الإيرانيين وكل من يدور في فلك إيران في المنطقة العربية.

حجم الضَّرر والقتل الذي يتعرض له الشعب في الداخل السوري منذ أكثر من عام لم يجد بعد الصَّدَى المطلوب في المنطقة العربية والعالم، وكل ما يجري هو عبارة عن مُهَل زمنية، فمن مهل الجامعة العربية إلى مهمَّة عنان إلى المراقبين الدوليين، ولا جديد فالقتل مستمر وإن خفَّت الوتيرة في بعض الأيام لكن النظام يصّر على القمع.


القوى الغربيَّة ترى أن بقاء الحالة السورية على هذا الحال إلى أطول فترة ممكنة، سيخدم مصالحها في المنطقة من حيث الأولوية والترتيب حتى لا تقع مفاجآت من العيار الثقيل كصدمة سرعة نجاح الثورة المصرية، فهي غير مستعدة لأن تتعرض لصدمة جديدة في سورية فلذلك تحاول تسويف الحلول لكسب الوقت لصالحها.

الطموح الغربي لم يتوقف عند المماطلة في الوقت بل كانت هناك محاولات لدفع تركيا إلى دخول المعركة في سوريا بالعتاد العسكري وليس سياسياً فقط لتنغمس تركيا في المشكلة السورية مما يعرِّضُها إلى إشكالات، ويُدخلها في صراعات في المنطقة تؤدِّي إلى وقف نموِّها الاقتصادي وتنامي دورها السياسي المتزايد في المنطقة، وبذلك تتراجع قوة الحزب الحاكم هناك ويتراجع مشروع النهضة الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، وبذلك تكون قد أحسنت في وضع العصا في دواليب المارد التركي، مما سيُضعف من تأثيره على المنطقة لصالح الغرب.

على الجانب الآخر تقف روسيا إلى جانب النظام السوري بكل قوة باحثة عن المكاسب لها بعد فترة من الغياب عن الساحة الدولية، فوجدت المدخل الحقيقي لها من البوابة السورية، بالإضافة إلى أنها ستخسر آخر القلاع في الشرق الأوسط لصالح الغرب في حال سقوط النظام السوري مما سيؤثر على محيطها الذي يعيش بين الفينة والأخرى حركات تمرُّد وانفصال، وسيكون لنجاح الثورة في سوريا في ظلِّ النمو التركي تعزيزاً لهذه الحركات المسلمة، لذلك فإن روسيا مستفيدة من حالة التسويف الحاصل في الملف السوري.


للكيان الصهيوني جانب هام في المعادلة، فهو ما زال ينظر إلى الثورة السورية على أنها تشكل خطراً عليه ولا يريد تغييراً في سوريا، فقد عاش في ظلِّ النظام السوري حالة من الهدوء على حدود الجولان لمدة 40 عاماً، وقد أصبح يفهم النظام القائم بشكل جيد والكيان الصهيوني - حاله حال الغرب – ما زال في صدمة من نجاح الثورة المصرية ويشعر بالاستفزاز من قبلها بسبب بعض القرارات وكذلك نجاح الإسلاميين في الحصول على أغلبية في البرلمان المصري، فالكيان الصهيوني يجد في ضعف وخلخلة النظام الأسدي أمراً إيجابياً له وفي نفس الوقت يشعر بالارتياح للحالة السورية العامة - أي حالة التسويف والمماطلة - ومازال الكيان يشعر بتوفُّر الأمن على حدوده وهو لا يحبِّذ الحلَّ السريع في سورية أو انهيار النظام بشكل سريع.

أمام هذه المعادلة وهذا التعقيد الذي تعيشه الثورة في سوريا في محاولة لإفقادها زخمها، وإرهاقها وإثقال كاهلها بحجم المجازر التي تتعرض لها من قبل قوات القمع الأسدي، فإن ذلك يحتّم عليها أن تفكر بتغيير المعادلة القائمة الآن من خلال غياب المبادرة العسكرية والاحتفاظ بالعمل الدفاعي في الكثير من الأحيان.

المبادرة والتكتيك يمكن في حال تفعيل جبهة الجولان – التي لا يختلف أحد على أهمية استقرارها – على إدارة الملف السوري في مجلس الأمن، فالغرب والروس والكيان الصهيوني لم يستشعر بعد الخطر من هذه البوابة لذلك لن يشكّل ضغط لتقديم حل سريع للأزمة السورية، وإشعال جبهة الجولان والتي كان وما زال يهدد النظام بتفعيلها والجميع يعلم بأنه أجبن من أن يستغلها، فقد حاول في بداية الثورة إشعالها بالمظاهرات في أحداث النكسة والنكبة، ولكنها كانت محاولات لا تشكّل تهديداً حقيقياً.

ورقة الجولان ورغم المخاطرة في استخدامها من خلال وقوف الغرب ضد الثورة، إلا أن ذلك لا يمكن أن يُعِيد الثورة إلى العهد الماضي فما تحقق من الثورة لا يمكن للثوار التراجع عن مكتسبات هذه الثورة.


إن عسكرة الجولان وشعور الكيان بعدم الأمن من هذه البوابة سيشكل ضغطاً كبيراً على كافة الأطراف للبحث عن مخرج للثورة السوية، والعمل على وقف ما يتعرض له الشعب السوري الذي انتفض ولن يتراجع إلا بحصوله على الحرية والعدالة.
ما يعيق الثورة في الداخل هو الإنصات المفرط من قبل المعارضة للأطراف الخارجية وتدويل الملف السوري لن يحقق نتائج على الأرض، فالانتصارات تأتي من سواعد الداخل فافتحوا جبهة الجولان عسكرياً وافرضوا واقعاً جديداً وهذا كفيلٌ بتغيير المعادلة.


حمزة إسماعيل أبو شنب - 16/6/1433 هـ
 

<