مفاجأة شفيق والثورة المضادة والدولة العميقة !

يقف كثير من المراقبين لانتخابات الرئاسة المصرية عاجزا عن فهم النتائج التي أسفرت عنها في جولتها الأولى التي جرت يومي الأربعاء والخميس الماضيين.. ومثل صعود المرشح أحمد شفيق للمركز الثاني صدمة للأوساط السياسية ، لما يمثله من انقلاب على الثورة المصرية وإهدارا لدماء الشهداء وإعادة إنتاج نظام مبارك المخلوع.


يقف كثير من المراقبين لانتخابات الرئاسة المصرية عاجزا عن فهم النتائج التي أسفرت عنها في جولتها الأولى التي جرت يومي الأربعاء والخميس الماضيين..
ومثل صعود المرشح أحمد شفيق للمركز الثاني صدمة للأوساط السياسية ، لما يمثله من انقلاب على الثورة المصرية وإهدارا لدماء الشهداء وإعادة إنتاج نظام مبارك المخلوع.

وجاء تراجع المرشح عبد المنعم أبو الفتوح إلى المركز الثالث بسبب عدم يقين كثير من الثوريين بانتمائه الكامل لهم، وتشتت أصوات السلفيين بل عدم خروج كثير منهم للتصويت، حيث اكتفى بعضهم بالتأييد الإعلامي لأبو الفتوح دون التأييد على أرض الواقع.

ولعل عدم اتفاق أبو الفتوح والمرشح حمدين صباحي كان بداية لانهيار أسهم ابو الفتوح ، حيث راهن ابو الفتوح على أصوات نحو 2 مليون كان بوسع السلفيين وضعهم في حصالة أبو الفتوح....وهو نفس الأمر الذي صرف كثير من القوى الليبرالية عن تأييد ابو الفتوح.


جانب آخر يفسر تراجع أبو الفتوح وهو عمل كثير من أجهزة الدولة العميقة ضد صعوده لتخوفهم من أن يصبح رأس الثورة في قمة السلطة بما يهدد مستقبل وضعية المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية. علاوة على المناظرة الشهيرة التي دارت بينه وبين عمرو موسى وتسببت في خروج كثير من مؤيديهما إلى دوائر المرشحين الأقرب إليهما وهما شفيق وحمدين صباحي.


شفيق مرشح طرة الحقيقي
ولعل المصاب الأكبر لعموم الأمة المصرية تمثل في صعود مرشح الفلول وصنيعة النظام المخلوع وحصوله على المركز الثاني بفارق قليل عن الفائز بالمركز الأول محمد مرسي، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول الرأي العام المصري وتوجهات الشعب الذي ذاق مرارة حكم الفساد والاستبداد والذي شارك فيه شفيق لمدة ثلاثين عاما، ثم يصوت له مرة أخرى...فماذا حدث؟



ولفهم ما حدث نقف أمام أدوار عدة تفسر الحقائق..

الإعلام : الذي كان اللاعب الأساسي في تلك المرحلة والتي فشل فيها الإسلاميون والثوريون ، بينما نجح إعلام رجال الأعمال الذي تضخ فيه المليارات لثني مسار الثورة المصرية عن مسارها الطبيعي وبما تحمله من استحقاقات وعدالة مؤجلة وأموال منهوبة قد يؤمنها نجاح شفيق. التخويف من الإسلاميين والتحذير من عدم الاستقرار كان المضمون الرئيس للرسالة الإعلامية.


المال السياسي الفاسد: والذي جاء من العديد من الأطراف سواء من أقطاب النظام المخلوع ورجال الأعمال الذين يحاكمون ، والتي تقدر قيمة ما أنفقوه في المعركة الرئاسية ما يناهز الـ10 مليارات جنيه، لانقاذ كثير من الرقاب والاستثمارات الفاسدة على يد المنقذ شفيق.

أصوات الحزب الوطني: والتي رفعها جمال مبارك إلى 5 ملايين عضو، وهو نفس الرقم الذي حصل عليه شفيق، وتلك الكتلة التصويتية التي فقدت الثقة في نفسها خلال الانتخابات التشريعية، نجحت أطراف عسكرية وأمنية في إعادتها إلى الحياة، من خلال انتخابات الرئاسة التي قد تعيد انتاج النظام المخلوع وما يحمله من مصالح كبيرة لدوائر الفساد التي ما زالت تتربع في أوصال الحياة السياسية وفي أرجاء الدولة العميقة.


الدولة العميقة: التي تؤكد كثير من الشواهد عملها لإنجاح شفيق عبر سيل واسع من الخدمات اليونمية والاحتكاك المباشر بالجمهور في كثير من المرافق الرسمية، بجانب صدور تعليمات مباشرة بانتخاب شفيق لضمان الاستقرار المزعوم. وقد تجلت أدوار الدولة العميقة في إرهاق المواطن المصري خلال الفترة الانتقالية التي سادها الاضطراب الأمني والخدماتي والاقتصادي من أجل هدف وحيد وهو تكفير المصريين بثورتهم، عبر غلاء مفتعل في الأسعار ونقص في بعض السلع والخدمات وإثارة الفوضى والمشكلات في أوقات عديدة ..


أداء بعض الإسلاميين في البرلمان: كان مثار كثير من الجدال وسببا لاعراض كثيرين عن اختيار مرشح إسلامي، في ضوء الصورة الذهنية التي ركز على رسمها الاعلام المصري، الذي نجح لحد كبير فيما خطط له من تشوية الصورة ووسم الأداء بالمتخبط وترسيخ شبهة التكويش على السلطة من قبل التيار الإسلامي والإخوان تحديدا...فاقم تلك الصورة فشل الإعلام الإسلامي والإعلام المحايد في صحيح الصورة، تجلى ذلك في كثير من الأصوات التي ذهبت لشفيق بوصفه مرشح الدولة والآستقرار.

ولعل كثير من أصوات جيل الآباء وكبار السن الذين يستقون ثقافتهم ومعلوماتهم من وسائل الإعلام الرسمية وبعض القنوات الفضائية ، جاءت في غير صالح مرشحي الثورة والإسلاميين.


الإعادة واستعادة روح الثورة
ويبقى الرهان الأساسي على قدرة د.محمد مرسي على استعادة روح الثورة وبناء ولاءات وتحالفات وليست مفاوضات مع أنصار المرشحين أبو الفتوح وحمدين صباحي وشباب الثورة المصرية وتقديم تطمينات حقيقية حول مستقبل العمل السياسي والتحالف الرئاسي المقبل، وذلك لتجسير الهوة الكبيرة التي صنعها الإعلام والارتباك في بعض المواقف السياسية للتيار الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بتأسيسية الدستور، والقوانين المقترحة حول قانون المحكمة الدستورية العليا وإصلاح الأزهر واتحاد العمال...وغيرها من المواقف التي تفرض إعادة هيكلة المواقف وفق تطورات المزاج العام المصري، لا وفق ما تراه بعض المؤسسات وما تبنيه من رؤى وفق معطيات قد تكون غير مرتبطة بالواقع السياسي والتطورات الاجتماعية والثقافية المتجددة...


رضا عبدالودود - 9/7/1433 هـ
 

<