براءة مبارك المؤجلة وضرورات المرحلة

إعادة محاكمة قتلة الثوار بأدلة قوية وحقيقية بات مطلب الشعب المصري الحزين على شهدائه، ولن يحقق له ذلك سوى مرسي وليس أحمد شفيق الذي لن يفكر نهائيًا في محاكمة مثله الأعلى، بل وبكل تأكيد سيسعى إلى التخفيف عنه.


إعادة محاكمة قتلة الثوار بأدلة قوية وحقيقية بات مطلب الشعب المصري الحزين على شهدائه، ولن يحقق له ذلك سوى مرسي وليس أحمد شفيق الذي لن يفكر نهائيًا في محاكمة مثله الأعلى، بل وبكل تأكيد سيسعى إلى التخفيف عنه.

فبعد حكم البراءة للقتلة المباشرين، والبراءة المؤجلة لمبارك والعادلي تتضح كثير من معالم سيناريو امتصاص الثورة المصرية، وإعادة انتاجها من خلال النظام العسكري القائم والذي (حسبها صح) من أول أيام الثورة بانحيازه للشعب مع مراعاة النظام القديم مبارك، وضمان سلامته وعائلته وأركان نظامه، عبر محاكمات جنائية بلا أدلة مدينة بشكل واضح، وإطالة فترة المحاكمات ومد مواعيد الجلسات، في رهان على النسيان ومروءة المصريين التي لعب عليها إعلام نظام مبارك ورجال أعماله أصحاب المصلحة الحقيقية في إعادة انتاج نظام الفساد والاستبداد، بشكل مشابه للبونبون أحمد شفيق.


ولعل أول ما يتبادر للذهن عند سماع تلك المهزلة التي اكتوى بنيرانها وغلوائها ملايين المصريين الذين لا يستطيعون نسيان دماء أبنائهم، مسألة الأدلة ومحاولات القاضي (أحمد رفعت) عبر مسودة حكمه التأكيد على أن الأدلة المقدمة لا ترقى إلا إلى مثل تلك الأحكام.

ولا يتحمل مسئولية ذلك سوى النيابة العامة التي قدمت القضايا بلا أدلة واضحة، ويشاركها في ذلك جهاز الشرطة ووزارة الداخلية التي أخفت كافة التسجيلات وأدلة الإدانة، ما يستدعي محاكمات عسكرية عاجلة لكل من دمر دليلا أو أخفى تسجيلا يكشف حقيقة ما جرى، وتشير تلك الأحكام المخففة إلى كثير من التكهنات المستقبلية على الجميع التنبه إليها والعمل على معالجتها، ومنها:


- النظام القديم يحاكم بقوانينه هو، فلم يستشعر أحد أن هناك نظامًا جديدًا يحاكم نظام قتل شعبه بدم بارد، بل لم يجد القاضي وهيئة المحكمة طلقة رصاص واحدة كدليل مادي، وكأن الثوار قتلوا بعضهم البعض.
- الفساد المالي والسياسي لم يثبت على ابني الرئيس ما يصعب معه جهود استرداد أموال مصر المنهوبة والمهربة، ما يضع مسئوليات كبيرة على النظام القادم إن كان في نيته الانحياز للثورة والثوار.


- كلنا ثوار: هذا ما حاولت المحكمة إسباغه على أحكامها التي جاءت دون حدود العدالة التي لم تنجزها الأدلة، لكنها لا تخفى على ضمير القاضي، الذي أوقف بصره وبصيرته عند الحدود الدنيا للقانون وروحه وعدالته.
بل باتت المرحلة المقبلة مهددة بضياع الروح الحقيقية لثورة (25 يناير) والتي يتغنى بها الجميع فيما يقتلها كثيرون في الحقيقة والخفاء، كما نراه من نغمات مرشح الرئاسة (أحمد شفيق) الذي يشيد بها ثم يندم على نجاحها، -سمك لبن تمر- وذلك ما يطرح على الثورة وأبنائها تحديات جمة نحو قطع أذناب النظام البائد..

وحياتنا السياسية في ضوء ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تصويت على منصب الرئاسة، وفي ضوء ما نسمعه ونتابعه من إدارة حملة شفيق من قبل وزير داخلية موقعة الجمل محمود وجدي، الذي سيستكمل حملته مستعينًا بمساعدي العادلي، الذين خرجوا براءة من دماء الشهداء التي تتخضب من أيديهم حتى الآن.


- ولعل قراءة تلك الأحكام التي جاءت سياسية بامتياز، تشير إلى السيناريو القادم والتي باتت مصر أقرب فيه إلى رومانيا، حيث ثارت الثورة لتأتي بأحد بدائل مبارك في حال فشل سيناريو التوريث الذي كان قائما في 2010 وأجهضته الثورة، وهو الفريق شفيق الذي لن يتورع في تخفيف أحكام القضاء باتصالاته بالقضاة، كما نطق بلسانه في حواره على إحدى القنوات الفضائية المصرية، وقت حكم المحكمة بسجن الفنان عادل إمام لازدرائه الدين الإسلامي، وذلك بقوله: "أنه سيتصل بالقضاة ويسعى لتخفيف الحكم".

فهذه هي العقلية التي ستحكم مصر إذا استمر الإعلام المصري في توجيه سهامه النارية صوب مرشح الثورة (محمد مرسي) بمساندة أموال الفاسدين من رجال الأعمال الذين فتحوا خزائنهم (لشفيق) من أمثال (أحمد عز، وفؤاد أباظة ويحيى منصور...). وغيرهم لإنقاذ مصالحهم التي تهددها الأيادي المتوضئة، التي لم تتلوث بفساد من أصحاب مشروع النهضة الشاملة والواقعية، علاوة على الهبوط في مستوى الدعاية المضادة إلى درجة الكذب وازدراء القوانين، كأحد آليات حملة شفيق التي تقنع كل المخالفين للقانون على أن شفيق هو الضمانة الحقيقية لبقائهم ومصالحهم، من أصحاب السوابق والمتهربين من دفع الضرائب، وسائقي الأجرة وأباطرة تجارة الأراضي ومخالفات البناء وأصحاب التوك توك...

لا بد من أن تصل الى الحكم قوى أخرى لغرض استكمال مهام الثورة، ولا بد لقوى الثورة الآن أن تتحد وتعمل على عدم اعتلاء شفيق سدة الحكم، لقد نطق النظام القديم عبر المحكمة، فلينطق الشعب إذًا في الانتخابات، ولتيقن قوى الثورة والمعارضة أن نجاح مرسي بات المخرج الوحيد لإنهاء فترة مبارك، التي ما زلنا نعيشها بعد عام ونصف من الثورة.


رضا عبد الودود
 
<