الحكم ببراءة مبارك

لا يخفى على أي شخص يفهم القانون إذا ما قرأ نص الحكم الصادر في محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أنه رغم نطقه بمعاقبة مبارك بالسجن المؤبد إلا أن سياقه يقضي ضمنًا بتبرئته ويعطي أسبابًا للطعن بالنقض يسفر عن تبرئة المتهمين من جانب محكمة النقض.


لا يخفى على أي شخص يفهم القانون إذا ما قرأ نص الحكم الصادر في محاكمة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أنه رغم نطقه بمعاقبة مبارك بالسجن المؤبد إلا أن سياقه يقضي ضمنًا بتبرئته ويعطي أسبابًا للطعن بالنقض يسفر عن تبرئة المتهمين من جانب محكمة النقض.

هذه الحقيقة لا تدعمها فقط آراء المستشارين والمحامين وأساتذة القانون، ولكن ترسخها كذلك الشواهد التي تسد عين الشمس، إذ أعقب صدور الحكم أمر من النائب العام بالطعن على الحكم، وقال عادل السعيد النائب العام المساعد والمتحدث باسم النيابة إن النائب العام عبد المجيد محمود أمر بدراسة أسباب الحكم للطعن عليه أمام محكمة النقض.

وعبد المجيد محمود هو -للمناسبة- النائب العام الذي عينه مبارك نفسه في عام 2006م، وقد استخدمه مبارك كأداة عقاب ضد كل معارضيه منذ أن أعطاه المنصب، وهو متهم بالتغاضي عن قضايا فساد مالي وإداري كبيرة
ولفهم ما حدث، دعونا نرجع إلى نص الحكم ونحلل معطياته ونعرف آراء أساتذة القانون ورجاله.


جاء نص الحكم على مبارك بما يلي:
- معاقبة مبارك والعادلي بالسجن المؤبد للاشتراك فى جرائم القتل المقترن بجنايات الشروع في قتل آخرين.

- ببراءة مساعدي وزير الداخلية من تهمة قتل المتظاهرين، وهم: اللواء أحمد رمزي (رئيس قوات الأمن المركزي السابق) واللواء: عدلى فايد (مدير مصلحة الأمن العام السابق) واللواء: حسن عبد الرحمن (رئيس مباحث أمن الدولة السابق) واللواء: إسماعيل الشاعر (مدير أمن القاهرة السابق) واللواء: أسامة المراسي (مدير أمن الجيزة السابق) واللواء: عمر فرماوي (مدير أمن السادس من أكتوبر السابق) وكلها أسماء كانت كفيلة بأن تثير هلع الآذان لما عرف عنهم من تنكيل وتعذيب وبطش.


أما في قضايا الفساد المالي والإداري التي يواجهها مبارك ونجليه علاء وجمال، فقد حكمت المحكمة بـ:
انقضاء الدعوى الجنائية ضد (مبارك وحسين سالم) -رجل الأعمال المقرب من مبارك- (وجمال وعلاء) بشأن ما نسب إليهم من استغلال النفوذ وتقديم عطية وجنحة قبولها بانقضاء المدة المسقطة للدعوى الجنائية.

- براءة مبارك من جناية الحصول لغيره دون وجه حق على منفعة من عمل من أعمال وظيفته، وجناية الاشتراك في الإضرار بمصالح وأموال الجهة التي يعمل بها.


هذه الأحكام جاءت مشفوعة بأسباب التي دعمت قرار المحكمة، حيث قال نص الحكم القضائي: "بالنسبة لما أسند من اتهامات لقيادات الشرطة: ارتأت المحكمة أنه إذا لم يتم ضبط جميع مرتكبي جرائم القتل والشروع فيه أثناء الأحداث أو حتى بعدها فلا يوجد قطع أو يقين فى اتهام هؤلاء".

وهذه الجملة تمثل أخطر ما في نص الحكم؛ فهي تعني أنه لا يمكن اتهام قيادات الشرطة العليا بقتل المتظاهرين لأن القيادات الأدنى -الضباط الذين أشرفوا بأنفسهم على تنفيذ عمليات القتل أو قتلوا المتظاهرين أمام أقسام الشرطة- لم يتم القبض عليهم ولم يتم ضبطهم جميعًا، بل وتعتبر أن ذلك يعني أنه: لا يوجد يقين في اتهام القيادات العليا للشرطة بقتل المحتجين.


ويشرح المحامي عصام سلطان -والنائب بمجلس الشعب عن حزب الوسط ذو الخلفية الإسلامية- قائلًا: "المحكمة من خلال حيثيات الحكم تريد أن تقول لمبارك: خذ هذه الحيثيات واذهب إلى محكمة النقض لتحصل على البراءة خلال 10 دقائق". ويوضح بالقول: "لأنه يدين المتهم الكبير ولا يدين المتهم الأصغر.. فما على الكبير إلا أن يأتي بأدلة براءة الصغير ويقدمها لمحكمة النقض ليحصل هو الآخر على البراءة".

وأوضح أن هذا التكتيك يستخدم كثيرًا في قضايا المخدرات التي يكون فيها القاضي مرتشٍ فيتفق مع المتهم على صياغة حيثيات الحكم بطريقة تدين التاجر الكبير ولا تدين التجار الأصغر منه المسؤولين مباشرة عن الجناية، فعندما يذهب تاجر المخدرات الكبير المتهم إلى محكمة النقض يحصل على البراءة في دقيقة واحدة.

وفي تحليله للحكم الصادر، قال سلطان: "إن ملخص الأحكام الصادرة أن جزء منها حصل على البراءة وهو المتعلق بقضايا الفساد المالي والإداري، والجزء الآخر يقول: خذ الحكم واذهب لمحكمة النقض واحصل على البراءة بعد 10 دقائق".


المعنى ذاته قاله المستشار حمدي عبد التواب في تعليق نشره على صفحته بموقع فيسبوك الاجتماعي، حيث قال: "إن الحكم ليس بالمؤبد على مبارك والعادلي ولكنه في الحقيقة حكم ببراءتهما وأهل القانون يعرفون ذلك".

واستطرد بالقول: "إذ أنه حين يقضي الحكم بالبراءة لمساعدي العادلي على أساس أنه لم يتم القبض على الفاعل الأصلي فهو يقضي ضمنا ببراءة مبارك والعادلي". بل أضاف أيضًا: "أن القاضي أعطى للمتهمين الأسباب التي يمكن أن يطعنوا بها على حكمه". وقال عبد التواب: "ومشكورًا فقد سطر القاضي في أسباب حكمه أسباب الطعن بالنقض لصالح مبارك والعادلي".


المحكمة أيضا قالت: "إنها جمعت كثير من الدفوع التي ساقها الدفاع في جريمة القتل العمد وفي باقي الجرائم الأخرى، وتولت الرد عليها بكل دقة وعناية قضائيًا وقانونيًا وفقهيًا". وفي المجمل فإن الحكم الذي صدر بهذه الطريقة لا يؤدي في وجهة نظر القانونيين إلا إلى البراءة (لمبارك، والعادلي، ومساعديه) علاوة عن تبرأة المحكمة (لعلاء وجمال) من التهم المنسوبة إليهم.

كما أن الثوار الغاضبين من هذا الحكم اعتبروا أن السبب الرئيسي في هذه الأحكام المخففة هو نقص الأدلة، التي أمر المتهم حسن عبد الرحمن بالتخلص منها إبان الثورة، وهذه قضية أخرى يواجهها اللواء عبد الرحمن وقد تمت إحالته بالفعل للمحاكمة، كذلك قال سلطان المحامي إن هذا الحكم يمثل صك براءة لكل من يريد أن يقتل المصريين وينهب أموالهم.


ورأى الناشطون أن المحاكمة يجب أن تتم إعادتها منتقدين النيابة في التقصير في إعطاء الأدلة التي تدين مبارك ومعاونيه، وهو ما طالب به أيضًا حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، فقد صرح ياسر علي المتحدث باسم حملة انتخاب مرشح الحزب (محمد مرسي): "بأن أدلة الاتهام التي قدمت في القضية بها قصور واضح، النيابة لم تقم بواجبها الكامل في جمع الأدلة الكافية لإدانة المتهمين في قتل المتظاهرين".


واعتبر أن هذه المحاكمة هزلية وطالب: "جميع مؤسسات الدولة بالمشاركة معًا في تقديم الأدلة الواضحة لإعادة المحاكمة للقصاص العادل من قتلة الشهداء".

وسقط في الثورة المصرية نحو 850 شخصًا كما جرح الآلاف على مدار الأيام الثمانية عشرة التي أسقطت نظام مبارك.


نسيبة داود
 
<