لماذا يريدون إقصاءنا؟!

الشيخ ياسر برهامي

أتعجب كثيرًا مِن الحملة الإعلامية الشرسة التي يشنها الليبراليون والعلمانيون، وكثير مِن الإعلاميين عبر وسائل الإعلام، التي لا تُعبِّرعن أي نبض حقيقي للشارع المصري حول قضية الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:
فأتعجب كثيرًا مِن الحملة الإعلامية الشرسة التي يشنها الليبراليون والعلمانيون، وكثير مِن الإعلاميين عبر وسائل الإعلام، التي لا تُعبِّرعن أي نبض حقيقي للشارع المصري حول قضية الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور.


ومحاولتهم المستميتة لمنع مجلسي الشعب والشورى من ممارسة الحق الذي أعطاه لهما الاستفتاء الشعبي، الذي كان أول استفتاء شعبي حقيقي، لاختيار الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور، والكلام حول انتخاب أعضاء هذه الهيئة: هل هو مِن داخل البرلمان أو مِن خارجه؟ مع أن النص واضح في عمومه وعدم تقييده، وبالتالي: جواز اختيار الأعضاء مِن داخل البرلمان وخارجه.

ليست هذه هي القضية؛ لأنه لو تم اختيار كل أعضاء الهيئة من خارج البرلمان، ولكن بنسبة تمثل كل الاتجاهات داخل البرلمان فسيكون مِن حق الأغلبية الإسلامية أكثر من (70%) أن تختار أكثر من (70%) مِن أعضاء الهيئة من الشخصيات التي تمثلها فكريًا ومنهجيًا، وهي في الحقيقة تعبِّر عن التوجه الحقيقي لأغلبية الشعب المصري، الحريص بكل ما أوتي مِن قوة على المرجعية العليا للشريعة الإسلامية.

ولو تم ذلك لما سكتت تلك الأصوات، ولقالت: "أنتم تريدون الاستئثار بكتابة الدستور".


وكان الحل الوحيد عندهم أن يُعيِّنوا -هم وليس الشعب- كل أعضاء هذه الهيئة، وسوف يَمُنون على الإسلاميين ببعض الأصوات داخل الهيئة، وقد طالب بعضهم: بأن تُعيِّن الهيئات والمجالس والنقابات (70% من أعضاء الهيئة، وينتخِب أعضاء البرلمان: 30%).

ويا للعجب..! فإذا كان الأعضاء المعينون داخل مجلسي البرلمان ليس مِن حقهم المشاركة في انتخاب الهيئة التأسيسية؛ فكيف يكون (70%) معينين مِن قِبَل الهيئات والمجالس التي عيَّنها (النظام السابق) ولم ينتخبها الناس؟! فهل هذا إلا عين (ديكتاتورية الأقلية) المناقضه لإرادة الأمة، وللديمقراطية التي يزعمون الحرص عليها، ويتباكون عليها؟

ويا للعجب..! أليس الدستور الذي ستكتبه الهيئة التأسيسية سيُعرض على الشعب للاستفتاء عليه؛ فلتحشدوا الجماهير لرفضه إذا لم يوافق رأيكم، ولننظر جميعًا كم مِن الشعب سيستجيب لكم؟!


مع أن الإسلاميين بأحزابهم وأطيافهم المختلفة داخل البرلمان وخارجه لا يريدون إقصاء أي فصيل أو طائفة في المجتمع مِن المشاركة في كتابة الدستور؛ ليكون مُعبِّرًا بحق عن كل الشعب المصري، ولكن بشرط أن تبقى الأغلبية أغلبية، والأقلية أقلية، كل بحسبه، هذه ديمقراطيتكم.. فلماذا تريدون أكل صنم العجوة؟

سنسمع صوت الأقلية -كل الأقلية- حتى الليبرالية الغالية في ليبراليتها، ولكن ليس مِن حقها أن تقصي الأغلبية، وتفرض عليها رؤيتها لمستقبل الأمة، وما كان مِن حق تذكره الأقلية فسوف يُقبل ويُستجاب له، كما هو حاصل في البرلمان، بل الأغلبية أقل نصيبًا في الكلام مِن الأقلية.

لكن لا بد أن تعرف حدود الحقيقة لمن يمثِّل الشعب وإرادته حقًا، وليس مفروضًا عليه: إما بميراث النظام السابق، وإما بأموال أصحاب القنوات الفضائية، والصحف الخاصة التي باتت تصنع أمواجًا زائفة لا بد لجميع العاملين فيها أن يسيروا تبعًا لها.. فهم يريدون إقصاءنا، ونحن لا نريد إقصاءهم، وهم يريدون فرض ديكتاتورية رغم أنهم أقلية، ونحن لا نريد فرضها ولو كنا أغلبيه!


أمر آخر ننبه عليه:
إن تصور الأغلبية الإسلامية في البرلمان وخارجه حول كتابة الدستور لا يصل إلى هدم الدستور الحالي رأسًا على عقب؛ بل المطلوب تعديل لبعض مواده التي باتت تتناقض مع حقيقة ما يريده الشعب المصري، والتي وُضعت في زمن الاشتراكية تعبيرًا عن ديكتاتورية الطبقة العاملة، والعمال والفلاحين، وكذا تعديل المواد التي تُرسِّخ حكم الفرد فيما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية.

أما مواد الهوية: فالكل مجمع على الهوية الإسلامية للأمة -حتى غير المسلمين هم ضمن هذا الإجماع- فما يضير هؤلاء مِن صياغة هذه المواد بطريقة واحدة غير محتملة للتلاعب بها؟ أو بتفسيرها بـ(اللي) والإعراض لصالح استمرار التناقض التشريعي لمنظومة القوانين؛ للهروب من تطبيق الشريعة.

وأما حقوق غير المسلمين مِن أهل الكتاب: فهي مكفولة في الشريعة الإسلامية، وحقهم في التحاكم لشريعتهم في أمور الزواج والطلاق، لا ينازعهم فيه أحد مِن الإسلاميين، طالما اتفقت ملتهم ومذهبهم ولم يختلفوا.


ولقد اعتمدت (الكنيسة المصرية) في الطعن بعدم دستورية القانون الذي يلزمها بتزويج مَن حصلوا على أحكام قضائية بالطلاق على (المادة الثانية) لأن الشريعة الإسلامية تنص على أن أصحاب الملل الأخرى لهم الحق في التحاكم إلى شريعتهم، فكيف بعد ذلك يحاول البعض طعن الأمة في هويتها، ومحاولة طمسها؟

ولله في خلقه شؤون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت بجريدة (الفتح) بتاريخ: الجمعة 30 ربيع الآخر 1433هـ - 23 مارس 2012م.