الآن حمي الوطيس

الشيخ ياسر برهامي

عمت الفرحة أرجاء البلاد -وأوساط الإسلاميين خصوصًا- بفوز د."محمد مرسي" في انتخابات رئاسة الجمهورية، وربما ظن البعض أن ما تحقق يمثِّل قيامًا للدولة الإسلامية المنشودة؛ لأن الناظر إلى الساحة السياسية والاجتماعية يتأكد أن المعركة بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربي الليبرالي قد اختلفت...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عمت الفرحة أرجاء البلاد -وأوساط الإسلاميين خصوصًا- بفوز د."محمد مرسي" في انتخابات رئاسة الجمهورية، وربما ظن البعض أن ما تحقق يمثِّل قيامًا للدولة الإسلامية المنشودة؛ لأن الناظر إلى الساحة السياسية والاجتماعية يتأكد أن المعركة بين المشروع الإسلامي والمشروع الغربي الليبرالي قد اختلفت، وأن محاولة إفشال مؤسسة الرئاسة القادمة والتي ما زالت بلا صلاحيات حقيقية حتى الآن في ظل الإعلان الدستوري المكمل - هي محاولة لإسقاط المشروع الإسلامي برمته.

ومِن قبْلها محاولة تشويه صورة البرلمان؛ أعقبتها بعض الممارسات السلبية فيه، ومن بعض أعضائه، ثم وهو الجانب الأكبر الخلط الموجود عند قطاعات عريضة من الجماهير بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية... كل هذا يعد خطأ تامًا من جميع العاملين بالدعوة الإسلامية، وإدراك خطأ في أي سلوك فردي من الأفراد يؤدي للضغط على العمل الإسلامي كله.


فلا بد من الحذر التام من صفات الاستعلاء على الناس بزعم إظهار الفرحة؛ فالنصر لم يصنعه أحد منا، وإنما هو بفضل الله ونعمته، ونسأل الله أن يتمها ونعوذ بالله من زوالها.

ولا بد من الحذر أيضًا من الكذب وخلف الوعد، وأي مظهر من مظاهر الغلو، واستعمال الألفاظ المستنكرة، وأما مظاهر الوقوع في فتن الشهوات "خاصة المال والنساء" فهي من أخطر المسالك التي قد تؤدي إلى خسارة كبيرة بالعمل الإسلامي.


والجانب الآخر من جوانب المعركة التي لا بد أن ننتبه لها، هو: "الصراع حول هوية الأمة ومرجعية الشريعة في الدستور الجديد"، وهي معركة لا بد أن نبذل كل جهد في إشراك "الشارع المصري كله" في مواجهة مَن يريدون طمس الهوية الإسلامية والعربية؛ فلولا الرجوع لشرع الله ولو حتى بالتدريج، ولو حتى بالنص عليه في الدستور رغم فهمهم أن رجاء العودة إلى الشريعة هي عقيدة الشعب المصري المسلم، ورغبته الأكيدة التي يقدِّم من أجلها كل التضحيات والتنازلات في جوانب الحياة المختلفة.

ومحاولة البعض تمرير قبول حل ليبرالي أو علماني على أمل إمكانية التغيير في المستقبل تعد خيانة لضمير الأمة وقضيتها الأساسية "سوف يعقبه الخذلان الذي لا نتحمله"؛ لأن الشعب لم يختر الإسلاميين في كل الانتخابات: سواء البرلمانية أو الرئاسية إلا لأجل هذه القضية في المقام الأول.


وهناك قضية أخرى لا بد مِن الانتباه لها، وهي: الإغراق في الآمال في المرحلة الحالية، والمطالبة بتحقيق كل المطلوب ومرة واحدة، دون رعاية للقدرة والعجز، والتفريق بيْن الممكن المتاح والمأمول المرجو، ودون وزن صحيح للمصالح والمفاسد!

فلا بد أن يظل المثالي أمامنا نسعى نحوه... وفي نفس الوقت نستوعب إمكانية العجز عن كثير من جوانبه في الواقع الحالي، لكن لا بد أن نجتهد في إصلاح سلبياتنا، ومعالجة عيوبنا؛ حتى نبرأ أمام الله مِن أن نكون قد تسببنا في تأخير الإصلاح المنشود.


نسأل الله أن يوفـِّق رئيس الجمهورية لما يحب ويرضى، وأن يعينه على الخير، وييسر له البطانة الصالحة التي تدله على البر والتقوى.