عظيمة يا مصر

..لنعلم أنه هناك قوة واحدة وإرادة عليا، قوة الله وإرادة الله، وأن الله يريد بمصر خيرا وإن شاء الله يسلك بها طريق الخير والرفعة، وإلى أستاذية العالم إن شاء الله وستكون بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافة راشدة على منهاج النبوة؛ ولايات متحدة عربية إسلامية على يد المخلصين من أبناء الوطن وبقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي.


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله أن برَّ قسمي؛ فقد كُنتٌ في سجداتي أدعو الله وأقسم بنجاح الدكتور محمد مرسي، ويكون رئيسا لمصر وأن يبرَّ الله قسمي وقسم شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حين قال: "والله سينجح مرسي"، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ بْنِ النَّضْرِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» (البخاري: 4500).


وروي أيضا عن حَارِثَة بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِىَّ قَالَ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» (مسلم: 2853).

فالحمد لله، الحمد لله، الحمد لله أن استجاب لدعوات وابتهالات ودموع الساجدين وأمهات الشهداء والجرحى والمكلومين منذ عقود.

وليس الفضل لأحد غير الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].


وإنه لفضل من الله أبهر الجميع، ونصرٌ من الله مبين، فإن المعركة لم تكن بين مرشح ومرشح، بل كانت بين ثورة وثورة مضادة، بين أجهزة أمنية ومخابراتية وأجهزة معلوماتية وأجهزة إعلامية كلها مسخرة لقتل الثورة وللتشويه والتضليل وإشاعة الفتن والذعر وإرهاب الناس من الإسلام والإسلاميين، والطرف الثاني الشعب العظيم الذي حقق الله له إرادته وتصميمه على خلع الرئيس السابق، وعلى عزل من وجب عزله، بفضل الله أولا ثم بحكم إرادة شعب أبيِّ لا يرضى بالضيم، ومن ورائه العالم العربي والإسلامي فبنجاح مصر نجاح العالم.


وهذا الشعب هو هو القادر على الاستمرار في ثورته حتى يحقق أهدافها كاملة غير منقوصة بتسليم السلطة كاملة بكل صلاحياتها إلى الرئيس المنتخب، ورفض الغير دستور المكبِّل، وعودة مجلس الشعب الذي هو إرادة الشعب فإنه أتى بالصناديق، بينما المجلس العسكري أتى بتعيين المخلوع.

فكيف يتسلط علينا من عيّنه المخلوع فيخلع من انتخبه الشعب؟! أهذه ثورة أم انقلاب على الثورة؟!

ولكن درس انتخابات الرئاسة يفيد وبكل تأكيد أن هناك إرادة عليا لا تُقهر، إنها إرادة خالق هذا الكون، إرادة الحارس الحافظ الذي حرس مصر وحقق لشعبها ثورة شهد بها العالم، إرادة المغيث الذي أغاث مصر وأنقذها من الهلاك على يدي يوسف الصديق عليه السلام، وأنقذها من بطش فرعون على يد موسى عليه السلام يوم أن كان طفلا رضيعا أمه تحار به أين تخبئه.


يقول سيد قطب: "إن سورة القصص تعرض قوة الحكم والسلطان، قوة فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر؛ وفي مواجهتها موسى طفلاً رضيعاً لا حول له ولا قوة، ولا ملجأ له ولا وقاية؛ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4]، وكذلك أحس الطاغية أن هناك خطراً على عرشه وملكه من وجود هذه الطائفة في مصر بني إسرائيل ولم يكن يستطيع أن يطردهم منها وهم جماعة كبيرة أصبحت تعد مئات الألوف، فقد يصبحون إلباً عليه مع جيرانه الذين كانت تقوم بينهم وبين الفراعنة الحروب، فابتكر عندئذ طريقة جهنمية خبيثة للقضاء على الخطر الذي يتوقعه من هذه الطائفة التي لا تعبده ولا تعتقد بألوهيته، تلك هي تسخيرهم في الشاق الخطر من الأعمال، واستذلالهم وتعذيبهم بشتى أنواع العذاب".

وهذا ما كان يصنعه تلاميذ فرعون في الزمن البائد في عصر المخلوع فشغلوا الناس في لقمة العيش، حتى أصبح الحصول على وظيفة أسمى ما يصل إليه شاب، وكان رب البيت يعمل في وظيفتين أو أكثر ليسد أفواها ويداوي جراحا، ولكن الله يريد غير ما يريد فرعون، ويقدر غير ما يقدر الطاغية، والطغاة البغاة تخدعهم قوتهم وسطوتهم وحيلتهم، فينسون إرادة الله وتقديره، ويحسبون أنهم يختارون لأنفسهم ما يحبون، ويختارون لأعدائهم ما يشاءون. ويظنون أنهم على هذا وذاك قادرون.


والله يعلن هنا إرادته هو، ويكشف عن تقديره هو، ويتحدى فرعون وهامان وجنودهما، بأن احتياطهم وحذرهم لن يجديهم فتيلاً: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 5، 6].

فهؤلاء المستضعفون الذين يتصرف الطاغية في شأنهم كما يريد له هواه البشع النكير، فيذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويسومهم سوء العذاب والنكال، وهو مع ذلك يحذرهم ويخافهم على نفسه وملكه؛ فيبث عليهم العيون والأرصاد بأجهزة أمن دولته ونظامه، ويتعقب نسلهم من الذكور فيسلمهم إلى الشفار كالجزار!


هؤلاء المستضعفون يريد الله أن يمن عليهم بهباته من غير تحديد؛ وأن يجعلهم أئمة وقادة لا عبيداً ولا تابعين؛ ولكن قوة فرعون وجبروته وحذره ويقظته لا تغني عنه شيئاً؛ بل لا تمكن له من موسى الطفل الصغير المجرد من كل قوة وحيلة، وهو في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة ترعاه عين العناية، وتدفع عنه السوء، وتعمي عنه العيون، وتتحدى به فرعون وجنده تحدياً سافراً، فتدفع به إلى حجره، وتدخل به عليه عرينه، بل تقتحم به عليه قلب امرأته وهو مكتوف اليدين إزاءه، مكفوف الأذى عنه، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه! ويتجلى عجز قوة فرعون وحيلته وحذره عن دفع القدر المحتوم والقضاء النافذ: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 6].


ودلت هذه السورة وتلك القصة على أنه حين يتمحض الشر ويسفر الفساد، ويقف الخير عاجزاً والصلاح حسيراً ويخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال، عندئذ تتدخل يد القدرة سافرة متحدية، بلا ستار من الخلق، ولا سبب من قوى الأرض، لتضع حدا للشر والفساد، والشرّ حين يمتحض يحمل سبب هلاكه في ذاته، والبغي حين يتمرد لا يحتاج إلى من يدفعه من البشر؛ بل تتدخل يد القدرة وتأخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم، فتنقذهم وتستنقذ عناصر الخير فيهم وتربيهم وتجعلهم أئمة، وتجعلهم الوارثين. (في ظلال القرآن بتصريف كبير).

وتبدأ القصة بوحي الله لأم موسى أن تأخذ بالأسباب حتى وإن كانت واهية وتتوكل وتسلِّم أمرها لخالق الأسباب، وعندئذ فلا خوف ولا حزن لأن للكون ربًا يدبر شئونه وله إرادة نافذة لا تٌغلب، ومع ذلك البشارة برَدِه إلى أمه وفوقه أنه من المرسلين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].


وهنا ينصر الله الحق بتسخير فرعون وجنده وقصوره وأمواله لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ففرعون هو من يحرص على تربية موسى ودفع الأجرة لأمه على إرضاعه: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص: 13].

لنعلم أنه هناك قوة واحدة وإرادة عليا، قوة الله وإرادة الله، وأن الله يريد بمصر خيرا وإن شاء الله يسلك بها طريق الخير والرفعة، وإلى أستاذية العالم إن شاء الله وستكون بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافة راشدة على منهاج النبوة؛ ولايات متحدة عربية إسلامية على يد المخلصين من أبناء الوطن وبقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي.


اللهم احفظ مصرنا واجعلها دوما بلد الأمن والأمان إنك ولي ذلك والقادر عليه يا رب العالمين وصلِ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


عبد الوهاب عمارة
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

<