إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟
قال : كلا والله الذي لا إله إلا هو !
فقال عيسى : آمنت بالله ، وكذّبت عيني .
لقد حسُن فعل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فحسُن ظنـّـه بالناس
، مما حَـدا به أن يُكذّب نفسه ، ويتأوّل ما رأته عينه طالما أن
المقابِل حلف له بالله الذي لا إله إلا هو أنه لم يسرق !
" كان الله سبحانه وتعالى في قلب المسيح عليه السلام أجلّ وأعظم من أن
يَحلف به أحد كاذبا ، فلما حَلَفَ له السارق دار الأمر بين تُهمتِه
وتُهمة بَصَرِه فَـرَدّ التهمة إلى بصره لما اجْتَهَدَ له في اليمين ،
كما ظنّ آدم عليه السلام صدق إبليس لما حلف له بالله عز وجل وقال : ما
ظننت أحدا يحلف بالله تعالى كاذبا " قاله ابن القيم رحمه الله .
فـ " المؤمن غِـرّ كريم ، والفاجر خب لئيم " كما قال عليه أفضل الصلاة
وأتم التسليم .
وكان بعض أهل العلم يقول : من خادعنا بالله خَدَعَـنا .
فالمؤمن الصادق إذا حُلِف له بالله صدّق ؛ لأن الصدق له سجيّـه
.
فهو لا يَكذِب ولا يُكذِّب .
بينما المخادِع المخاتِل الذي اعتاد أن يحلف على الكذب مِراراً
وتِكراراً لا يُصدِّق مَن حَلَفَ له لأنه اعتاد الحلف كاذباً ! فيظنّ
أن الناس - مثله - كَذَبَة !
وهذا كان دأب المنافقين وديدنهم {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ
قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ )
ويُكرِّرون الحلف ( يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ
تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ
الْفَاسِقِينَ )
بل لم يزل بهم الأمر حتى توهّموا كذبهم صدقا ، وباطلهم حقّـاً ، فلما
وقفوا بين يدي الله حلفوا له !
( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا
يَحْلِفُونَ لَكُمْ } !
وقد يلجأ المؤمن إلى الحلف ليطمئن قلب صاحبه .
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك
قال - وهو جالس في القوم - : ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا
رسول الله حبسه بُرداه ونظره في عِطفيه ! فقال معاذ بن جبل : بئس ما
قلتَ ! والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ، فسكت رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
وقال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلّفه عن غزوة تبوك : والله يا
رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه
بِعُذر ، ولقد أعطيت جدلا ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم
حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يُسخطك عليّ ، ولئن حدثتك حديث
صدق تَجِد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله ، لا والله ما كان لي من
عذر . رواه البخاري ومسلم .
ولما أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم
بِشَراب فشَرِب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ ، فقال للغلام :
أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : والله يا رسول الله لا أوثر
بنصيبي منك أحدا ! قال : فَتَلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده
. رواه البخاري ومسلم .
وقد جاء التأكيد باليمين في الكتاب العزيز ، فقال سبحانه وتعالى
: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
}
وقال تبارك وتعالى : {وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتَأْتِيَنَّكُمْ }
وما ذلك إلا لأن اليمين قاطعة للشكّ ، مثبتة لليقين .
وأما المنافق فقد يحلف ليتخلّص من الموقف !
قال عز وجل عن المنافقين :
( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ
مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا )
[ كان هذا المقال إثر يمين سمعتها فارتحت لها وأزاحت ما نفسي
من شكّ ]
ربيع الآخر / 1425 هـ
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
: صيد الفوائد
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
- التصنيف: الآداب والأخلاق
رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ، فقال له : أسرقت ؟ قال : كلا والله الذي لا إله إلا هو ! فقال عيسى : آمنت بالله ، وكذّبت عيني