مفاهيم ينبغي أن تصحح تجاه القضية الفلسطينية

زوار طريق الإسلام


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلاّ على الظالمين وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

ربّي إنّ الهدى هداك وآياتك تهدي بها من تشاء، وإذا الهداية حلت في قلب نشطت للعبادة الأعضاء، يا ذا العرش المجيد يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يضام وملكك الذي لا يرام أن ترفع عنّا ما نزل بنا من البلاء، اللّهم أنت ربّي لا إله إلاّ أنت عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم.

ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم، أعلم أنّ الله على كل شيء قدير، وأنّ الله قد أحاط بكل شيء علمًا. اللّهم إنّي أعوذ بك من شر نفسي ومن كل دابة أنت آخذ بناصيتها إنّ ربّي على صراط مستقيم. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللّهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد، ثم أمّا بعد:

أخوة الإسلام في زمن اختلت فيه المفاهيم وزيفت فيه الحقائق وشوه فيه وجه الحق ولبس فيه الحق ثوب الباطل ونفر النّاس منه ولبس الباطل فيه ثوب الحق، وجمل وزين للنّاس وسط خضم هائل من الأباطيل والأكاذيب من بني جلدتنا وممّن ينتسبون إلى ديننا ويتحدثون بألسنتنا. وسط هذا كله يحتاج المسلم إلى وقفة مع الله يعيد بها الأمور إلى نصابها الصحيح الذي يرضي ربّنا جل وعلا، والحق جل وعلا علّمنا أنّ المسلم إذا اختلطت عليه الأمور فإنّ له مرجعيةً ثابتةً لا تتغير ولا تتبدل {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...} [سورة النساء:من الآية 83]، وأولي الأمر في القرآن عندما تذكر يقصد بها الفقهاء، يحتاج المسلم إلى هذه المرجعية لأنّه من المؤسف والمخزي أنّه بمجرد أن يفتح ملف القضية الفلسطينية ويطرح للحوار حتى تستمع إلى كم هائل من الأكاذيب والأباطيل التي وإن أقنعت النّاس في الدنيا فهي لا تساوي شيئًا عند الله.

كلامًا مزوقًا من هؤلاء الذين أخبر عنهم الحق جل وعلا {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)} [سورة البقرة: 204-206] من هؤلاء الصنف من النّاس الذين لا يفعلون الخير ولا يريدون لأحد أن يفعله أصحاب النظرية القديمة الحديثة {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ}. فمن قائل إنّ الفلسطينيين باعوا قضيتهم، أو أنّنا لا شأن لنا بشؤون الآخرين أو أنّنا أدينا ما علينا لهم وزيادة، وينبغي أن نلتفت إلى مصالحنا وسط كل هذا، ينبغي على المسلم أن يتلمس طريقه إلى رضا خالقه بعيدًا عن أن يرضي النّاس أو يسخطوا.

أخوة الإسلام، يقول علماء الفقه إنّ هناك على وجه الأرض ثلاثة أماكن تسمي في الفقه الإسلامي أرض أوقاف إسلامية، ما معنى أرض أوقاف إسلامية، أرض أوقاف إسلامية معناها أنّها ليست ملكًا لأحد، ليس من حق أحد أن يتصرف فيها، ليس من حق أحد أن يتنازل عنها، ليس من حق أحد أن يتفاوض حولها، تمامًا كما لو دخلت أنت الآن إلى المسجد فوجدت داخله مصاحف مكتوب عليها وقف لله تعالى هذه المصاحف ملك لمَن؟ لله أنا أقرأ فيها وأتركها مكانها أنت تقرأ فيها وتتركها مكانها.
هل لو دخلت أنا الآن إلى المسجد وأخذت هذه المصاحف وقمت ببيعها، ما حكم هذا البيع؟ بيع باطل لأنّ من لا يملك تصرف فيما لا يملك التصرف فيه.. هذه الأماكن هي مكة المكرمة وبها المسجد الحرام والمدينة المنورة وبها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفلسطين القدس الشريف وبها المسجد الأقصى، هذه الأماكن تسمى أرض أوقاف إسلامية؛ لأنّ الذي يزعم الآن أنّ الفلسطينيين باعوا فلسطين أسأله أنا الآن: هل لو خرج أهل الحجاز الآن مثلاً وقالوا سنسلم مكة للأمريكان هل يجرؤ مسلم على وجه الأرض أن يقول: وما دخلنا نحن بمكة. الذي ذكر المسجد الحرام ذكر معه في نفس الآية المسجد الأقصى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الإسراء: 1]. والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، والصلاة في المسجد الأقصى الأسير بألف صلاة على الصحيح.

ما مستقبل هذه القضية؟ ما مستقبل قضية فلسطين؟ هل القضية ستحسم عبر مفاوضات السلام كما يزعمون أو عبر المفاوضات الثنائية أو عبر ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي أو عبر أغصان الزيتون؟! مستقبل القضية حسمه الحق جل وعلا في آيتين في كتاب الله وحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث من أحاديثه يقول الحق جل وعلا في صدر سورة بني إسرائيل سورة الإسراء بعد أن سجل معجزة الإسراء بنبينا صلى الله عليه وسلم {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5)} [سورة الإسراء: 4-5]، وتم القضاء على الإفسادة الأولى لليهود يقول الحق جل وعلا مخاطبًا اليهود {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [سورة الإسراء: من الآية 6]، يا يهود أعدنا لكم سبل الظهور مرة أخرى {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} ، عندما تقرأ القرآن تقول صدق الله العظيم..

إنّ اليهود الآن يتحكمون في الاقتصاد العالمي فيفرضون الحصار على مَن يشاءون ويصلون من يشاءون ويمنعون من يشاءون ثم تأتي قمة الإعجاز القرآني {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}[سورة الإسراء: من الآية 6]، ما معنى {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}،أي: جعلنا صوتكم هو المسموع في الدنيا بأسرها فالعالم الآن بأسره يتحدث بألسنة اليهود، فيبحثون عن أمن اليهود وتأمين حياة اليهود وتأمين دولة اليهود، بل إنّ بعض من ينتسبون إلى ديننا ويتحدثون بألسنتنا يتحدثون الآن بألسنة اليهود، فتستمع إلى أحدهم وهو يحدثك بتأثر شديد جدًا عن جندي الحراسة اليهودي المسكين الذي يقف ليؤدي دوره الوطني في الحراسة فيخرج عليه الطفل المتوحش الهمجي ليضربه بالحجارة. الذي يقول هذا الكلام يزعم أنّه مسلم أكثر من الجميع عندما تسمع هذا الكلام تقول صدق الله {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} يا يهود أمامكم طريقان لا ثالث لهما {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [سورة الإسراء: من الآية 7] أي: فلنفس المصير الذي آل إليه أمر الإفسادة الأولى، فإذا جاء وعد الآخرة {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [سورة الإسراء: من الآية 7]. كيف دخلوه أول مرة بمفاوضات السلام أو بأغصان الزيتون أو بمفاوضات الوضع النهائي لا. دخلوه أول مرة بـ {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً} [سورة الإسراء: من الآية 5]، مستقبل القضية حسمه الحق جل وعلا في خاتمة سورة الإسراء بعد أن سجل الحق جل وعلا قصة كليم الله موسى مع فرعون، يقول الحق جل وعلا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْألْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [سورة الإسراء: 101]. جاء كليم الله موسى إلى فرعون إنّي رسول رب العالمين، قال له فرعون {إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} قال ما دليل نبوتك {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [سورة الشعراء: 32]، فقال له فرعون هذا أمر يسير عندنا مثله الكثير سنأتي لك بمثله وأكثر منه قال كليم الله موسى {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [سورة الإسراء: 102]، فلما فشل في لغة الحوار لجأ كعادة الجبابرة إلى لغة البطش والتنكيل، لا حوار بعد الآن سنحسم القضية بمنطق القوة والبطش {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنْ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا} [سورة الإسراء: 103]. وطويت صفحة الفراعنة لتفتح صفحة من أسوأ صفحات التاريخ البشري صفحة اليهود {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ} عيشوا في شتات لا تتجمعوا في مكان واحد {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} ليتحقق فيكم وعد الله {عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً} [سورة الإسراء: من الآية 5]. يا رب هذا الكلام لا فصال ولا رجعة فيه ألا يمكن أن يكون هناك مستقبل أفضل للقضية خير من هذا الحسم الذي حسمت به قال: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ...} [سورة الإسراء: من الآية 105]. مستقبل القضية حسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده متصلاً إلى سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول...» ماذا سيقول يا مصري، يا سوري، يا فلسطيني، يا عربي.. لا.. فينطق الله الشجر والحجر فيقول «يا مسلم يا عبد الله»، وهذه هي جنسية المسلم الحقيقية، جنسية المسلم عقيدته أينما ذكر اسم الله في بلد عددت هذا البلد من صلب أوطاني: «يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلاّ الغرقد فإنّه من شجر اليهود» اليهود يؤمنون بكلام نبينا أكثر من إيمان بعض المسلمين به، إنّهم لا يقيمون مغتصبة من مغتصباتهم ولا مستوطنة من مستوطناتهم ولا بيت من بيوتهم إلاّ ويحيطونه بشجر الغرقد أحدهم في عام 1977م، لما قلنا إنّه ينبغي علينا أن ننسى الماضي ونفتح صفحة جديدة في التعامل مع اليهود، فهؤلاء أبناء العمومة هؤلاء يهود معدل يهود محسن يهود طباقي هؤلاء غير اليهود السابقين، جيء بأحد اليهود إلى بلد من بلاد المسلمين ليدعو لفكرة السلام ويروج لها، وظل هذا اليهودي يتحدث عن تقبل الآخر وعن المعايشة السلمية وما إلى ذلك وبعد أن انتهى تقدم إليه أحد الصحفيين الأجانب قائلاً له: أنت الآن تدعو إلى السلام هنا والناس من حولك لا يؤمنون بهذا الكلام إنهم يزعمون أن محمدًا- يقصدون نبينا صلى الله عليه وسلم- قال لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ما تعليقك على هذا الكلام واليهودي أمام الدنيا بأسرها. يقول: ما دام محمد قال فسيحدث، لكن لا نحن ولا هم، لا نحن اليهود الذين سنقتل ولا هؤلاء يصلحون أن يكونوا مسلمين سيقتلوننا، وكل يعمل لعصره وظل يشرح قضية اليهود في العالم قائلاً: إن هرتزل مؤسس الصهيونية ظل يحلم بدولة اليهود خمسين عامًا من 1897م إلى 1947 ومات قبل أن يرى وجودها وجئنا نحن وأقمناها ونحن نعلم أن جيل الصابرة ـ جيل الصابرة هم اليهود الذين ولدوا في فلسطين بعد الاحتلال؛ لأنّ اليهودية ديانة وليست جنسية ولذلك كان اليهود عندما يتحدثون عن الجنسية لهم يقولون مثلاً هذا يهودي ألماني يهودي مصري وهكذا ـ فقال: نحن نعلم أنّ جيل الصابرة لا يؤمن بالقضية ولكن كل يعمل لعصره كل واحد مسئول عن الفترة الزمنية التي يعيشها. فسأله الصحفي: متى تتوقع حدوث ذلك؟ فقال: يوم أن تدخل إلى مساجد المسلمين فتجد عدد المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة فأعلم أنّ هؤلاء أخذوا طريقهم إلى النصر. «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد اللّه هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلاّ الغرقد فإنّه من شجر اليهود».

قد يقول قائل ويتساءل متسائل: أليس الإسلام دين السلام؟ أليس الإسلام دين الرحمة فلم لا تحل القضية سلميًّا؟ وتجد من يسرع إليك بمناسبة وبغير مناسبة ليقرأ على مسامعك قول الحق جل وعلا
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} الذي يردد هذه الآية يصنع تمامًا كما لو جئت أنا الآن لأقول لك إنّني لن أصلي بعد ذلك فإن سألتني لماذا لا تصلي أقول لك الله يقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} ويقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} فأنا لن أصلي ماذا فعلت، أنا قطعت مراد الحق جل وعلا من سياقه فلم أكمل مراد الحق جل وعلا من كلامه {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [سورة الماعون: 4-5].

الذي يقول لنا {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} نسأله لماذا لا تقرأ على مسامعنا الآية السابقة لهذه الآية وإن جنحوا للسلم فاجنح لها آية رقم 61 من سورة الأنفال قبلها مباشرة وفي الآية رقم 60 من نفس السورة يقول الحق جل وعلا {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} بعد أن تمتلكوا القوة التي تحمي أعراضكم وتحمي دماءكم وتحمي مقدساتكم، إن أراد أعداء الإسلام بعدها أن يجنحوا للسلم فأجنح لها أمّا الحديث عن السلام بعيد عن القوة التي تحميه فإنّ اسمه الحقيقي "استسلام" اسمه "هوان" هكذا سماه الحق جل وعلا وهو يحدثنا في خاتمة سورة القتال سورة محمد صلى الله عليه وسلم {فَلا تَهِنُوا} ما علامة هذا الهوان يا رب قال: {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [سورة محمد: 35] وانظر إلى إعجاز الحق جل وعلا في كلامه وهو يرد على دعاوى المتخاذلين الذين يصدعون رؤوسنا ويصدعون أدمغتنا ليل نهار عن أن الميزان العسكري ليس في صالح المسلمين، وأنّنا لا نملك من القوة والعتاد ما يكفل لنا مواجهة هؤلاء، وأنّ أي تفكير في مواجهة هؤلاء يعتبر انتحارًا جماعيًّا انظر إلى إعجاز الحق وهو يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} ماذا {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ولم يقل وأعدوا لهم مثلما أعدوا لكم من قوة فلو قال وأعدوا لهم مثلما أعدوا لكم لكان من المفترض على المليار ونصف المليار مسلم الموجودين على ظهر الأرض أن يضعوا أحذيتهم في أفواههم... تدنس المقدسات، تنتهك الأعراض، تسفك الدماء، نحن لا نملك قوة نواجه بها هؤلاء.. أمّا وأعدوا لهم ما استطعتم فالمطلوب منّا أن نأخذ بالأسباب ثم بعد ذلك وما النصر إلاّ من عند الله {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [سورة الأنفال: من الآية 17] يا رب هذه البشارة للنبي وحده قال: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا} [سورة الأنفال: من الآية 17] أي: كل مَن سيسير على نهجِ النبي فله نفس البشارة وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا، رحم الله سيدنا عبد الله بن رواحة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه القائد الثالث في غزوة مؤتة، عندما فُوجئ المسلمون بعدد الرومان وكانوا يومها مائتي ألف مقاتل يواجهون جيش المسلمين الذي كان تعداده ثلاثة آلاف، فعقد سيدنا زيد بن حارثة القائد العام للمسلمين مجلسًا استشاريًّا لقادة أركان القوات المسلحة الإسلامية يشاورهم في طبيعة المواجهة، وانحصرت الآراء في ثلاثة مقترحات الأول كان يرى أن يعود الجيش مرة أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ويعرضوا عليه طبيعة الأمر وينفذوا أوامره، إمّا أن يأمرهم بالبقاء في المدينة ولا داعي لهذه المواجهة وإمّا أن يمدهم بمدد، وإمّا أن يأمرهم بالعودة لمواجهة الرومان مهما كانت الظروف، وهنا وقف سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وأرضاه ليقول كلمات ينبغي أن تُكتب بماء الذهب، بل إنّها لو كتبت بماء الذهب لكان إجحافًا لحقها وقيمتها.. فقال: "يا قوم، إنَّ التي تكرهون للذي خرجتم تطلبون ـ الشهادة في سبيل الله ـ ووالله ما نقاتل عدونا بعددٍ ولا عدة إنّما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان". فكانت كلمات سيدنا عبد الله بن رواحة سببًا في تثبيت المسلمين، فأقبلوا على المواجهة مع الرومان ولقنوهم درسًا قاسيًا يردد التاريخ آثاره إلى اليوم.

هذا هو منهج الإسلام في قضية القوة، يقولون: ألستم تزعمون أنّ الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة، وأنّ الحق جل وعلا ما فرَّط في الكتاب من شيء، نحن نريد الآن أن نوجد حلاً سلميًّا لهذه القضية بعيدًا عن المواجهة العسكرية وعن الحروب والقتال، الحل السلمي لهذه القضية أن كل كلب من اليهود أتى من مكانٍ يُرمى فيه مرةً أخرى.. أين كانوا قبل أن يأتوا ويحتلوا فلسطين، كانوا مشتتين في أنحاء العالم يعودون إلى شتاتهم تنتهي القضية، أمّا إنّهم لن يفعلوا فلا مستقبل للقضية إلاّ كما أخبر الحق في كتابه {..عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً}. يقولون إن الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا، ونتساءل: من الذي يحدد الخير والشر للنّاس؟ من الذي يحدد الخير والشر لبني البشر؟ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14] سبحانه وتعالى {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ} [سورة البقرة: من الآية 140]، سبحان الله ونتساءل يا خالق ما حقيقة هذا الكلام المزعوم عن أنّ الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا، وتجد الحق جل وعلا يجيبنا في سورة البقرة {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [سورة البقرة: من الآية 216]، أنتم تقولون الحروب هلاك ودمار ولا تأتي بخير ولا تحسم قضايا.. فأين الحقيقة يا رب قال: {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: من الآية 216]، يقولون أنظل طوال أعمارنا نحارب عن النّاس وتجد الحق يجيبنا في صدر سورة العنكبوت {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِه} [سورة العنكبوت: من الآية 6]، أنت لا تقاتل نيابةً عن الآخرين بل إنّك تفعل ذلك لتحمي وتجير نفسك من موقف حساب عسير يكون الحساب فيه حسابًا فرديًّا {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.. [سورة مريم: 95]]{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [سورة الأنبياء: 47]. يقولون: لقد خضنا من الحروب وحدنا ما يكفي ويزيد، كفانا قتالاً.. الذي يردد هذه الكلمات يصنع تمامًا كما لو جئت أنا الآن لأقول إنّني أصلي مثلاً منذ عشرين عامًا وأصوم منذ خمسة عشر عامًا والآن سأكتفي بهذا الرصيدِ السابق من الصلاةِ والصيام ولن أصلي أو أصوم بعد ذلك.. هل يجدي مثل هذا الكلام؟! فالذي فرض الصلاة وفرض الصيام هو الذي فرض الجهاد.. الذي علمنا {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [سورة النساء: من الآية 103]، وعلمنا {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} [سورة البقرة: من الآية 183] هو الذي علمنا {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ}. قد يقول قائل ويتساءل متسائل: وماذا أفعل أنا ما الذي بيدي أن أعمله؟.. مطلوب من كلِّ واحدٍ منّا أربعة أشياء على الأقل والذي يفرط في واحدٍ من هذه الواجبات الأربعة يعتبر نفسه يشارك اليهود فيما يصنعونه في فلسطين، ويُشارك الأمريكان وغيرهم من أعداء الإسلام على امتدادِ أرض الإسلام.

الواجب الأول: الاستعداد النفسي والبدني للمواجهة، فالمواجهة قادمة لا محالةَ بنا أو بغيرنا شئنا أم أبينا، المواجهة قادمة لا محالةَ سواء زعمنا أنّنا دعاة سلام أو أنّ بيننا معاهدات، والله إن كان اليهود قد صانوا عهدهم مع ولي نعمتهم مع خالقهم فليصونوا عهدهم معكم.. إن كان اليهود قد صانوا عهدهم مع خيرِ خلق الله من الأنبياء والرسل وخاصةً مع نبينا ـ صلى الله عليهم جميعًا وسلم ـ فلننتظر نحن أن يصونوا عهودهم معنا، لكن الأمر كما صوَّره الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما حدثت الفتنة في عهده قال: "أُكلت يوم أُكل الثورُ الأبيض".. تعرفون هذا المثل، كانوا قديمًا قبل تطوير التعليم المزعوم يدرسونه لنا، كانوا يقولون إنَّ هناك ثلاثةً من الثيران يعيشون في مكانٍ واحدٍ لهم كبير يرجعون إليه، لهم خليفة يحمي أعراضهم ودماءهم ومقدساتهم، وفي يومٍ من الأيّام دخل الذئب في وسطهم فكان كلما أراد أن يعتدي عليهم أو ينتهك لهم عرضًا أو يُدنِّس لهم مقدسًا اجتمعوا جميعًا عليه ودفعوه، وفي يومٍ انفرد الذئب بالثور الأحمر والثور الأسود فقال لهم: أنتم الزعماء، أنتم الكبار، الثور الأبيض لا ينتمي إليكم، فأنتم أرقى نوعًا وجنسًا.. فقالوا له: ماذا تريد؟ قال: لا أريد منكم شيئًا، تلتزمون الصمت حتى أنتهي من الثورِ الأبيض ثم تصبح الأرض لكما بدلاً من أن تُقسَّم على ثلاثةٍ تُقسَّم على اثنين، والتزمنا الصمتَ وضاعت الأندلس ونسينا الأندلس أصبحت أسبانيا والبرتغال، وأصبح علينا أن لا نتدخل في شؤون الآخرين، وأن نكون أمةً عقلانيةً، أمةً واقعيةً، فالواقع يقول إنّه لا وجودَ الآن للأندلس وأي حديثٍ عن الأندلس الآن حديثٌ بلا عقلٍ وليس له قيمة أو ثمن، وأُكل الثورُ الأبيضُ.. ومرت أيّام وأحسَّ الذئبُ بالجوع فكان كلما أراد أن يدنو من الثور الأحمر والثور الأسود اجتمعا عليه ودفعاه، كان كلما أراد أن ينتهك لهم عرضًا أو يسفك لهم دمًا أو يدنس لهم مقدسًا وجد مَن يقف أمامه ويقول إن فلسطين ليست ملكي ولا ملك أبائي.. إنّها أرض أوقاف إسلامية تريدون أن تأخذوا فلسطين على جثتي، وبالفعل ما تجرَّأ اليهود أن يحتلوا فلسطين إلاّ بعد أن قضوا على الخلافةِ الإسلاميةِ العثمانيةِ على يد المجرم "أتاتورك" التي للأسف نعلم أبناءنا الآن الاحتلال العثماني للوطن العربي، نعلم أبناءنا مساوئ الحكم العثماني ونعلمهم محاسن الحملة الفرنسية، وانفرد الذئب بالثور الأسود فقال له: أنت الزعيم الأوحد، أنت الحكيم، أنت كذا وأنت كذا، فقال له: ماذا تريد؟ قال: لا أريد منك شيئًا، تلتزم الصمت حتى أنتهي من الثور الأحمر ثم تُصبح الملك الأوحد الملك المتوج، والتزمنا الصمت وضاعت فلسطين ولبنان والبوسنة والهرسك والشيشان وأفغانستان وتركستان الشرقية والغربية وكشمير والعراق، وكل يومٍ جُرح جديد ينسون بها الجراح القديمة وأكل الثور الأحمر أيّام وأحس الذئب بالجوع فهجم على الثورِ الأسود الثور الأسود لما رأى الذئب قادمًا نحوه قال: أُكلت يوم أكل الذئب الأبيض، أنا ما ضعتُ اليوم لكني ضعتُ يوم أن سكت عنك وأنت تنتهك أعراضنا في العراق يوم أن سكت عنك وأنت تدنس مقدساتنا في فلسطين يوم أن سكت عنك، وأنت تشرد أهلينا في أفغانستان والشيشان يوم أن سكت عنك وأنت تُحاصر إخواننا في إيران وجنوب لبنان أُكلت يوم أكل الثور الأبيض. فالواجب الأول ـ كما قلنا ـ الاستعداد النفسي والبدني للمواجهة، فالنبي صلى الله عليه وسلم علمنا مَن سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات علي فراشه.

الواجب الثاني: التعريف بالقضية، هذا الكلام الذي اطلعنا عليه ما كنا نُسلي به مجالسنا، ولكنّه أصبح أمانة في عنق كل واحدٍ منَّا نُعلمه لأزواجنا ولأبنائنا ولأهالينا ولأصدقائنا ولمَن نتعامل معهم أنَّ القضيةَ ليست قضية قومية ولا عربية ولا إقليمية، ولكنها قضية إسلامية، قضية عقيدة، جنة أو نار.. هات زوجتك قل لها: إنَّ لك أختًا في الله في مثل سنك يُنتهك عرضها لأنّها مسلمة.. هات ولدك الصغير قل له يا بُني إنّ لك أخًا في الله في مثل سنك يصطاده القناصة المجرمون ويُتاجَر به في سوق الرقيق وفي سوق تجارة الأعضاء البشرية ويصرفه عن دينه ترغيبًا أو ترهيبًا لأنّه مسلم.

الواجب الثالث: المقاطعة الاقتصادية والدعم المادي لأهل الجهاد.. نعم المقاطعة الاقتصادية لكل ما هو يهودي أو أمريكي أو بريطاني أو أي من الدول التي تقف خلف جراحنا النازفة، ولعل المنتج الذي يُلوِّث معظم بيوت المسلمين إلاّ من رحم الله مسحوق التنظيف "إريال"، وتجد المسلم الخائب يقول "إريال" يقدم جوائز ونبحث عن الجنيه الذهبي، ثم ونحن في فصل الصيف نبحث عن "كوكاكولا" و"بيبسي" و"سفن أب"، وتجد من المغفلين مَن يقول يعني هذه الزجاجة هي التي ستقتل المسلمين؟! فالذي يدفع قرشًا واحدًا أو فلسًا واحدًا ثمنًا لمنتج يهودي أو أمريكي أو بريطاني أو أي من الدول التي تقف خلف جراحنا يعلم أنّه يدفع ثمن رصاصة يقتل بها مسلم فلينظر كيف سيلقى الله بعدها، واسمع إلى حديث النبى صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام بن ماجةَ في سننه بسنده متصلاً إلى سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة ـ لو قال أق نصف كلمة أقتل فكانت سببًا في مقتل امرئ مسلم ـ وقبل أن يكمل كلمته كان المسلم قد قُتل- لقي الله يوم القيامة وقد كتب بين عينيه آيس من رحمة الله»، هذا لمَن قال نصف كلمة فكيف بالذي يدفع ماله ليُقتل به مسلم؟! ومع مقاطعة بضائع الأعداء يجب علينا أيضًا الدعم المادي لأهل الجهاد ليس تبرعًا لهم ولا تفضلاً عليهم بل هو حقهم علينا في رقابنا سنُسأل عنه يوم القيامة أمام الله، يكفيهم شرفًا، أنّهم يقفون على ثغر الإسلام يدفعون عنه، بل يذودون عن الأمة بأسرها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «مَن يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين، وإنّما أنا قاسم والله سبحانه وتعالى يُعطي، ولا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وفي غير رواية الإمام مسلم: قالوا وأين هم يا رسول الله؟ قال: «يقاتلون على أبوابِ بيت المقدس وفي أكنافِ بيت المقدس» نحن لا نمتنُّ عليهم فهذا حقهم سنُسأل عنه يوم القيامة.

الواجب الرابع: وهو أخطر الأسلحة على الإطلاق الدعاء الدعاء الدعاء.. ادعُ لإخوانك وأنت وحدك، ادعُ لهم وأنت بين أهلك وأنت في عملك، إذا ما جلست إلى مائدة طعامك وشرابك فتذكر أنَّ لك إخوةً في الله لا يجدون القوتَ الضروري فادع لهم، إذا ما جلست في بيتك بين زوجتك وأولادك فتذكَّر أن لك إخوةً في الله لا يجدون الأمنَ بين أهليهم وأزواجهم وأولادهم فادعُ لهم، إذا ما ذهبت إلى عملك فتذكر أنَّ لك إخوةً في الله لا يجدون الأمن في أعمالهم فادعُ لهم، إذا ما مشيت في الشارع فتذكر أنَّ لك إخوةً في الله لا يجدون الأمن في شوارعهم فادعُ لهم.. الدعاء الدعاء الدعاء..

إنّنا نستعين بالله على الباغين بسهام السحر في الثلث الأخير من الليل، عندما ينزل ربّنا إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفرٍ فأغفرُ له، هل من تائبٍ فأتوب عليه، هل من صاحب حاجةٍ فأقضيها له، وبدعاء كل أشعثٍ أغبر لو أقسم على الله لأبره، فالنبي- صلى الله عليه وسلم- علَّمنا «رُبَّ أشعثٍ أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره»، إن لم نفعل فلنسمع إلى تحذير الحقِّ جل وعلا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ماذا سيحدث يا رب أيضيع الدين لأنّنا فرَّطنا فيه؟ أيضيع الدين لأنّنا أدرنا ظهورنا له؟ لا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [سورة المائدة: من الآية 54] قد يقول قائل: "ونحن نحب الله"، لا.. حبهم غير حبنا، حبنا من ذلك النوعِ من الحبِّ السلبي الذي لا قيمةَ له ولا ثمن، الحب الجبان، الحب الكلامي الذي لا قيمةَ له ولا ثمن لا يُقيم حقًّا ولا يُعيد مغتصبًا ولا يحمي عرضًا ولا يُطهِّر مقدسًا، أمّا حبهم فهو من ذلك الحب العملي الإيجابي. ما دليل حبهم لكَ يا رب قال: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سورة المائدة: من الآية 54] يا رب إنَّ هذا الطريق غير مأمون العواقب سيجلب عليهم المتاعب والضغوط سيواجهون القوى العظمى قال: {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة المائدة: من الآية 54] يا رب النظام العالمي الجديد وفرض الحصار والتجويع والقتل والتشريد.. سيضعوننا على قائمة الإرهاب الدولي وسيبدؤون ضدنا حرب الإرهاب طويلة المدى، سيفرضون علينا الحصار الاقتصادي ماذا نفعل مع كل هذا؟ قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [سورة المائدة: 55].. يا رب وهل يجدي هذا مع قوةٍ غاشمةٍ لا تخضع لا لدينٍ ولا لشرعٍ مع قوةٍ نووية قال: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} [سورة المائدة: 56]، إن لم نفعل فلنستمع إلى تحذير الحقِّ جل وعلا في خاتمةِ سورةِ القتال سورة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الحق جل وعلا: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} [سورة محمد: من الآية 38] ماذا سيحدث يا رب أتضيع القضية؟.. لا {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [سورة محمد: من الآية 38]، ولأمرٍ ما تأتي هذه الآية خاتمة سورة القتال سورة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعدها مباشرة قول الحق جل وعلا في فاتحةِ سورة الفتح {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [سورة الفتح: 1] ما العلاقة بين قول الحق جل وعلا {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} وبين قول الحق: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} كأنَّ الحقَّ جل وعلا يُعلمنا وإن تتولوا عن نصرةِ دينكم يستبدل قومًا غيركم يعملون لهذا الدين فيأتي الله بالفتحِ على أيديهم.

إخوة الإسلام تعلمنا في مدرسةِ الإسلام اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن تُؤجروا على علمكم حتى تعملوا بما علمتم والعلم يهتف بالعمل وإلاّ ارتحل، سأل الفضيل بن عياض رضي الله عنه وأرضاه وهو من أئمة التابعين الكرام سأل رجلاً ذات يومٍ أراد أن يعظه فسأله كم لك من العمر؟ فقال الرجل: ستون عامًا. وإذ بالفضيلِ بن عياض يُتابع الموعظةَ إذا أنت منذ ستين عامًا تُقدم إلى ربّك ـ تقتطع من عمرك المحدد ـ أوشكت أن تصل إليه. فقال الرجل: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، وإذا بالفضيلِ يتابع موعظته "أتدري ما معنى إنا لله وإنا إليه راجعون" ـ أم أنّها كلمات ترددها بلسانك لا تعلم لها معنى ولا تفهم لها فحوى ـ مَن علم أنّه إلى الله راجع فليعلم أنّه بين يدي الله موقوف، ومَن علم أنّه بين يدي الله موقوف فليعلم أنّه بين يدي الله مسؤول، ومن علم أنّه بين يدي الله مسؤول فليعد لكل سؤالٍ جوابه، فليعد لكل سؤال جوابه. فبكى الرجل وقال: ما العمل يا فضيل؟ ما النجاة؟ ما المخرج؟ كيف السبيل؟ قال: أحسن فيما بقي لك يغفر الله لك ما قد مضى، وإن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وما بقي.

أسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا ممّن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنه، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [سورة غافر: 44]، هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وله الحمد والمنة، وما كان من خطأ أو سهوٍ أو نسيانٍ فمني ومن الشيطان الرجيم والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.


ليسانس أصول الدين قسم تفسير وحديث جامعة الأزهر

إهداء إلى المقاومة الفلسطينية الباسلة

بقلم: أحمد سليمان الدبشة