أسطورة الشهوة

ملفات متنوعة


تمهيد

إنه ليس من العيب أن نفتح قضية الشهوة ونطرق بابها الموصد بمزلاج العرف ونلج ساحها المحاط بسياج الكتمان، خاصة إذا لمسناها بلطف وأوغلنا فيها برفق، يحدونا في ذلك المنهج الرباني القويم والهدي النبوي الكريم، واللذان لا تكاد تجد فيهما ما يمس الذوق أو يخدش الحياء ولا ما يهيج كوامن النفوس مع تعرضهما البليغ لكل ما يتعلق بالشهوة والغريزة وما يتصل بهما في دائرة العلاقات الإنسانية.

وإنما العيب كل العيب أن نغض الطرف عن هذه القضية في زمن لا يكاد يعلو فيه صوت فوق صوت الغريزة الطاغية، وأزيز الرغبات المحمومة، بينما تنهش فيه ذئاب الشهوات المسعورة قلوب الناس وتكاد نيرانها المشبوبة أن تأتي على ما تبقى من إيمانهم وتذهب بثمرات طاعاتهم وتفسد علاقتهم بربهم.

والناس في قضية الشهوة لهم شأن عجيب فهم يتوجسون من ذكرها أشد التوجس ويتحرزون من كل لفظة تخصها أشد التحرز في محاولة للوصول للتطهر والقدسية -ولو ظاهريًا- وهربًا من العيب والمنقصة، يؤثمهم حينئذ ظن خاطيء بتحريم الشريعة لكل ما يتعلق بهذا الموضوع جملة وتفصيلاً ولو وعظًا وإرشادًا، ويسيطر عليهم موروث صارم من أعراف ما أنزل الله بها من سلطان تصم بالعار كل سالك لهذا الطريق ولو معبدًا ومصلحًا، بينما لا يستنكف كثير منهم التمرغ في أوحال المعصية ومقارفة الآثام أو يتلبطون في مزالق الهوى ودركات الرذيلة، ولا تسمع لهم حينئذ إلا همس في الزوايا المظلمة يتناجى به الأخلاء و الندماء.

وكل ما سبق يضفي على القضية جوًا من الغموض والإثارة ربما يغري بالإجتراء والتجربة خاصة في السر والخلوات ويربي في النفوس الناشئة الشوق لهذا المنال الشائق البعيد أو ما يمكن أن يسمى بعقدة الشهوة وهي حالة نفسية يمثل فهمها المفتاح الحقيقي لحل هذه القضية.

وبهذا فقد اجتمع لهذه القضية -قضية الشهوة- صفة التاريخية فهي قديمة بقدم البشرية نفسها وبعيدة بعد الخلق الأول للذكر والأنثى، كما أنها تدخل في حيز المحظور -المرغوب في كثير من الأحيان- مع كونها تقع في دائرة الغامض والمثير، كذلك فإنها متقدمة في الترتيب بالنسبة لسلم أولويات المطالب والحاجات البشرية الملحة، وإذ اجتمعت لها هذه الصفات كلها القدم والحظر والغموض والأولية وإذا كانت هذه الصفات هي أبرز صفات الأسطورة فإنه حق لنا أن نسميها: أسطورة الشهوة.

مقدمة

الشهوة من أهم وأخطر الغرائز التي خلقها الله تبارك وتعالى ولذا حذر منها في كتابه الكريم في معرض التوبة والتحذير في سورة هي من أعظم السور مناسبة لهذا التحذير وهي سورة النساء وذلك لاختصاصها بكثير من أمورهن، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:26-27] فبعد أن بين الله وهدى تاب وعفا ثم وضح أن الشهوات والذين يتبعونها تميل بأصحابها ميلاً عظيما عن طريق الحق والصراط المستقيم، قال السدي: "هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: هم المجوس لأنهم يُحلّون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت"، وقال مجاهد: "هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون"، وقيل: "هم جميع أهل الباطل". [ 1 ]

ثم قال عز من قائل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، فالله تبارك وتعالى قد علم ضعف ابن آدم عن هذه الغريزة إذ هو جعلها مركوزة في فطرته وجبلته لذا فهو يعلم مدى الضغط الذي تمثله عليه والعبء الذي يثقل كاهله، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

فتجلت رحمته لترفع وتخفف هذا العبء الثقيل عن كاهل المؤمنين خاصة ولولا هذا ما استطاع الإنسان ذلك فقد خلق ضعيفًا، قال طاوس والكلبي وغيرهما: "في أمر النساء: لا يصبر عنهن"، وقال ابن كيسان: "{وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} يستميله هواه وشهوته، وقال الحسن: "هو أنه خلق من ماء مهين، بيانه قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} [الروم:54]"، وهذا التأويل من المفسرين إنما هو لمناسبة السورة وهي سورة النساء إذ هي في معرض الحديث عن الشهوات وهي شهوة النساء.

و الله هنا وفي هذا المقام قد بين لنا سنن الذين من قبلنا ممن يتبعون الشهوات في أمر دينهم كبني إسرائيل لئلا نميل ميلهم بالوقوع في الزنا وهو نتاج اتباع الشهوات، وهو ما حذر منه سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها؛ لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [مسلم في الرقاق 55/17، السلسلة الصحيحة911].

فشهوة الجنس في غير محلها هي البديل الوحيد والعكسي للعبادة، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]. والفوضى الجنسية هي نقطة التحول الحقيقية للمجتمع -أي مجتمع- من الإسلام إلى الجاهلية، وكذلك هي العقبة الأساسية لعودة المجتمعات من الجاهلية إلى الإسلام مرة أخرى، ولذلك كانت جاهلية النساء هي إحدى الجاهليات الأربع المذكورة والمذمومة أيضًا في القرآن الكريم.

وقد أطلق لفظ الجاهلية في ثلاثة منها على أصول المخالفات لعقيدة التوحيد، قال تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154]، فهذه جاهلية ظن السوء بأسماء الله وصفاته قال ابن القيم في الآية: "فُسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفُسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُظهره الله على الدين كله".

وفي الجاهلية الثانية قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]، وهي جاهلية بأحقية الله وحده بالحكم والتشريع والطاعة والإنقياد.

ويقول تبارك اسمه في الجاهلية الثالثة: {جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح:26]، وهذه جاهلية الولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين وهي الحمية لإخوانهم في الكفر وما ينشأ عنها من الأنفة المانعة من قبول الحق.

ثم تأتي الجاهلية الرابعة وهي -وياللعجب- جاهلية التبرج أو إن شئت قلت جاهلية النساء وفيها يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء» [مسلم في الرقاق 54/17 من حديث أسامة ابن زيد وسعيد ابن زيد مرفوعًا].

وقد تكون الشهوة أحيانًا أقوى في النفس من حب الدنيا وكراهية الموت كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن اليهودي واليهودية الذين زنيا و أتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها» [البخاري]، فحتى وهو في هذه الحالة كان يحاول حمايتها، ولم يشغله ما هو فيه عن ذلك!!

والنتيجة المباشرة لتحكم الشهوة أنها تستغرق الكيان الإنساني كله بحيث تصل لأعمق نقطة فيه، ويتمثل ذلك في أشنع صورة حين يصل هذا الإستغراق إلى نتيجته النهائية في حال جريمة الزنا بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه» [البخاري (الإستئذان 26/11)، ومسلم 205/16من حديث ابن عباس]، ولذلك كان علاج الزنا هو هدم بنيان هذا الكيان بالكلية لاستحواذ المعصية عليه كله وتغلغلها حتى أبعد نقطة في أعماقه وأغواره.

ونحن بعلاجنا لهذه القضية إنما نحاول أن نستبق الجاهلية في تقديم المفهوم الصحيح، وبمعنى آخر نحاول استرداد التفسير السليم المنبثق من الوحي المعصوم بدلاً من التفسير الجاهلي لها كتفسيرات فرويد وغيرها والتي تعتبر الإنسان حيوانًا جنسيًا في أفضل أحواله؟!.

ونحن بذلك نستبدل -أيضًا- ما يروج له هذه الأيام مما يسمى بالتربية الجنسية بالتربية الإسلامية والتهذيب الرباني للغرائز وبالتالي يتضح الفرق بينهما، إذ أن التربية الإسلامية تعتمد على إضفاء الستر على البدن جدًا بينما تكشف الغطاء عن العقل وفي المقابل تعتمد التربية الجنسية الجاهلية على العكس تمامًا بحيث ترتكز على تعرية البدن و إسكار العقل، ولعل العلاقة العكسية بين العري أو الستر من جهة والتفتح والإنغلاق من جهة أخرى واضحة وضوح الشمس.

و أعظم دليل على هذا هو ما تزخر به كتبنا الفقهية الثرية من أحكام النكاح وآداب العلاقات الزوجية والعزل والحيض ومس الذكر والختان وآداب قضاء الحاجة وغيرها كثير جدًا يحتاج إلى بحث منفصل وحده إذ لا تتسع له هذه العجالة.


علاج قضية الشهوة

لا شك أن كتاب الله المجيد وسنة نبيه الأكرم عليه سلام الله هما البلسم الشافي والعلاج الناجع لكل داء ففيهما أصول هدايات النفوس ولا شك أن الإستدلال بالنصوص الكريمة المعصومة من الوحي هو أقصر الطرق وأكثرها استقامة على الجادة، ولكننا نحب في هذا المقام أن نبدأ بجانب غاية في الأهمية لكنه كثيرًا ما يخفى على المربين والموجهين ألا وهو الجانب النفسي، والذي نبدأ به قبل الجانب العلمي والعملي وما ذاك إلا أنه:

1ـ عز من يتناول هذا الجانب ويزيل عنه الركام إلا النذر اليسير من متفرقات قد تجدها منثورة هنا وهناك, مع شدة أهميته بحيث يكاد يشكل عصب القضية.

2ـ أن الجوانب الأخرى لعلاج قضية الشهوة كالجانب العلمي مثلاً أو العملي كثر فيها الحديث واكتسب طابعاً روتينيًا وتقليديًا بحيث يكاد يعرف المتلقي ما سوف يقال فيها مما لا يقدم له حلاً، لزهد النفوس في المعاد المكرور حتى لو كان مفيدًا.

3ـ وعلى هذا فالبداية بالعلاج النفسي لقضية الشهوة يكسر الملالة ويخالف المتوقع مما يستثير النفوس ويشد الإنتباه ويدفع للعمل والتغيير.

ونحن عندما نقول أننا سنبدأ معالجة الموضوع بالجانب النفسي قبل العلمي والعملي فنحن لا نستبدل المعالجة الشرعية بالطب النفسي مثلاً لا سمح الله -فلست من أهله أصلاً- وإنما نعني تلك المعالجة النفسية النابعة من بساتين الوحي المعصوم لا نعدوها و فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه ثم نثني بالأحكام والأوامر والنواهي والرياضات الشرعية في المأكل والمشرب والمنام وغيرها والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


أولاً: العلاج النفسي لقضية الشهوة

1ـ رفع العبء بفتح الموضوع:

أما وقد استيقن لدينا عمق هذه المشكلة فأول علاج حقيقي هو إزالة الثقل ورفع العبء عن نفوس الشباب بأن نفتح الموضوع بشكل مباشر وبدون حرج فلإن استحيينا منه فالله لا يستحي من الحق, فالسكون السطحي لا يعني أن أعماق النفوس لا تموج بالحركة وتتهيأ للفوران، كما وأن هذا المس المباشر والشرعي للقضية كفيل بإزالة بعض جوانب الإبهار والغموض المرتبط بها.

فإذا لم يفتح المتربي الموضوع فينبغي أن يبادر بها المربي ولكن هاهنا أمور:

الأول: أن ينتقي بعين الخبرة والبصيرة أحوج الناس إلي هذه المعالجة بعد أن يشخص الداء بدقة ويتلمس كوامن نفوس الناشئة وما يهيج فيها ويستثيرها في معترك الشهوات الجامحة، وليحذر أن يفتح على الناس أبوابًا مغلقة.

والثاني: المناقشة الجيدة للناشئة لمعرفة نوع الإشكال ومدى قابلية إتباع الشهوات، فالميل للانحراف يتفاوت من شخص لآخر.

والثالث: أن يرتب العلاج على طبيعة الناشئة وطبيعة مشكلاتهم.

2ـ حقيقة الجمال وارتباطها بمفهوم الشهوة:

الشهوة في حقيقتها زينة والزينة هي تلك الغشاوة الرقيقة التي تظهر الأصل أكثر حسنًا على غير الحقيقة، وفي تجلية حقيقة الشهوة قال الله تعالى في سورة آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].

"والزينة: تحسين الشيء بغيره من لُبسةٍ أو حليةٍ أو هيئة، وقيل: "الزينة بهجة العين التي لا تخلص إلى باطن المزيّن"، قال الشنقيطي في قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [الحديد: 20]: "فلفظ الزينة يراد به هنا ما يُزيَّن به الشيء وهو ليس من أصل خلقته، وهو الغالب في لفظ الزينة في القرآن" [2].

وقال أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي بكر في كتاب القلائد حدثنا ابن بكير حدثنا أبو زيد حدثنا سهل بن يوسف عن أبان بن صمعة عن عكرمة عن ابن عباس قال: "إن الشيطان من الرجل ثلاثة منازل في عينيه وفي قلبه وفي ذكره. وهو من المرأة في ثلاث منازل في عينيها في قلبها وفي عجزها!!"، وقال مجاهد: "إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها، فزينها لمن ينظر، فإذا أدبرت جلس على عجزها، فزينها لمن ينظر".

مع أن هذا التزيين الذي ذكر ابن عباس ومجاهد تحديدًا ليس له أهمية حقيقية في مسألة الشهوة أو قضية الغريزة -عند أصحاب الفطر المستقيمة- ولا علاقة له بالمتعة الحقيقية و لا الشهوة المتنفذة!! فلماذا يكون محلاً للنظر وسببًا للشهوة؟!!

وإذا كان التزيين هو إضفاء الحسن إذ هو تفعيل من الزينة وهي الحسن [3] فحري بنا أن نتأمل في مسألة الحسن والجمال!! بمعرفة أن الجمال يحول: فالطفل يرى أمه وهو صغير شابة جميلة تمتلئ حيوية ثم إذا كبر قليلاً شهد بداية ضعفها وتغير حالها, حتى إذا بلغ أشده بلغت هرمها وذهبت كل الزينة والجمال منها حتى أن الله أذن للقواعد أن يضعن عنهن ثيابهن غير متبرجات بزينة!!

وإنما أتكلم هنا عن الجمال مجردًا لا الجمال الذي يورث الشهوة!! إذ أن كل أحد يرى أمه أجمل النساء ولو كانت حبشية!!

و ربما رأى الرجل المرأة شديدة الجمال والفتنة بحيث ربما تشتهيها النفوس ثم إذا أصابها ما يشوه وجهها أو يغير خلقتها صارت دميمة تستبشع النفوس -ذاتها- مجرد النظر إليها!!

والمثلين السابقين أمثلة قريبة مشهودة في حياة كثير منا فهل تخيل أحدنا ما ليس مشهودًا؟! فاستدل بما علم على ما لا يعلم؟! كذكر القبر والدود وما يفعل بالجمال وأصحابه وهو سبب الشهوة؟! فأي غريزة تثور وأي شهوة تهيج؟!

--------------------------------------------------------------------------------


[1] ابن منظور (لسان العرب)، ج: 13/201- 202، والفيروز آبادي (القاموس المحيط)، ج:4/234، والفيومي -المصباح المنير، ص:261، والمناوي- التوقيف على مهمات التعاريف، ص:391.
[2] أضواء البيان، المطابع الأهلية، الرياض، 1403هـ، ج:6/ 199.
[3] ابن الجوزي: نزهة الأعين النواظر، ص:339.


د. خالد سعيد









المصدر: منقول

<