في عُرس النصر ... لقاءٌ مع الأمهات

ملفات متنوعة

بعد مرور (38) عاماً على الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة يحتفل هذه الأيام الشعب الفلسطيني بعرس النصر الذي أشرقت شمسه، والذي جاء ثمرة تضحيات الشهداء والأسرى والجرحى الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل الله..


بعد مرور (38) عاماً على الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة يحتفل هذه الأيام الشعب الفلسطيني بعرس النصر الذي أشرقت شمسه، والذي جاء ثمرة تضحيات الشهداء والأسرى والجرحى الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل الله، وبهدف تحرير الأرض والمقدسات، لذلك كان لابد من تسليط الضوء على هذه التضحيات، فكان لنا في شبكة (الإسلام اليوم) هذا التقرير.
 

أول الغيث
لقاؤنا الأول كان مع أم الاستشهادي محمد فرحات الذي نفذ عملية استشهادية في مجمع غوش قطيف الاستيطاني تقول: " كواحدة من أبناء الشعب الفلسطيني أشكر الله على هذا النصر العظيم، وأشعر بسعادة عظيمة، فهذا نصر عظيم جاء ثمرة لتضحيات شعبنا، والأجمل أنه لم يكن جرّاء استجداء العدو، وإنما انتزع انتزاعاً من بين براثن العدو الصهيوني، لقد جنيناه بأيدينا وكنا أقوياء، ولم يكن مِنّة من الاحتلال الصهيوني، بل جاء من خلال الضربات الموجعة للعدو، والمقاومة المتواصلة من الشعب الفلسطيني الذي لم يثنه إرهاب الاحتلال عن مواصلة طريق الجهاد والمقاومة".

وتضيف أم الاستشهادي محمد الذي أسفرت عمليته عن قتل تسعة صهاينة لم تذهب دماء أبنائنا وآلامنا سدى، بل إنها أثمرت وأينعت هذا النصر، لذلك تسعد الأمهات بهذه النصر وثمرة هذه التضحيات.
 
وحول الخطوة الأولى التي ستفعلها بعد الانسحاب الصهيوني تقول: " سأزور الموقع الذي استشهد فيه محمد، ونفّذ فيه العملية الاستشهادية".
 
 
ووجهت رسالة للشعب الفلسطيني تقول فيها: "على شعبنا ألاّ يضيع هذا الإنجاز، لنحافظ عليه؛ لأن المحافظة عليه من أولى الأولويات، إن المرحلة التي ستعقب هذا النصر ستشكل منعطفاً تاريخياً هاماً سيمر به شعبنا، لذلك علينا الحذر، فهذا النصر ليس المحطة الأخيرة، فهو خطوة أولى تتبعه خطوات أخرى، وهو أول الغيث، فلن يغلق ملف الجهاد، وأسأله سبحانه أن يمنّ علينا لنقيم أعراسنا في حيفا ويافا والقدس".
 
 
سأزور مكان استشهاده
أما أم الاستشهادي محمود العابد الذي نفّذ عمليته في مستوطنة دوغيت شمال قطاع غزة فتقول: " الحمد لله الذي أنعم علينا بهذه النعمة، هذه فرحة عظيمة ونصر كبير، وهو بفضل الله أولاً ثم المقاومة، فكما قال الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله: شارون كان يقول نتساريم هي تل أبيب واليوم يرحل، وهذا كله بسبب المقاومة التي آلمتهم".
 
وتضيف أم محمود "محمود استشهد قبل ثلاث سنوات وأربعة شهور، وأنا من أكثر الناس فرحاً، فالإنسان يسعد بمدى ما يقدمه في سبيل الله، ووالله لو جاء الانسحاب ولم يكن لي تضحيات لحزنت، الانسحاب ليس كاملاً فسيقفون على المعابر، لذلك معركتنا طويلة وأمامنا مشوار طويل، لذلك لن نكل ولن نمل"، موضحة أن أول عمل لها بعد الانسحاب سيكون زيارة مكان استشهاد ولدها.
 
 
وحول رسالتها للشعب الفلسطيني تقول: " أقول للشعب الفلسطيني الصابر المرابط و الذي تحمل الآلام: هذه بشائر النصر، وهذا زمن النصر والتمكين، أقول لأمهات الشهداء، أقول للأسرى وأقاربهم، أقول للمبعدين، أقول لمن دُمّرت بيوتهم: إن شاء الله النصر قادم، وكما قال الله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) ، نأمل من الله أن يمن على هؤلاء جميعاً بالفردوس الأعلى، فنحن نحارب عن عقيدة، نحارب في سبيل الله، ومن أجل تحرير الوطن، وقد قال الله تعالى: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). لقد أرهبناهم فعلاً، والمشوار طويل وهنيئا لنا جميعاً".
 
 
أتمنّى أن أفعل فعله
أم الاستشهادي إسماعيل المعصوابي منفذ العملية الاستشهادية النوعية في مستوطنة دوغيت، والتي أسفرت عن قتل ثلاثة جنود صهاينة تقول: " نتمنى أن نرى النصر في المجدل ويافا وحيفا، وأن نصلي في الأقصى المبارك، هذا النصر نصر لنا جميعاً، وقد جاء نتيجة دماء الشهداء والجرحى وتضحيات الأسرى".
 
وتضيف بكل فخر وثبات " الحمد لله، يكفي أن الله رضي عن إسماعيل وعنا وعن الأمة الإسلامية، فقد عمل عملاً مشرفاً أذل الله به أعداءه، فقتل ثلاثة باعتراف اليهود، وأنا والله فخورة جداً بعمليته، وأتمنى أن يكرمنا الله أنا وأولادي بمثل هذا العمل".
وحول العمل الأول الذي ستؤديه بعد الانسحاب تقول: إنها قالت لزوجها بأنهم ينوون الذهاب إلى المكان الذي نفّذ فيه إسماعيل العملية.
 
 
فليرحلوا عن أرضنا
لم نكتفِ بمعرفة مشاعر أمهات الاستشهاديين فقد توجّهنا إلى أهالي الأسرى لنعرف مشاعرهم في هذه الأيام، فكان لنا لقاء بأم الأسير عبد الله سعيفان المعتقل منذ عام ونصف، والتي قالت لنا: "نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعد اليهود عن أرضنا، فليرحلوا عن أرضنا، يكفي ما فعلوه بنا وبأبنائنا".
وأضافت أم الأسير عبد الله المحكوم عليه بالسجن خمسة أعوام " أتمنى أن يكون ابني إلى جواري في هذه الأيام، أتمنى أن يتم الإفراج عنه هو وكافة الأسرى".
قلوبنا تعتصر ألماً
 
أما أم الأسير إبراهيم بارود فقالت: " ليس في قلوبنا فرحة، قلوبنا تعتصر ألماً، أبناؤنا وأزواجنا وإخواننا يعانون في سجون الاحتلال الصهيوني، محرومون من الهواء البارد والطعام الجيد، والمسؤولون هنا ينعمون بالماء البارد، ويجلسون بين أبنائهم وزوجاتهم دون أن يشعروا بنا أو نخطر ببالهم".
 
وتضيف أم الأسير إبراهيم ومظاهر الغضب بادية على وجهها: " من من المسؤولين وقف إلى جانبنا؟ من منهم تضامن مع أم الأسير وزوجة الأسير وأخت الأسير؟ إنهم يريدون المناصب فقط، اعتصاماتنا ستتواصل حتى يتم الإفراج عن آخر أسير من سجون الاحتلال، فالأسرى هم الذين ضحّوا من أجل تحرير فلسطين، ومن الضروري أن ينعموا بالحرية كغيرهم".
 
 
حُرم الزيارة بسبب خوخة
وعن آلام ذوي الأسرى حدثتنا نادية ذياب - شقيقة الأسيرين بهاء ورانية - عن المعاناة التي يواجهونها أثناء الزيارة، وعن حرمانهم من زيارة ابنهم الأسير بهاء بسبب حبة خوخ قائلة: " لقد نُقل بهاء منذ شهر 1/2005 إلى سجن مجدو، ومنذ ذلك الحين لم تتم زيارته سوى مرة واحدة فقط، والمرة الثانية حُرم الأهل من الزيارة بسبب حبة خوخ واحدة فقط لا غير؛ إذ أحضرت جدتي لبهاء كيس ملوخية لمعرفتها بحبه الشديد لها، وكانت قد سقطت حبة الخوخ - المجرمة في عرف الجيش الصهيوني- سهواً، علماً بأننا فتشنا الكيس لكن حصل ما حصل، المهم عندما وصل الأهل إلى السجن، وفتش الجنود الأغراض عثروا على حبة الخوخ فسحبوا هويات الوالد والوالدة، وطلبوا منهم الانتظار في الساحة، وأدخلوا عائلات الأسرى باستثنائنا، وعائلة أخرى من عانين عثروا بحوزتهم على شيء يمس أمن دولتهم!! ألا وهو: حبتان صغيرتان فقط من التفاح، وضعوهما بين حبات الليمون المسموح بإدخالها للأسرى، وبقيت العائلتان بانتظار السماح لهم بالمرور لزيارة أبنائهما، إلا أن المفاجئة جاءت بحرمانهما من الزيارة بسبب حبة الخوخ وحبتي التفاح، وعلى إثرها حصلت مشادة كلامية بين الوالدة والوالد وجنود الاحتلال صاح والدي فيهم: هل حبة الخوخ جريمة؟ قال الجندي بتهكم: لا، ولكن القانون قانون، وبعد مشادّات كلامية طويلة خرج الأهل من السجن مع بقية الأسر التي زارت أولادها، وأبلغ الجنود أخي بهاء بأن والدك ووالدتك حرموا من الزيارة لأنهم أحضروا كيس تفاح وخوخ ليدخلاه لك ولبقية الأسرى"!!
 

من سجن إلى سجن
ثم كان لنا لقاء بالأسيرة المحررة هنادي نمر أبو قنديل (24عاماً) من مخيم جنين التي استذكرت يوم اعتقالها مع إطلالة شمس النصر، والتي وصفت لنا ذلك اليوم بقولها: "اعتقلت مساء يوم الخميس الساعة 2.30 الموافق 15/7/2004 ؛ إذ اقتحمت قوة كبيرة من الجيش الصهيوني المنزل، وحاصروه بعد إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الصوت، وجمعونا في غرفة واحدة، وبعد تفتيش المنزل بدقة طلبوا هويات الموجودين ونادوا: هنادي، قفي وقولي اسمك وتاريخ ميلادك، فأجبتهم، وبعد وقت قصير قالوا لأخي فداء (15) سنة: ارتدِ ملابسك، وتعال معنا نريد أن نأخذ معنا هنادي، وفي نفس الوقت أخذوني إلى إحدى غرف المنزل وشرعوا بالتحقيق معي، وقد كانت في المنزل صورة أخي يوسف الذي اعتقل قبلي بعشرة أيام فسألوني: أين هو؟ وماذا حدث معه؟ علماً أنه كان مصاباً في نفس يوم اعتقاله، ولا نعرف عنه شيئاً. أخذوني بعدها إلى معسكر سالم، وأدخلوني إلى غرفة صغيرة، ولم أعلم ماذا حدث مع أخي فداء، وقد علمت بعد ذلك أنهم أعادوه إلى المنزل بعد ما وصلنا إلى معسكر سالم، وبعدها دخل المحقق، وبدأ بالتحقيق معي لمدة ثلاث ساعات، ثم نقلوني إلى غرفة أخرى لم يكن فيها أي شيء سوى الكراسي، وكانت هناك حارسة عليّ، وطبعاً ممنوع أتحرك من مكاني، وفي الصباح نقلوني بجيب عسكري الساعة الثامنة تقريباً بعد أن فتشوني تفتيشاً دقيقاً، ثم قيدوا يديّ وقدميّ بالسلاسل، ونقلوني إلى سجن هشارون للنساء، ثم حقّقوا معي مرة أخرى خمس ساعات تقريباً، ثم نقلوني لقسم البنات، وأدخلوني الى غرفة صغيرة فيها ست بنات، وفي كل قسم كان هناك (55) بنتاً من الضفة، والقسم الذي كنت فيه كانت فيه منال غانم، وابنها نور، وبعد خمسة أيام نقلوني إلى التحقيق في سجن الجلمة فمكثت فيه (50) يوماً، كل يوم كنت أتعرض فيه للشبح والضرب والتحقيق من الساعة (6-8) مساء، وكانوا أكثر شي يستخدمونه معي أسلوب التعذيب النفسي والضغط والإهانات، وكانوا يقولون لي: إنهم يريدون إحضار أخي يوسف الجريح حتى أعترف، وأحياناً يقولون: إنهم سيضربون والدي ويضغطون عليه حتى أعترف، حتى إنهم أجلسوني على جهاز الكذب".
 

وعن الزنازين تقول: " الزنازين شبيهة بالقبور لصغر حجمها وظلمتها، وفيها مكيف هواء بارد ليل ونار وفرشة بلاستيك وحرام قديم، والأكل غير صالح للأكل وكنت أظل على وجبة الإفطار طول الوقت وهي عبارة عن علبة لبن وخبز، وإذا كنت أريد أن أشرب فمن المغسلة، وأكثر من ذلك ظللت بملابسي طول مدة التحقيق لمدة (50) يوماً، لأنهم منعوا عني الصليب الأحمر والمحامين، ثم نقلوني إلى سجن الرملة وهناك كان معي في الغرفة (6-7) بنات، وفي القسم الواحد كانت هناك (60) أسيرة، ومن ضمنهم أسيرات قاصرات (16-19) سنة وأسيرات مريضات جداً، وكانوا يعطونهن الأكامول فقط، ويسمحون لنا بالفورة مرة وحدة الصبح، وعلينا حراسة مشددة جداً، وطبعاً التجمعات في الساحة ممنوعة، وإحياء مناسبة معينة أوالصلاة الجماعية كل ذلك ممنوع، أما الغرف التي نمكث فيها فصغيرة كثيراً، ولا تدخلها أشعة الشمس نهائياً، والفراش في الشتاء يظل رطباً، وبخصوص الأكل غير صالح؛ لأن الطبّاخين كانوا من المدنيين أو الجنائيين؛ فمعظم الوقت كنا نتوجه لـ(الكنتينا) العامة وطبعاً على حساب السلطة أو حسابنا الخاص، وعندما كنا نذهب إلى المحكمة كنا نُفتش تفتيشاً دقيقاً عندما نعود، وكانوا يفرضون علينا عقوبات مالية مقدارها (2000) شيكل، ونُحرم من زيارة الأهل لنا".

 

المصدر: موقع الإسلام اليوم

<