حكاية الخلاف عن الديمقراطية برواية العلماء

ملفات متنوعة

حدثنا الأحرار، أنهم لاقوا في بلدهم أشد الهوان، فمنهم من سجن ومنهم من طرد منهم من كمم فاه بنفسه، خشية على بقية حريته، وقالوا لنا إن ببلاد الإفرنج حكما يضمن نيل الحريات..


إعادة رواية قصة الخلاف، ربما تجعلنا نضع أيدينا على النقاط الحاسمة في الموضوع ومن شأنها أن تقرب وجهات النظر في نقاط، وتشعل النقاش على نقاط أخرى، وبرواية الثقة عن مثله إلى منتهاه، أروي لكم بداية القصة وحكاية أصل الخلاف، ولست أدعي تمام الضبط ولا أزكي نفسي بإثبات العدالة، ولكني بذلت جهدي.

حدثنا الأحرار، أنهم لاقوا في بلدهم أشد الهوان، فمنهم من سجن ومنهم من طرد منهم من كمم فاه بنفسه، خشية على بقية حريته، وقالوا لنا إن ببلاد الإفرنج حكما يضمن نيل الحريات، وهو على علاته أهون مما نقاسيه في بلادنا، فلماذا لا نتعاون وننشر الوعي به ونطالب بتطبيقه وتعميمه لينال كل حر جائزته، وكل كريم منزلته.

فقلنا: نعرفه، أليس هو ما تسمونه بالديمقراطية التي تعني حكم الشعب للشعب؟ إنه في منهج الله بدعة وضلال، وكفى برده أنه يحكّم الناس في شريعة الرحمن، ولكنا نرشدكم إلى الشورى منهج الإسلام، نتفق عليه ونعمل جميعا له.


قال الأحرار: إنا لنحن المسلمون، وإنا نعرف منها ما تعرفون، وننقم عليها ما تنقمون، ولكن الديمقراطية لها جوهر وآليات، فلنأخذ من آلياتها ما يوافق ديننا ونذر ما خالفه.

قلنا: أرأيت إن نزعت جوهر الشيء، هل يسوغ أن تسميه باسمه؟ إنكم إذا تبحثون عن غير الديمقراطية إذا، أتتركون جوهرها وتنزعونه ثم تقبلون على آلياتها وترغبون فيها، أما تبحثون عن اسم آخر لما تبحثون عنه، أو تتركوا هذه الترهات وتعينوننا على توضيح الحل الرباني.

قال الأحرار: ذلك والله ما نريد، أن نطبق الحل الرباني، ولكن الشورى مسمى لنظام لم يطبق سوى أربعين سنة، لا تعرف آلياته، ولا تفصيلاته، أما الديمقراطية فهي دواء جاهز، فلا ينبغي تأخير الدواء الموجود، لأجل دواء غير موجود، فتزيد أحوال الأمة سوءا.

قلنا: وهل كانت الديمقراطية يوم وجدت إلا حلا ضعيفا، ثم مازال أهلها يتعاهدونها بالفكر والنقد حتى جعلوها جذابة لأمثالكم، فلو اخترتم (الشورى) وسعيتم لها لأنضجتها التجارب، والأفكار، وأصبحت الحل الحقيقي لكل شعوب الأرض بدلا من الديمقراطية المزعومة.


قال الأحرار: إن الديمقراطية ستفتح لكم الباب في تطبيق شرع الله تعالى، وتعينكم على نشر الدعوة والدروس وتوزيع الأشرطة وكل ما ترغبونه فيها.

قلنا: تريدون من الأمة أن تتداوى بمحرم، إنا قوم لا يحملنا استبطاء الرزق على طلبه من الحرام أبدا..

قال الأحرار: لا تكونوا جامدين، تقفون أمام حريات الأمة، وتغلقون أبواب العزة والكرامة أمامها، إن هذه الديمقراطية حل مجرب، وعلى ما فيه فهو أفضل ما توصلت إليه البشرية في أنظمة الحكم.

قلنا: ويحكم، كيف تقبلون أن يوضع حكم الله للتصويت أمام الناس؟!

قال الأحرار: ألم نقل لكم سوف نترك ما يعارض الشريعة، ولا يشترط حدوث هذا في الديمقراطية التي سنطبقها نحن؟!

قلنا: أرأيتم إن طالبت الأقليات غير المسلمة بأماكن لإقامة شعائرها، وقام آخرون بفتح حانات للخمور وغيرهم بالاحتفال بأعيادهم في القاعات العامة والمسارح.

قالوا: لا تأخذوها بهذه الصورة، فإن تصرفات الشعب ناتجة عن قيمه وعقيدته، وما دمنا بلدا مسلما فلا تتوقعوا أنه بمجرد تطبيق هذا النظام أنكم ستجدون في كل زاوية حانة وفي كل شارع ملهى ليلي، إن الشعب لن يخالف في مجمله مظهره الإسلامي، وعرفه الاجتماعي، لابد أن نثق بالأمة كما وثق فيها النبي عليه الصلاة والسلام، ولا ينبغي فرض الوصاية على الأمة.

قلنا: لن نأخذها بهذه الصورة، سنأخذها من منطقكم أنتم. ما ترون في عشرين رجلا تمدهم جهات داخلية أو خارجية بالمال؟ ألا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون، ألا تمنحهم الديمقراطية حقهم في أن يفتحوا خمارة، ملهى، كنيسة، جريدة تنشر مذهبهم الفكري .. أو يحتالون على الشعب في صورة مثقفين ومتعلمين، لهم مجالسهم وأنديتهم يتصدرون الناس وهم أحقر من ذلك، فضلا عن أن تكون لهم أجندة خفية في نشر الفساد والانحلال الأخلاقي.. أليست الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم فيها عصبة الشر لامتلاكهم المال. لا تعترضوا فأنتم بأنفسكم اعترفتم أن من مشكلات الديمقراطية المال.


قال الأحرار: وأنتم ممن وقع في شر هذه البلية؟

قلنا: إننا لا نناقشكم ما سنفعل أو ماذا ستفعلون إن فرضت الديمقراطية، إنما نناقشكم هل نقبل بالديمقراطية ابتداء أم لا؟ فإذا ما فرضت وحقت فلنا معها شأن آخر يليق بالمقام، وفي كلا الحالين، نصدر عن الحكم الشرعي والموازنات الدقيقة في درء المفاسد وجلب المصالح.

قال الأحرار: لماذا هذه النظرة السوداء، لماذا لا تظنون أنكم تفوزون، وتحققون دعوتكم، وتنشرون العدل والسلام، وهب أن ثلة حاولت الإفساد، فأين الصالحون من أمثالكم ينكرون عليهم ويناصحونهم.

قلنا: لأن المعطيات الواقعية تقول إن العصر عصر المال وعصر الإعلام، وبالمقارنة البسيطة ستجد أن أقليات تمتلك نفوذا، تتحكم في الإعلام والمال، وتعرف أن الإمكانيات المادية للمجتمع المسلم المحافظ لا تمثل شيئا مقارنة بهم.

قالوا: أترضون أن يرثكم الحاكم، كما تورث الشياه والأغنام.

قلنا: لا نرضى.


قال الأحرار: إذا فالديمقراطية ستجعلكم أحرارا..

قلنا: ألا ندلكم على خير من ذلك الوهم الخادع، والبرق الخلب، سئمنا من مطالباتكم بهذا الحل المستورد، فلا رضيتم بحكمه الشرعي حين ذكرناه لكم، واحتلتم على الحكم الشرعي، بقولكم نفرغه من جوهره، واعترضتم على تغيير اسمه، وقد علمتم أن كل مسمى بجوهره لا بمظهره، ويا ليتكم حين قلتم نغير جوهره ونجعل آلياته موافقة للشريعة صدقتم، فها أنتم تريدون أن تعطوا الكافر حقه في إعلان دينه، أتسمحون لكل صاحب دين بالاستعلاء أمام الإسلام، ولو صدقتم لعرضتم على علماء الشريعة آلياتها التي تريدون، فالحكم الشرعي موكول للشيخ وليس للسياسي كما تعرفون، ثم سألتموهم بأدب المتعلم: إننا نرى هذه الآليات تناسب لولاية المسلمين، فما حكمها الشرعي في رأي فضيلتكم؟ ثم يبتون في الأمر، وتأخذون جوابهم، إن كان لكم من استفسار، طرحتموه أو رغبتم في مزيد تفصيل طلبتموه، وإلا انصرفتم راضين لأنكم طبقتم أمر الله تبارك وتعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] ..

ولا تغرونا بالآفاق الوهمية التي ستفتح للدعوة في سبيل الله تعالى، ما الفائدة أن يفتح باب الدعوة دون أن تتمكن من تطبيق شيء منها بحجة أنه مقيد للحريات ومعارض لحريات الآخرين ولا يتناسب مع نظام البلد الديمقراطي العظيم؟!


أخبرونا أين يذهب المتنافسون على السلطة بعد خسارتهم، أفي تأييد الرئيس الفائز أم تظل تعمل طوال سنوات حكمه على إسقاطه؟ لكن في الحل الإسلامي، لا مجال لهذا، تجتمع لجنة الحل والعقد، ويرشحون أفرادا، يرون سيرهم الذاتية، وينظرون في ولاءاتهم، وأفكارهم، وانجازاتهم، كما ينظرون في التزامهم بدينهم وتقواهم ثم تستخير الله تبارك وتعالى، قبل إعلانه وتوليته، ليخرج فيصلي بالناس.


الديمقراطية أيها الأحرار: لا تعطي الأقليات حقوقها، بل تعطي الأفراد حقوقهم، بعكس الشورى المسلمة التي تعترف بالأقليات ابتداء وتحدد موقفها تجاهها، ففي الغرب يجتمع عدد من الأفراد ليكونوا طائفة ثم يطلبوا دولة الحرية بالاعتراف بهم، كما حدث مع الشاذين، حتى اضطرت الدولة للاعتراف بهم، أما في الشورى فلا، الشورى تقضي بأن هؤلاء خرجوا عن الفطرة ولا مجال لهم في الدولة الإسلامية، فإما أن يستتروا بدائهم عن أعين الناس، وإما أن يجاهروا بدائهم المنتن، لتقوم الشورى بتطهير المجتمع منهم.

أخيرا: لابد أن تعلموا أن الناس متعطشة للحل الإسلامي، والجماهير الإسلامية متعطشة للشورى، فبدلا من السعي وراء الحلول المستوردة من الغرب الكافر، فلنجتهد في تبيين شرع الله تعالى للناس، وكيف يمكن تطبيقه على أرض الواقع، ولنبحث سويا الآليات اللازمة لإحقاق الشرع، فإنه الخير كله.
 


المصدر: بدر باسعد

<