سألته ما أخبار صاحبك الذي أرجعنا بسيارته الشبابية ( كوبيه ) فلم أره
منذ فترة ؟
قال لي : أو ما علمت بخبره ؟!
تفاجأت .. تأملت وجهه لعلي أقرأ فيه الخبر ، وإذا به يقول كان شاباً
من الشباب الذين منّ الله على آبائهم بالثروة ، والجاه ، فأصبح يتقلب
بنعمة الله يمن ويسرة دون أن يعرف لنعمة حقها ، ولمنعم شكره كحال كثير
من شباب اليوم .
وذات مرة قال لي : لم تُصلي بالناس إذا غاب إمامهم ؟!
ثم قال بلغة جادة ألا أقدر أن أصلي مكانك ؟
قال صاحبي : فما أردت جرح مشاعره ، وقلت له إن الإمامة صعبة ، ولا
يقدر عليها كل أحد ، وأنت بحاجة إلى حفظ القرآن كي تؤم المسلمين
.
ذهب الشاب متأثراً . يقول صاحبي ومن وقتها بدأت ألحظ عليه التغير ،
وظننت أنها فترة من الزمن ثم يعود كما كان ، إلا أنه جاءني بعد فترة
وأخبرني أنه حفظ خمسة أجزاء ، ثم سبعة ، ثم امتنع أن يخبرني أين بلغ
.
أخيراً سلمني المصحف وقال سلني من أي جهة شئت من المصحف .
مرت الأيام وأصبح مطلوباً من عدة مساجد ليصلي بهم بعد أن حفظ القرآن ،
وكان صوته جميلاً مجوّداً ، إلا أنه سافر إلى مكة ليكمل دراسته
الجامعية في جامعة أم القرى وقد أخذت جماعة أحد المساجد عهداً منه أن
يرجع إليهم في رمضان ليصلي بهم التروايح .
انقطعت أخباره عنا فترة من الزمن ، ثم جاءنا الخبر أن صاحبنا في غرفة
الإنعاش ، تساءل الجميع ما الخبر ؟!
سافر إليه بعض الشباب الذين يعرفونه ، دخلوا عليه سلموا عليه ، إلا
أنه كان في واد غير وادهم .
سألوا عن السبب .. فقيل لهم أنه ذات مرة كان برفقة مجموعة من الشباب
الصالحين ، خرجوا للنزهة ، وفي المساء تأهبوا للنوم في الخيمة .. قام
يسامر خلانه ، ويذكر لهم قصصاً عن الزواج والمتزوجين ، فقال أحدهم
:
لعلك بنيت أو نويت .
قال أما في الدنيا فلم يحدث حتى الآن ، لعلي مع الحور العين إن شاء
الله .
قام يصلي بعد ذلك ما شاء الله له من الليل ، وقرأ من القرآن ما تيسر ،
ثم نام الجميع بأمن وأمان .
قام أحدهم آخر الليل يجهز لإخوانه ماء دافئاً للوضوء ، فالطقس شديد
البرودة ، حاول إيقاد الغاز فما استطاع ، بذل جهده إلا أنه عجز عن
إقناع النار في الظهور ..
فجأة وفي محاولة يائسة اشتعلت النيران من فوهة قارورة الغاز بشكل مخيف
، أطار عقل هذا المسكين الذي لم يعد يعرف كيف يتصرف ، فما كان منه إلا
أن رمى القارورة باتجاه باب الخيمة حتى لا تؤذي إخوانه ، ولكنها مرت
بطريقها على مجموعة من الشباب من ضمنهم صاحبنا الذي كان أشدهم إصابه ،
فنقل للإنعاش ، وهناك زاره من زاره وهو لا يعبأ بأحد جاءه ولا يحس به
.
ظل ثلاثة أيام رافعاً سبابته إلى السماء دون أن يحادث أحداً ، وكأنه
يودع الدنيا وزخرفها ، وينظر من خلف أستارها إلى الحور العين اللاتي
ينتظرنه منذ البارحة إن شاء الله ..