التهنئــة بأداء فريضـــة الحج

ملفات متنوعة

للمؤمن الحق أن يفرح بالحج فهو من فضل الله ورحمته، والله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58]، فالحمد لله الذي يسر للحجاج حجهم، وسهل لهم نسكهم...



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ما أسعد المسلم حين يقضي عبادة من العبادات، وما أبهجه حين ينتهي من شعيرة من الشعائر، وكيف إذا كانت الشعيرة هي فريضة الحج الذي فرضه الله على المستطيع من عباده: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، إنها فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً، وجعل الحج إليه مكفراً للذنوب والآثام.


للمؤمن الحق أن يفرح بالحج فهو من فضل الله ورحمته، والله تعالى يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58]، فالحمد لله الذي يسر للحجاج حجهم، وسهل لهم نسكهم، ونسأله تبارك وتعالى أن يتقبل منهم عملهم، ويضاعف أجرهم، وألا يردهم خائبين، ولا من رحمته مطرودين، فهو أهل الفضل والعفو والمغفرة.


وحريٌّ بمن وقف في تلك الصُّعُداتِ، وسكب على صعيد عرفاتِ العبراتِ، وطاف وسعى وحلق ورمى الجمرات، وفعل كل ذلك ابتغاء رضى خالق الأرض والسموات، حريٌّ به أن يحمد الله على نعمته وفضله، فكم من عباد الله من يتمنى الوصول إلى هذه الأرض الطاهرة، وأداء هذه الشعيرة الباهرة، فحال بينه وبينها بعد المسافة، أو كلفة النفقة، أو منع أصحاب السلطة، وأنت قد تيسر لك الحج بكل يسر وسهولة، وعدت من حجك سليماً معافى، ترفل في ثياب الصحة والعافية، حريٌّ بك أن تترجم حمد الله وشكره بالقول والعمل، فلا يزال لسانك يلهج بالحمد والشكر، ولا تزال جوارحك تؤدي ما أوجب الله عليك من فرائض الإسلام، فذلك أعظم الشكر.


من الناس من يظن أن مجرد أدائه الحج إلى بيت الله الحرام كافٍ لمحو الذنوب والآثام، حتى وإن لم تصحبه توبة نصوح، وهذا خلاف مدلول الأدلة من الكتاب والسنة، فالحج ورمضان والجمعة تكفر صغائرَ الذنوب، أما كبارُها فلا يكفرها إلا التوبة، والحج أيضاً يكفر صغائر الذنوب إذا صدق الحاج في حجه، فأخلص فيه النية لله، واتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتخذ فيه نفقة حلالاً، وتجنب الرفث والفسوق والجدال والغش والكذب وأذية المسلمين.


وأعظم دلائل القبول أن يوفق المسلم للاستمرار في الطاعات، والبعد عن المعاصي والموبقات، فمن منَّ الله عليه بالقبول وفقه لحب كل ما يحبه الله، وكراهية كل ما يكرهه الله، وذلك شأن المؤمن. فدين الإسلام دين متكامل لا انفصال فيه بين الدين والحياة، أو بين المسجد والمجتمع، أو بين العبادة والسلوك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل الذي لم يخشع في صلاته: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه". فلو تمكن الإيمان من قلب المؤمن لأثمر أعمالاً صالحة في جوارحه، ولو خالط الحج شغاف القلب لرأيت الحاج بعد حجه أكثر تمسكاً بالفرائض وعلى رأسها الصلوات الخمس مع جماعة المسلمين في المساجد، ولرأيته أكثر ابتعاداً عن النواهي كبيرها وصغيرها خوفاً من الله ورجاء فضله.


لقد كانت أيام عشر ذي الحجة موسماً للتجارة الرابحة، فيها الصيام الذي سنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظمه صيام اليوم المشهود، يوم عرفة، خير يوم طلعت عليه الشمس، يكفر الله به سنتين، وفيها الحج الذي يعود صاحبه من الذنوب كيوم ولدته أمه، وفيها يوم عرفة الذي يباهي الله فيه ملائكته بأهل الموقف، وفيها يومُ العيد، يومُ الحج الأكبر، وفيها أيامُ التشريق الفاضلة، وفيها الأضاحي التي يتقرب بها المخلوق إلى الخالق. فإذا انتهت هذه العشر فإن العمل الصالح لا ينتهي، سواء كان عبادات عملية كالصلاة والصيام فروضها ونوافلها، أو كانت مالية كالزكاة والصدقة والبر والإحسان، أو كانت قولية كذكر الله والاستغفار والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، فالحمد لله الذي جعل ديننا دين سماحة ويسر، ودين أجر وفضل، لا يكاد ينتهي موسم للخير إلا ويبدأ غيره.


ونحن إذْ نهنئ إخواننا الحجاج بحجهم وندعو لهم بالقبول؛ لا ننسى أن نذكر من لم يحج حجة الإسلام وهو قادر عليها أنه على خطر عظيم، فالأصل كما قال أهل العلم أن الفرائض واجبة التنفيذ على الفور، ومنها الحج، فهو واجب على الفور على من استطاع إليه سبيلاً، ولا يدري الإنسان ما يعرض له في مستقبل حياته، فقد يحول بينه وبين الحج مرض أو فقر أو وفاة، وقد فرط في أيام صحته وقدرته وحياته.


وقد دلت النصوص كما في ظاهرها على وجوب المبادرة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، وكاد عمر رضي الله عنه أن يفرض على من لم يحج الجزية، وقال: "ماهم بمسلمين ما هم بمسلمين".

وهي رسالة إلى من لم يحجوا بعد، وقد استطاعوا إليه سبيلاً، أن يبادروا ما داموا في قدرة واستطاعة وأمن وأمان، ومن لم يستطع فليسال الله الإعانة، فإنه نعم المعين.

 

المصدر: د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن التويجري

<