حوار مع ملك الموت

الأستاذ ممدوح إسماعيل

ولكن لقلة الإيمان؛ أصبح كثير من الناس يعتقدون أنك المُنجى لهم من الفاسدين وينتظرون قدومك على أرواحهم فتريح البلاد والعباد منهم.


استوقفتني وضايقتني كلمات سمعتها مراراً من الدكتور عبد الحليم قنديل -المعارض المصري- إذ يقول: لا أعرف سبباً لتأخر ملك الموت عن المستبدين، وهى كلمات يرددها بعض الناس بدون وعي، وبينما ذهني مشغول بتلك الكلمات فوجئت كأن ملك الموت أمامي فاندهشت وحوقلت ثم استجمعت شجاعتي وقلت فرصة لإجراء حوار حصري لم ولن يتكرر:
فقلت: مرحبا بك ملك كريم...
فنظر لي بتعجب وقال: غريب أمرك، كل البشر لا يرحبون بي.
قلت: الصراحة هذا من باب المداهنة فقد فجعتني كثيراً في أحبتي، ولكنّي الآن أريد إجراء حوار معك عن غرائب أيضاً يعتقدها بعض الناس لغلبة الجهل وقلة الإيمان واليأس من تغير الأحوال.
قال: قل بسرعة فأنا مشغول وليس عندي وقت ولو جزء من الثانية.
قلت: أرجوك اصبر معي... أول تساؤل لبعض الناس أنك تتأخر عن قبض أرواح المفسدين والظالمين؟
قال ملك الموت: أنا عبد لله.. فالله يأمرني يا ملك الموت اقبض روح فلان فأمتثل لأمر خالقي، ثم ألا يعلم هؤلاء أن الله تعالى قال فى كتابه الكريم: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34].
قلت له بسرعة: نعم آمنت بالله.. ولكن كثيرا من الناس ضاع بينهم القرآن، واليأس استولى على عقولهم وقلوبهم من تسلط الفاسدين..
قاطعني ملك الموت قائلاً: ما هي حكايتكم مع الفاسدين؟
قلت: لقد ملكوا البلاد وأفسدوا العباد وضيعوا دينهم ودنياهم وطالت أعمارهم.
قال ملك الموت: وما علاقتي بهذا؟! ألا تعلمون أنه ابتلاء من الله ليختبركم فيزداد المؤمنين إيمانا بصبرهم على العمل الصالح، وينفضح المنافقون فينكشفوا بين الناس.
قلت: نعم ولكن لقلة الإيمان؛ أصبح كثير من الناس يعتقدون أنك المُنجى لهم من الفاسدين وينتظرون قدومك على أرواحهم فتريح البلاد والعباد منهم.
ابتسم ملك الموت وقال: يعتقد هؤلاء أنّى المنجى لهم ولماذا لا يُنّجون أنفسهم هم من الفاسدين؟
قلت: وأنا أتمتم.. العين بصيرة واليد قصيرة والسجون كثيرة.
فصاح بي: ماذا تقول؟! فارتعدت وقلت: أكلم نفسي!!
قال: وهل هذا من أدب الحديث؟
قلت وقلبي تتسارع دقاته: والله ما أقصد.. أصل المشكلة كبيرة.. لكن دعني أقول لك بعض ما يعتقده هؤلاء أيضاً.
قال ملك الموت: قل بسرعة عندي عمل كثير..
قلت: والله أعرف جيداً، فالبعض يقول أن هؤلاء الفاسدين يملكون أموالاً وجيوشاً وبلادا، ويملكون أسباب العلاج من كل داء، وكُل نعم وقوة الدنيا عندهم.. فعندهم أسلحة تقتل خلايا جسم الإنسان، وتصل إلى بلاد بعيدة وتقتل الآلاف بضغطة زر، فلذلك يعتقد البعض لجهلهم أنه لذلك يتأخر عنهم ملك الموت.
غضب ملك الموت وقال: غريب أمر هؤلاء الناس ألا يؤمنون بالله خالق السموات والأرض، ألا يسمعون قول الحق: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء:78]؟!، ألا يسمعون قول الحق: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس:82]؟!، ثم هل رأيتم جبار أو ملك ظالم أو فاسد ُخلّد في الأرض؟
قلت: الحقيقة أن كثيرا من هؤلاء لا يسمعون كلام الله، وبعضهم يسمع؛ ولكنه اليأس.. ألا تعرف اليأس يا ملك الموت؟
استغرب وقال: ما اليأس؟
فقلت في نفسي فرصة أُعّرفه شيئا فقلت له: إنه الذي جاء في قول الحق تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ}..
فقال ملك الموت: أعتقد أنكم لا تفهمون الآية.. ثم سكت برهة وقال: إن بقية الآية: {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين} [يوسف:110] فاليأس هنا من تكذيب قومهم لهم مع إيمان الرسل بنصر الله.. ثم هل أنتم عملتم ما أمركم به الرسل من مقاومة الفاسدين بالمعروف والعمل الصالح حتى تسألوا الله النصر؟
فقلت: الحقيقة.. لا، بل أن كثيرا من الناس غافلون، ومنهم تاركو الفرائض والأركان، ومنهم من يحارب القرآن، ومنهم منافقون يستخفّون الناس بالشعارات ضد الفساد وهم متورطون فيه، ومنتفعون به.
قال ملك الموت: ومع ذلك تستعجلون موت الظالمين الفاسدين!!!
قلت له: نعم ربنا يكرمك...
قال: حتى أنت!!!
قلت: إنما أنا مؤمن بكتاب الله وحكمته وقدره خيره وشره.. ولكنى إنسان يتلظى ليل نهار في جحيم الفاسدين والظالمين.
قال: هل لك رغبة في موت فاسد؟
قلت على الفور هامسا: بيني وبينك هذه ليست رغبتي وحدي، إنما رغبة شعبية والقائمة كبيرة.
قال: ولماذا تهمس؟
قلت: هذا.. من أصل المشكلة فهؤلاء الظالمون يراقبون كل الاتصالات.
فتعجب ملك الموت وقال: ولكن حوارك معي لا يراقبه إلا الله.. ويهمني إرسال رسالة للناس.. أذكركم أيها الناس: أن الموت قدر محتوم ولكن عليكم بفهم قول الله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2] ومشكلتكم أنكم لا تعملون أحسن العمل.
ومع ذلك إذا قرأتم القرآن فستجدوا أن الله تبارك وتعالى لم يترك جباراً ولا قرية ظالمة إلا وأهلكها، فالحق يُمهل ولا يُهمل وتذكّروا: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]، وقبل أن أتركك أذكرك أنني كم قصمت من ظالم في بلدكم طغى وتجبر وأفسد في الأرض وراجعوا التاريخ، وأنني لن أترك ظالما ولا فاسدا ولا جبارا إلا وقصمته.
قلت: خيرا الحمد لله.
فتابع ملك الموت حديثه قائلاً: وأُنذرك وأُنذر كل الناس وكل من على الأرض أن {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} [الرحمن:26-27] فانتفضت منتبهاً وأنا أتصبب عرقاً وُأردد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، اللهم أحيني عليها وتوفني عليها واجعلها خير زاد لي يوم أن ألقاك..
وكان هذا هو حواري الافتراضي الوحيد مع ملك الموت....

ممدوح إسماعيل محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام