"أركون" وسقوط صنم جديد

الشيخ عبد المنعم الشحات

نحن نتوكل على الله في حفظ دينه فإذا مات عالم لم نخش على الدين بعده؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات وحفظ الله الدين بعده؛ فكيف بمن بعده؟!...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قامت العالمانية الغربية على خلفية الطغيان الكنسي الذي ملأ السهل والوادي في أوروبا، إلى الدرجة التي لم يكن ينقصها إلا أن تمنع الكنيسة الناس من التنفس إلا بإذنها!

أعطت الكنيسة الغربية لنفسها حق نسبة كل ما يراه رجالها إلى الوحي عن طريق أكذوبة الإلهام التي اخترعوها، وتمعَّنت الكنيسة في إذلال الحكام؛ وهي التي كانت تتمسك في عصرها الأول بالنص الإنجيلي المنسوب لعيسى -عليه السلام-: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"!

وحشرت الكنيسة نفسها في كل شيء حتى تبنت النظريات الفيزيقية، ونسبتها للوحي الإلهامي، ثم لما تجاوز العلم تلك النظريات تفننت الكنيسة في قتل وتعذيب وحرمان كل هؤلاء؛ بتهمة الهرطقة ومخالفة الوحي.

ومع كل هذا تعاونت الكنيسة مع الإقطاع، رغمَ أنها في بداياتها كانت تتمسك بالنص الإنجيلي المنسوب لعيسى -عليه السلام- من أنه: "لن يدخل غني في ملكوت السماوات إلا أن يتخلى عن ثروته"، وعلى خلفية هذا الفساد الكنسي قامت الثورة الفرنسية رافعة شعار: "اخنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس"!

لقد كفر كثير من مفكري الغرب بفكرة الدين أو الإله، وعادوا مرة أخرى إلى فكرة أن الإله ما هو إلا إنسان خارق "سوبر مان" وفق الأساطير اليونانية والرومانية القديمة، والتي تمثل المصدر الأصلي للفلسفات العلمانية الحديثة.

ومن رأي منهم ضرورة الحفاظ على وجود الدين لاستعماله في ضبط جنوح الأفراد أو حتى من باب مداراة العامة أخضعوا كتبهم الدينية لعلم التاريخ والاجتماع والسياسية، فضلاً عن إخضاعها لواقع ورغبات الناس، مستندين إلى أن هذه الكتب الدينية ما هي إلا تدوين قوم سابقين لنص إلهي مفقود وفق عاداتهم وواقعهم، بينما فُقد النص الديني الأصلي، مما يعطي كل جيل الحق في إعادة كتابة النص الديني أو إعادة تفسيره تفسيرًا متحررًا كل التحرر من تفسيرات السابقين كحد أدنى.

وقد أطلق العالمانيون على نظام الحكم في أثناء فترة الطغيان الكنسي بالـ"دولة الدينية"، وهي كلمة صارت تصيب المفكر العلماني بحالة تشبه المس أو تفوقه إذا ما سمعها.

ورغم اعترافنا بحجم الظلام الذي فر منه العالمانيون، إلا أن سلوكهم كان كسلوك المستجير من الرمضاء بالنار، وإذا كان سلوك المستجير من الرمضاء بالنار مستقبحًا؛ فأقبح منه من يفر من النعيم إلى النار!

وعلمانيو بلادنا بيْن بائع دينه بحفنة من الدولارات، أو بلقب رنان، أو بتمويل "لدكان" من دكاكين حقوق الإنسان، وبين غرير لم يُسمح له إلا بالاطلاع على الفكر الغربي والتاريخ الغربي، وأن يُلقن بأنه يجب أن يستفيد من تجارب تلك الأمم، وأمثال هؤلاء يدرس لهم في السوربون وغيرها من الجامعات الغربية عصور الاستبداد الكنسي التي يصطلحون على تسميتها بالـ"عصور المظلمة"، ثم يدرسون فلسفات ما يسمونه بـ"عصر التنوير" الذي هو بالمقاييس الشرعية أشد ظلامًا وإظلامًا من سابقه، ثم إذا تشربوا بما يسمى بالمشكلة والحل من وجهة النظر الغربية قيل لهم: إن مشكلات الإنسانية واحدة، وإن المسلمين لا يختلفون عن غيرهم في مشكلاتهم إلا في فرق واحد؛ أن المسلمين من وجهة نظر المستشرقين ما زالوا يعيشون عصور الظلام، ثم يقال لهم: "وأنتم -معشر تلاميذنا- مبعوثو العناية الأوروبية لإخراج الأمة الإسلامية من عصور الظلام إلى عصر التنوير".

ومِن ثمَّ يقرأ هؤلاء تاريخ المسلمين قراءة موجهة محمومة تحاول إيجاد نظائر لكل عناصر قصة أوروبا من عصر الاستبداد الكنسي إلى عصر التنوير، والتي تنتهي بهم إلى أن العصور الذهبية الإسلامية هي عصور ظلامية، وأن الأمة الإسلامية تعيش صراعًا بينهم كممثلين لطلائع التنوير وبين الظلاميين الأصوليين، وهو مصطلح غربي يشمل كل من له أصل يرجع إليه، وبالتالي فعند نقله إلى الواقع الإسلامي يطلقونه على طوائف كثيرة على رأسها السلفية أو الوهابية على حد زعمهم، ويدخل فيها حتى من يُسمون بالوسطيين، والأزهر وغيره ممن لم يركب معهم في قطار الحداثة والتنوير بزعمهم!

هذا هو حال دعاة التنوير لا سيما المعاصرين منهم أمثال: "القمني"، و"نصر أبو زيد"، و"محمد أركون" الذي توفي في يوم 14 سبتمبر 2010م، وأقامت الصحف العالمانية له مأتمًا بغير مأتم، وحاولت إيهام القراء أن من فاته قراءة كتب هذا الرجل حيًا فليدرك نفسه، ويستنير بكتاباته قبل فوات الأوان!

وفي الواقع فإن "أركون" الذي ولد في الجزائر من أسرة فرنسية الهوى ورث عنها الهوى الفرنسي، وزاده تأصيلاً بدراسته في جامعة السوربون، ثم عمله مدرسًا فيها إلى أن جاءه أجله، وهو كذلك يعتبر نموذجًا مثاليًا للعالماني العربي الذي يسقط التجربة الغربية على واقع المسلمين بلا وعي.

وقد لخص الدكتور "محمد الأحمري" أفكاره في مقال له في مجلة العصر بعنوان: "محمد أركون ومعالم أفكاره"، ختمه بخلاصة قال فيها: "يرى أركون أن القرآن والكتب السابقة تعاني من سياق واحد، ويضع القرآن مع الأناجيل في مستوى من الثبوت والدراسة واحد، ويرى أهمية النقد والتجديد. وعمله هذا النقـدي السلبي النافي -الذي يمسخ كل الحقائق وكل المعاني- لا يمكن بحال أن يكون مذهبًا فكريًا بديلاً؛ بحيث يحل محل شيء من الفرق أو الجماعات التي وجدت على الساحة الإسلامية وليس بأسلوب يمكن قبوله من قِبل السنة أو الـشـيـعـة؛ ذلك أنه يلـغي الجميع ويرى العدمية التي يقدمها هي البديل أو التجديد، فالشك والجحود بكل شيء لن يكون أبدًا بديلاً للإيمان؛ إذ هذا العدم لا يكون دينًا ولا يبني خلقًا.

وهو يرى -مع هذا- ضرورة النظام في حياة الناس، ويرى أهمية القوانين، وهذه القوانين عنده تنشئها الضرورة الاجتماعية، لكن أي مجتمع وأية قوانين، أما المجتمع فلا يرى "أركون" أن يكون للإسلام سلطة عليه؛ لذا فليس للإسلام أن يسن أي قانون في ذلك المجتمع؛ إذ ليس للإسلام في نظره أي قانون ولا علاقة بالوجود، وهو قد بذل وعصر كل سمومه وآفات الملحدين في الغرب؛ لينكر المصادر أولاً، ثم لو افترض إثباتها فليس لها حقائق ولا معاني تمس الناس، ثم إذا فهم منها معاني؛ فتلك المعاني جاءت للحاجة والضرورة؛ لأنه لم يكن هناك قوانين في المجتمع.

وقد علق أحدهم على نمط تفكير "أركون" وأسلوب تعامله مع النصوص فقال: إن تجديدية "أركون" هي: تجديدية عدمية، ولا نحسب أن مسلمًا عاقلاً يهتم لقراءة "أركون" النافية، وهذا ملخص لبحث مطول يتناول كتب ومقالات "أركون"، ومع أن أعماله غير معقولة، لكن -ويا لَلأسف!- إن الذي يـتـحكم في سلوك وأفكار العالم الإسلامي اليوم هو "اللامعقول"؛ لهذا يحتاج إلى بيان".

وهذا الذي ذكره الدكتور أحمري عن مساواته القرآن بالإنجيل من حيث الثبوت والدلالة ربما عرَّض به "أركون" فى بعض محاضراته بين المسلمين؛ لعله هروب من التصريح الذي قد يودي بحياته، ولكنه عندما يعود إلى جدره المحصنة -حيث يكتب سمومه في كتبه- يكتب بأريحية تامة، حتى إنه تبنى مشروعًا ليس له معنى إلا أنه يريد أن يعيب القرآن بالعيب الفظيع الذي تعاب به كتب اليهود والنصارى؛ وهو ضياع الأصول واضطرابها وتناقض الموجود منها، وهو يدعي أن لفائف البحر الميت فيها نسخ من القرآن غير التي معنا، مع أن القاصي والداني يعرف أن لفائف البحر الميت هي أصول للتوراة أو للعهد القديم من كتاب النصارى المقدس، وهي تخالف التوراة المعروفة مخالفات جوهرية، مما جعلهم يتكاتمونها ولا يترجمونها.

ثم إنه زاد على ذلك أنه لا بد أيضًا من أن يضم إلى تلك الوثائق المصاحف الموجودة لدى الشيعة والإسماعيلية وغيرهم في خزانات سرية في الهند، ويبدو أن "أركون" الحداثي التنويري قد خجل من أن يعول على المصحف المختفي في السرداب مع الإمام الغائب منذ مئات السنين، فعبَّر عن السرداب بالخزانات السرية، وإلا فإن حتى غلاة الشيعة والباطنية لا يزعمون وجود مصحف آخر إلا في السرداب.

و هكذا يقبل الحداثي بالخرافة المحضة إذا تعلق الأمر بالطعن في الإسلام رغم زعمه أنه مسلم، وهيهات هيهات.

وقد أشار الدكتور "إبراهيم السكران" إلى تشكيك "أركون" في المصحف عن طريق حكاية لفائف البحر الميت وخزانات الهند السرية في مقالة له بعنوان: "مصحف البحر الميت".

وقد اشتهر "أركون" مِن بين أقرانه بقدرته على التعبير الصريح عما يكني عنه غيره من العالمانيين؛ اتقاءً للغضب الشعبي عليهم، وهروبًا من مواجهة فتاوى التكفير.

يقول "أحمد إبراهيم خضر" في مقاله الرائع: "محمد أركون وحصاد الصراع بين الإسلاميين والليبراليين"، ضاربًا المثل لارتماء التنويريين العرب في أحضان رجال اللاهوت النصراني: "والمثال الواضح لذلك هو احتضان "روبير كاسبار" و"كلود جيفرى" لـ"محمد أركون"، و"الأب جيفري" هو أحد أعضاء "مجموعة باريس" التي يرأسها الأب "روبير كاسبار"، وهما من رجال اللاهوت المسيحي. يؤمن "كاسبار" بأهمية الحوار مع الإسلام وفقًا لما يدعيه: "بالاحترام المتبادل"، وأهمية "البحث التاريخي". وتعمل "مجموعة باريس" ضمن جماعة أوسع في البحث الإسلامي - المسيحي. تضم هذه المجموعة "فرانسوا سميث فلورنتان" و"جان لامبير" و"كلود جيفري".

احتضن "كاسبار" المفكر العالماني المعروف "محمد أركون"؛ ليكون عضوًا في "مجموعة باريس" هذه؛ أما أهمية "الأب جيفرى" فتكمن في أنه صديق شخصي "لأركون"، وهذا الأخير يحترم "جيفري" ويبجله كثيرًا، ويتردد عليه ويستمع لآرائه، بل يتوق بشدة إلى معرفة تعليقاته وملاحظاته على أفكاره.

وفي كلمات مليئة بالإعجاب المشوب بالاستجداء يصف "أركونُ" "الأبَ جيفري" فيقول: تركت قلمي يجري على هواه كما أفعل عادة عندما أتحدث بكل حرية مع "الأب كلود جيفري"، وعنده الجواب عن كل شيء، فهو يستحسن كلامك، أو يعدل منه، أو يصححه أو يكمله، ولكنه نادرًا ما يرفضه. أريد أن أوجه إليه أمنية وطلبًا.. أتمنى لو يجد الوقت المناسب للرد على كلامي.

"الأب جيفرى" كما يصفه "أركون" أحد اللاهوتيين القلائل الذين خطوا خطوة هامة نحو تشكيل ما يسميه: بـ"لاهوت الوحي"، لا يستبعد "القرآن"؛ وإنما يدمجه داخل رؤية ديناميكية حية".

وقد بلغ من تأثير القساوسة عليه أن قال في ندوة مستقبل التنوير في الكويت، وأمام جمع من المسلمين: "إن الإنجيل يمثل أقوال ومواقف عيسى -عليه السلام- حتى.."، ثم سكت وقال: "أيصح أن نقول مماته؟"، ثم استطرد في الكلام على ضرورة الاحترام والقبول للآخر مما يعني أنه يقدم عقيدتهم على عقيدته، وتسجيلات هذه الندوة متاحة على الإنترنت.

ومع هذا فقد صدق "محمد أركون" نفسه ذات مرة، وظن أن الغرب يتعامل معه على أنه مفكر كبير له رأيه المستقل عن آرائهم، أو حتى إنسان يتمتع بحقوق الإنسان التي ينادون بها، فكتب عاتبًا على "سلمان رشدي" تجريحه المباشر في شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا سوف يصد الناس عن أفكاره التنويرية، فقط كان هذا كل ما طالب به "أركون" "سلمان رشدي" أن يبث الطعن في الإسلام والنبوة في صورة البحث العلمي بعيدًا عن الشتائم؛ لأنه أرجى للقبول، فنال من أسياده ما نال!

نترك له الفرصة ليعبر عن ذلك بقلمه قائلاً: "إن مقالة اللوموند كلفتني غاليًا بعد نشرها، وانهالت عليّ أعنف الهجمات بسببها، ولم يفهمني الفرنسيون أبدًا، أو قل الكثيرون منهم، ومِن بينهم بعض زملائي المستعربين على الرغم من أنهم يعرفون جيدًا كتاباتي ومواقفي، لقد أساءوا فهمي ونظروا إليّ شزرًا، ونهضوا جميعًا ضد هذا المسلم الأصولي(!) الذي يسمح لنفسه بأن يعلن أنه أستاذ في السوربون، ويا للفضيحة! لقد تجاوزت حدودي، أو حدود المسموح به بالنسبة لأتباع الدين العالماني المتطرف الذي يدعونه: بالعالماني، ولكني لا أراه كذلك.

وفي الوقت الذي دعوا إلى نبذي وعدم التسامح معي بأي شكل، راحوا يدعون للتسامح مع "سلمان رشدي"! وهذا موقف نفساني شبه مرضي أو رد فعل عنيف تقفه الثقافة الفرنسية في كل مرة تجد نفسها في مواجهة أحد الأصوات المنحرفة لبعض أبناء مستعمراتها السابقة؛ إنها لا تحتمله، بل تتهمه بالعقوق ونكران الجميل.. فنلاحظ أن اكتساب الأجنبي للجنسية الفرنسية في فرنسا الجمهورية والعالمانية يلقي على كاهل المتجنس الجديد بواجبات ومسؤوليات ثقيلة، فالفرنسي ذو الأصل الأجنبي مطالب دائمًا بتقديم أمارات الولاء والطاعة والعرفان بالجميل، باختصار: إنه مشبوه باستمرار، وبخاصة إذا كان من أصل مسلم".

هذه هي الحقيقة المرة:

علمانيو الغرب.. عبيد الدرهم والدينار والبطن والفرج.

وأما رؤوس العالمانية.. في بلادنا فهم عبيد العبيد.

وأما أفراخ العالمانية.. فهم عبيد عبيد العبيد.

وإذا أردت أن تعرف هذا فانظر إلى استماتتهم في الرجوع إلى آراء فلاسفة الثورة الفرنسية التي ما هي إلا ترديد آراء فلاسفة اليونان، مع أنهم يتهمون الإسلاميين بالرجعية؛ لأنهم يرجعون إلى الشرع المنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!

فنحن نرجع إلى مرجعية إلهية، وهم يرجعون إلى مرجعية بشرية!

نحن نرجع خمسة عشر قرنًا، وهم يرجعون أضعاف أضعاف ذلك..!

نحن نعبد الله فلا نحكم في دمائنا وأعراضنا وأموالنا إلا الله، وهم يجعلون البشر حاكمين على أعراضهم وأموالهم ودمائهم بمحض أهوائهم!

نحن نتوكل على الله في حفظ دينه فإذا مات عالم لم نخش على الدين بعده؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات وحفظ الله الدين بعده؛ فكيف بمن بعده؟!

وإذا كان "محمد أركون" وغيره قد شقي في حياته بعبوديته للمستشرقين؛ فإن الأتباع يشقون بوفاة "أركون"، و"فؤاد زكريا"، وغيرهم..

يشقون أولاً حينما تخلو جنازات هؤلاء من أي مسلم "عادي" مِن عامة الشعوب الإسلامية تأكيدًا على العزلة التامة التي يعاني منها "التيار العالماني"، وجنازات هؤلاء جميعًا نسخ مكررة لا يكاد يحضرها إلا بعض أستاذتهم من الكفار، وبعض تلامذتهم من العالمانيين، وبعض المسئولين المضطرين للحضور، وتسجيل جنازات هؤلاء -ومنها: "جنازة أركون"- متاحة على الإنترنت.

ثم يشقون ثانيًا حينما يشعرون أن الجيل القادر على الإنتاج يتآكل واحدًا بعد واحد، وأن التيار العالماني رغم سيطرته على كثير من المراكز البحثية والثقافية غير قادر على إفراز أي رموز جديدة؛ بخلاف الدعوة الإسلامية التي تثمر كل يوم رموزًا جديدة -بفضل الله تبارك وتعالى-.

لقد حاكم العالماني المتطرف "شريف يونس" رفاقه في الدرب؛ فعراهم وبيَّن ضعفهم، أمام الظاهرة الإسلامية، ونقل دكتور "أحمد إبراهيم خضر" عنه هذه المحاكمة في مقاله: "محمد أركون وحصاد الصراع بين الإسلاميين والليبراليين"، كان مما جاء فيه قوله: "أدركت السلطة ذاتها كما يرى "يونس" ما يسميه هو نفسه بـ"هزال التنوير المعاصر"؛ فعمدت إلى استدعاء الموتى من كتاب التنويريين القدامى؛ لينوبوا عن التنويريين الأحياء في مواجهة الإسلاميين، فقامت بإعادة طبع كتب التنوير القديمة، لكنها حذفت منها هذه النصوص المثيرة للإسلاميين، مما يعني فقد قدرتها على المواجهة، بالرغم من أن هذه النصوص في حد ذاتها ذات طبيعة مراوغة تمثل مراوغة أصحابها ذاتهم -كما يرى يونس-.

والمعركة مع الإسلاميين في نظر "يونس" ليست معركة نصوص، وإنما هي معركة سياسية اجتماعية أيديولوجية حية؛ ولهذا فإن الإسلاميين لا يستمدون قوتهم من إعادة طبع الكتب القديمة ككتب "ابن كثير" -رحمه الله- مثلاً، وإنما من أعمال مفكرين إسلاميين أحياء يطرحون إجابات إسلامية لقضايا الواقع المعاصر، وفى إطار هذا الطرح تأتي استعادة أفكار "ابن كثير" وغيره".

ومِن أجل تلك الأزمة التي يعيشها التيار العالماني تسارع صُحُفُهُم وقنواتُهم إلى تمجيد كل رمز يموت من رموزه؛ عساهم أن يستطيعوا جعل وفاته فرصة لإحياء كتاباته، ولكن هيهات هيهات.. فقد ولى زمن صناعة الأصنام ببعض الألقاب أو الشهادات أو الفبركات الصحفية.

إن العالمانيين ورم سرطاني في جسم الأمة، إما أن تعالجه الأمة وإما أن يميتها، وكل الشواهد تدل على أن العالمانيين إلى زوال.. ما بين تائب عائد إلى الحق منضم إلى قافلة الإسلاميين، وهم كثر -بحمد الله تعالى-. وبيْن راحل عن الدنيا مخلفًا كتبًا لا يكاد يقرؤها أحد. وما بين منزوٍ في برج عاجي يموت في جلده حسرة قبل أن يأتيه الموت.

ونحن نحاول معهم عساهم أن تدركهم التوبة قبل أن يدركهم الموت.

نسأل الله أن يحسن خاتمتنا، وأن يمسكنا بالإسلام حتى نلقاه عليه، إنه على كل شيء قدير.

 


المصدر: موقع صوت السلف