همسة محب إلى الأستاذ خالد الشافعي

ملفات متنوعة

لو أن كل واحد منا ناله سهام النقد، وجلس في بيته حتى يريح ويستريح ـ كما كتبت ـ لما سلم لنا أحد من الأخيار الطيبين . ولوقفت الدعوة ولم تسير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفاضل المكرم / أبو مالك الشافعي



وفقه الله


فلقد قرأت مقالكم على جريدة المصريون ، والذي مفاده توقفكم عن الكتابة ,  وهالني ما قرأت ، بل وساءني ما اتخذت من قرار ، فما أعرفه عنكم من حسن النية ، وسلامة القصد ـ والله حسيبك ـ يجعلني أهمس في أذنك همسة محب ناصح ، وليس همسة عتاب .

الأستاذ الكريم /خالد
أنت لا يخفى عليك ما تمر به أمتنا ، ومصرنا على وجه الخصوص وما يكاد لها للنيل من إسلامها وهويتها المسلمة ، فهناك وسائل في غالبها تهدم، ومجتمع في بعض أفراده يهدم، ومدارس في بعض أفرادها تهدم، وشوارع تهدم، وأندية تهدم، وبناة قلة إذا قيسوا بهؤلاء الهادمين؛ لكن الحق يعلو والباطل يسفل، فهل يستقيم الظل والعود أعوج.

ولو أن كل واحد منا ناله سهام النقد، وجلس في بيته حتى يريح ويستريح ـ كما كتبت ـ لما سلم لنا أحد من الأخيار الطيبين . ولوقفت الدعوة ولم تسير .

وقولي بربك يا أستاذ خالد : أي من الناس لم يبتلى ، إما بعدو متربص ، أو بقريب حاسد ، أو محب عائن .

أستاذ خالد: لا تجعل سهام النقد تستوقفك ، وتثبطك في مسيرتك الدعوية ، فقلمك سيال وينبض بحس الشباب السلفي ، وأنت في مسيريك ستجد من يستوقفك سخرية ، أو يستوقفك تثبيطا ، أو يستوقفك حتى يفت في عضدك حتى تترك المقام ، وهي مقام الدعوة بالبيان . ولو كل واحد من الأخيار فعل مثل ما فعلت ، لأستنوق الجمل ، ونطق الرويبطة ، وعم الفساد العباد والبلاد .

وقديما قال الشاعر : ولو كان سهما واحد لاتقيته *** ولكنه سهمُ وثانٍ وثالثُ

يا شيخ خالد : النملة تلكم الحشرة الصغيرة تعمل وتجمع الحب في الصيف لتأكله في الشتاء، ينزل المطر فتخرجه من جحورها ومن مخازنها لتعرضه للشمس، ثم تعيده مرة أخرى، تحاول صعود الجدار فتسقط، ثم تحاول أخرى وتسقط، ثم تحاول مرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تصعد الجدار، أفيعجز أحدنا أن يكون ولو كهذه الحشرة يا أيها الأحبة؟ فعليك بالبذل والمثابرة في الدعوة ولا تعجز ، والله يسمع ويرى. ولا يهمك من يعوي ويثبط فالقافلة تسير دون الالتفات إلا من يعوي عليها .

فاسعى وابذل ولا تيأس ولا تقنط وأعمل وأدعو إلى الله ولا تستعجل النتائج، وأبذر الحب قطفت جنيه أم لم تقطف جنيه: فلا تيئس " إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ "[يوسف:87] " وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ "[الحجر:56].

لو تأملت -أخي الحبيب- قصة نوح عليه السلام، الذي طالما دعا بالليل والنهار، بالسر والإعلان، لم يزدهم دعاؤه إلا فراراً: "جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً "[نوح:7] والدعوة لمدة تسعمائة وخمسين عاماً، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، قيل: اثني عشر، وغاية ما قيل أنهم ثمانون، بمعنى أنه في كل خمس وثمانين سنة يؤمن واحداً أو في كل اثنتي عشرة سنة يؤمن واحداً، ولم ييئس صلوات الله وسلامه عليه وما كان له أن ييئس.

ها هو صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح يقول: {يأتي النبي ومعه الرجل، ويأتي النبي ومعه الرجلان، ويأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي وليس معه شيء } ولم ييئسوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

وأنا أكتب هذه الكلمات أستمع إلى محاضرة للدكتور محمد إسماعيل المقدم بعنوان [ خواطر حول الثورة ] أثنى على شخصكم الكريم ، وقلمكم المبارك .وأنت تدري من هو الدكتور محمد المقدم ـ حفظه الله ـ

وما جاءتك من رسائل نقد من شيوخ أفاضل تتهمك بالقصور في فهمك ، فأحسن الظن بهم ، واجعل كلامهم وأحمله على خير المحامل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً؛ ذلك الخلق الذي لا يتصف به حقاً إلا المؤمنون: "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذو حَظٍّ عَظِيمٍ "[فصلت:35].

الأستاذ المبارك / خالد

أسأل الله أن يديم عليك نعمه ، وأن يحفظ عليك أمنه . وأن يستعملنا جميعا لخدمة دينه .

محبكم

أبو حاتم : عبد الرحمن الطوخي


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام