أقسام التوحيد

الشيخ عبد العزيز بن باز

التوحيد هو موضوع عظيم هو أساس الملة وأساس جميع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم..



التوحيد هو موضوع عظيم هو أساس الملة وأساس جميع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم.

ولا ريب أنَّ هذا المقامَ جدير بالعناية، وإنما ضلَّ من ضلَّ وهلك من هلك بسبب إعراضه عن هذا الأصل وجهله به وعمله بخلافه، وكان المشركون قد جهلوا بهذا الأمرِ من توحيد العبادة الَّذي هو الأساس الَّذي بُعثت به الرسل وأُنزلت به الكتب وخُلق من أجله الثقلان (الجن، والإنس) وظنُّوا أنَّ ما هم عليه من الشِّرْكِ دين صالح وقربة يتقرَّبون بها إلى الله مع أنه أعظم الجرائم وأكبر الذنوب، وظنُّوا بجهلهم وإعراضهم وتقليدهم لآبائهم ومن قبلهم من الضَّالين أنَّه دينٌ وقربةٌ وحقٌّ، وأنكروا على الرُّسُلِ وقاتلوهم على هذا الأساس الباطل كما قال سبحانه: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف:30].

وقال جلَّ وعَلا: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18].

وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } [الزمر:3].


وأول من وقع في هذا البلاء واعتقد هذا الشِّرك قوم نوح عليه الصَّلاة والسَّلام فإنهم أوَّلُ الأممِ الواقعةِ في الشِّرْكِ، وقلدهم من بعدهم، وكان سبب ذلك الغلو في الصالحين وأنهم غلوا في ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان هؤلاء رجالًا صالحين فيهم، فماتوا في زمن متقارب، فأسفوا عليهم أسفًا عظيمًا، وحزنوا عليهم حزنًا شديدًا، فزَيَّنَ لهم الشيطان الغُلُوَّ فيهم وتصويرهم ونصب صورهم في مجالسهم، وقال لعلَّكم بهذا تسيرون على طريقتهم، وفي ذلك هلاكُهم وهلاك من بعدهم، فلما طال عليهم الأمر عبدوهم. وقال جماعة من السلف: فلما هلك أولئك وجاء من بعدهم عُبدت هذه الأصنام وأنزل الله جلَّ وعَلا فيهم قوله سبحانه: { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا . وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا . مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا } [نوح:23-25].

فالغلو في الصالحين من البشر وفي الملائكة والأنبياء والجن والأصنام هو أصل هذا البلاء، والله سبحانه وتعالى بين على أيدي الرسل أنَّ الواجبَ عبادتُه وحده سبحانه وأنَّه الإلهُ الحقُّ وأنَّه لا يجوز اتخاذ الوسائط بينه وبين عباده، بل يجب أنة يعبد وحده مباشرة من دون واسطة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب بذلك، وخلق الثقلين لذلك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].


وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } [البقرة:21]، وقال عزَّ وجلَّ: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء:23]، وقال سبحانه: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
وقال عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [النحل:36].


وهذا المقام - أعني التوحيد - دائمًا وأبدًا يحتاج إلى مزيد العناية بتوجيه الناس إلى دين الله تبارك وتعالى وتوحيده وإخلاص العبادة له تعالى، لأنَّ الشِّرْكَ أعظم الذنوب وقد وقع فيه أكثر الناس قديمًا وحديثًا، فالواجب بيانه للناس والتحذير منه في كل وقت وذلك بالدَّعْوَةِ إلى توحيدِ الله سبحانه والنهي عن الشرك وبيان أنواعه للناس حتى يحذروه، وقد قام خاتم الأنبياء محمَّد صلى الله عليه وسلم بذلك أكمل قيام في مكة والمدينة ومع هذا فقد مُلئت الدنيا من هذا الشرك بسبب علماء السوء ودعاة الضلالة وإعراض الأكثر عن دين الله وعدم تفقههم في الدين وعدم إقبالهم على الحق وحسن ظنهم بدعاة الباطل ودعاة الشرك إلا من رحم الله، كما قال الله سبحانه: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [سبأ:20]، وقال عزَّّ من قائل: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116].

فلهذا انتشر الشرك في الأمم بعد نوح في عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم شعيب وقوم لوط ومن بعدهم من سائر الأمم صاروا يقلّد بعضهم بعضًا يقولون: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } [الزخرف:22].
وإذا كان هذا البلاء قد عَمَّ وطَمَّ ولم يسلم منه إلا القليل، فالواجب على أهل العلم أنْ يُقدِّموه على غيره - أعني بيان التوحيد وضده - وأنْ تكونَ عنايتهم به أكثر من كل نوع من أنواع العلم، لأنَّه الأساس فإذا فسد هذا الأساس وخرب بالشرك بطل غيره من الأعمال، كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وقال سبحانه: { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [الزمر:65-66]. والصوم والحج وغير ذلك من العبادات لا تنفع.

وأقسام التوحيد ثلاثة، بالاستقراء والنظر والتأمل في الآيات والأحاديث وما كان عليه أهل الشرك اتضح أنها ثلاثة أقسام، اثنان أقر بهما المشركون، والثالث جحده المشركون، وقام النزاع بينهم وبين الرُّسُلِ في ذلك، والقتال والولاء والبراء والعداوة والبغضاء.


ومن تأمل القرآن الكريم والسيرة النبوية وأحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام وأحوال الأمم عرف ذلك، وقد زاد بعضهم قسمًا رابعًا سماه (توحيد المتابعة) يعني وجوب إتباع الرسول والتمسك بالشريعة، فليس هناك متبع آخر غير الرسول فهو الإمام الأعظم وهو المتبع، فلا يجوز الخروج عن شريعته فهي شريعة واحدة إمامها واحد وهو نبينا عليه الصلاة والسلام فليس لأحد الخروج عن شريعته، بل يجب على جميع الثقلين الجن والإنس أن يخضعوا لشريعته، وأن يسيروا على منهاجه في التوحيد، وفي جميع الأوامر والنواهي، هذا القسم الرابع معلوم، وهو داخل في قسم توحيد العبادة، لأن الرَّبَّ سبحانه أمر عباده بإتباعِ الكتابِ والسُّنَّةِ، وهذا هو توحيد المتابعة، وقد أجمع العلماء على وجوب إتباع الرَّسولِ والسير على منهاجه، وأنَّه لا يسع أحد الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة فإن الخضر نبي مستقل على الصحيح ليس تابعًا لموسى، وقد كان الأنبياء والرسل قبل محمَّد كثيرين كل له شريعة كما قال سبحانه: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا لكُلٍّ جعلنا منكم شِرْعةً ومنهاجاً } [المائدة:48].

أما هذه الأمة فليس لها إلا نبي واحد وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم، فالواجب على هذه الأمَّةِ من حين بعث الله نبيها محمّدًا صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا إلى يوم القيامة إتباع هذا النبي وحده والسير على شريعته المعلومة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد الخروج عن ذلك، ليس لأحد أنْ يقولَ أنا أتبع التوراة أو الإنجيل، فلانًا أو فلانًا، بل يجب على الجميع إتباع شريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم ومن زعم أنَّه يجوزُ لأحد الخروج عنها فهو كافرٌ ضالٌّ بإجماعِ المسلمين.


وقد علمنا مما سبق أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيدُ الرُّبوبيةِ، وتوحيدُ الألوهيةِ، وتوحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ.

فتوحيد الربوبية وهو الإيمان بأفعال الرَّبِّ سبحانه وأنَّه فعَّالٌ لما يريد، وأنَّه الخلاَّقُ الرَّزَّاقُ، وهذا القسم ما أنكره المشركون بل أقرُّوا به، وهو يستلزم توحيد العبادة ويلزمهم بذلك، فمن كان بهذه الصفة من كونه هو الخلاق، الرزاق، المحيي، المميت، ومدبر الأمور، ومصرف الأشياء وجب أن يعبد وأن يخضع له فإنَّه يقول سبحانه: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس:31].

والمعنى ما دمتم تعلمون أنَّ هذا الله أفلا تتقون الله في توحيده والإخلاصِ له، وترك الإشراك به، وهم مُقِرُّونَ بهذا يعلمون أنَّه ربُّهم وخالقُهم ورازقُهم، ولكنهم اعتقدوا أنَّ تقربهم إليه بعبادة الأوثان والأصنام أنَّه شيء يرضيه، كما قال الله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا} [يونس:18] هذا اعتقادهم الباطل: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:30].


والشياطين زيَّنت لهم السوء وزيَّنت عبادة الأصنام، والملائكة، والأنبياء، والأشجار، والأحجار وغير ذلك، فاحتج الله عليهم بما أقرُّوا به من توحيد الربوبية، والأسماء والصفات على ما أنكروه من توحيد العبادة، لأن يعبد ويطاع سبحانه وتعالى، وهكذا أسماؤه كلها دليل ظاهر على أنَّه هو المُستحِقُّ للعبادة، فهو الرحمن الرحيم، الرزاق العليم المدبر للأمور، مالك الملك، العالم بكل شيء والقادر على كل شيء، وهو الفعَّالُ لما يريد فمن كان بهذه المثابة وجب أنْ يعبد وحده دون سواه، وهذه الأسماء كلها دالة على معان عظيمة: الرحمن: يدل على الرحمة، العزيز: يدل على العزة، الرءوف: يدل على الرأفة، السميع: يدل على أنَّه يسمع دعوات عباده وكلامهم، والبصير: الَّذي يراهم وبشاهد أحوالهم، إلى غير ذلك، فهي أسماء عظيمة حسنى دالة علة معان عظيمة كلها حق، وكلها ثابتة لله سبحانه على وجه يليق به سبحانه، لا يشبه له فيها، ولا نظير، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [الإخلاص:4].


والصحابة رضوان الله عليهم وأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم مجمعون على إثبات الأسماء والصفات، وأنها حق ثابتة لله تعالى على وجه يليق به، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن الاستواء، والنزول، والسمع والبصر، والكلام وسائر الصفات كلها حق، وهكذا سائر الأسماء حق، ولهذا قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180].

أي اسألوه بها فهو يُدعى ويسأل بأسمائه: يا رحمن يا رحيم، يا عزيز يا غفور، اغفر لي، ارحمني، فرج كربتي، إلى غير ذلك، كما أنَّه يدعى أيضًا بتوحيدِه والإيمانِ به، كما قال تعالى: { رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [الأعراف:193].

وكما في الحديث: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بأنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، الأحَدُ الصمد، الَّذِي لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ » (الترمذي، وابن ماجة).

فهو يُسأل بتوحيده والإيمان به، واعتراف العبد بأنه ربه وإلهه ومعبوده الحق، وهكذا يُسأل بالأعمال الصالحات، ويتوسل إليه بها فهذا كله من أسباب الإجابة كما سأله أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة وهم قوم دخلوا غارًا للمبيت فيه والاتقاء من المطر، فأنزل الله تبارك وتعالى عليهم صخرة سدت الغار عليهم، فلم يستطيعوا رفعها، فقالوا فيما بينهم: «إنَّه لن يخلصَكم من هذه الصخرة إلا الله بسؤالكم الله بأعمالكم الصالحة»، فتوسل أحدهم ببره والديه، والآخر بعفته عن الزنا، والثالث بأدائه الأمانة، ففرج الله تبارك وتعالى عنهم الصخرة فخرجوا، كما صح بذلك الحديث عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا من آياته العظيمة سبحانه وتعالى ومن الدلائل على قدرته العظيمة، فهو يحب من عباده من يتوسل إليه بأسمائه وصفاته وأعمالهم الطيبة، أما التوسل بجاه فلان، أو بحق فلان، أو بذات فلان، فهذا بدعة.


ولهذا لما توفي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وكانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فيقولون يا رسول الله ادع الله لنا، ويدعو لهم صلى الله عليه وسلم كما وقع في أيام الجدب وكان على المنبر، فطلبوا أن يدعو الله لهم، فدعا الله تعالى لهم واستجاب الله تبارك وتعالى له، وفي بعض الأحيان كان يخرج إلى الصحراء فيصلي ركعتين ثم يخطب ويدعو، فلما توفي صلى الله عليه وسلم عدل عمر إلى عمِّه العباس، فقال: «اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»، فقام العباس ودعا فأمَّنوا على دعائه فسقاهم الله تبارك وتعالى، ولو كان التوسل بالذات أو الجاه مشروعًا لما عدل عمر والصحابة رضي الله عنهم إلى العباس، ولتوسل الصحابة بذاته، لأنَّ ذاتَه عظيمة عليه الصلاة والسلام حيًّا وميتًا.

والمقصود من هذا أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم صان هذا التوحيد وحماه، وبيَّن أنَّ الواجبَ على الأمَّةِ إخلاص العبادة لله وحده، وأن يتوجَّهوا إليه جل وعلا بقلوبهم وأعمالهم في عبادتهم، وألا يعبدوا معه سواه لا نبيًّا ولا ملكًا ولا جنِّيًّا ولا شمسًا ولا قمرًا ولا غير ذلك.


والله سبحانه وتعالى أوجب على عباده ذلك في كتابه الكريم، وعَلَّمَ الأمَّةَ ذلك أن يعبدوه وحده، ويتوجَّهوا إليه وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم أكمل ذلك وبلغ البلاغ المبين، وحَمَى حِمَى التوحيد، وحذر من وسائل الشرك، فوجب على الأمة أن تخلص لله تعالى العبادة، فالعبادة حَقٌّ لله وحده وليس لأحد فيها نصيب، كما قال الله سبحانه: { فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر:2-3]، وقال سبحانه: { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [غافر:14]، وقال سبحانه: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5]، وقال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» (البخاري، ومسلم)، متفق على صحته، وهذا أمر معلوم بالنصوص من الكتاب والسنة وبالضرورة، ولهذا يجب على علماء الحق أن يبذلوا وسعهم في تبين هذا الحق بالكتب والرسائل ووسائل الإعلام، والخطب والمواعظ، وبسائر الوسائل الممكنة، لأنَّه أعظم حق وأعظم واجب، ولأنَّه أصلُ الدين وأساسه كما تقدم، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


المصدر: موقع المختار الإسلامي