الحرب الظالمة على السلفيين

الأستاذ ممدوح إسماعيل

على كل مسلم في مصر أن يعي تلك الحرب وبالنسبة للسلفيين خاصة، وهو ليس بالحلم ولا الأماني أن يتركوا ما مضى من خلافات وعمل غير منظم وضعف -فرضه نظام القهر والظلم البائد- وأن ينتبهوا جيداً للواقع الجديد وللحرب المعلنة...


من حق كل صاحب حق أن يحارب من أجل حقه ولكن من اللافت في مصر الاسلامية أنه توجد حرب ظالمة بمعنى أن من يقود الحرب لايملك أى حق في حربه بل يحارب بالباطل أهل الحق وتزداد الإثارة في تلك الحرب عندما يشارك فيها أطراف عديدة ضد قطاع كبير من الشعب وهم السلفيون..

وبما أنني في أتون المعركة، أسجل للتاريخ ملاحظاتي لتك الحرب كما يفعل كل من على جبهة قتال..


أولاً: كان من المتوقع عند البعض ألا تندلع تلك الحرب مع ثورة 25 يناير وفتح أبواب الحرية للشعب كله، فهي حرب كانت تقودها أمن الدولة وروز اليوسف ومن تبعهما قبل الثورة، ولكن من يملكون الإعلام الآن ويتحكمون في الكثير من المشهد السياسي اتفقوا بينهم على حرب إقصاء وتشويه السلفيين، لعدة أسباب...

أ- بسبب شعورهم بقوة المد الإسلامي القادم بقوة في عهد الحرية وافتقادهم للتأييد الشعبي، فقد كان المشهد في ميدان التحرير يشهد بقوة الإسلاميين، ولأنهم لا يستطيعون محاربة الإسلام علانية خوفاً من الغضب الشعبي.

ب- وأيضاً لا يستطيعون محاربة الإخوان علانية لأن الإخوان استطاعوا أن يحتلوا مكاناً قوياً في المشهد السياسي والإعلامي والشعبي، فأصبحت الحرب ضدهم مفضوحة..

ج- فاختاروا هدفاً لا يملك قوة في المشهد السياسي، ولايملك أدوات إعلام مؤثرة شعبياً، واسمه غريب شئ ما على عموم الشعب، فاجتمعوا على توجيه الحرب له عسى أن ينجحوا في تحطيم المد الإسلامي.



ثانياً: استغل هؤلاء تخوف الإسلاميين من الظهور بقوة في الثورة وميدان التحرير خوفاً من التدخل الأجنبي، فقفزوا على كل مكاسب الثورة -التي لو لم يكن تواجد الإسلاميين فيها ما نجحت كأسباب- والله شهيد على ما أقول.


ثالثا: لذلك كانت بداية تلك الحرب بتعيين يحيى الجمل، المعادي للتيار الإسلامي في منصب نائب رئيس الوزراء، وهو قرار تعيين استراتيجي للوبي العلمانية المعادي للإسلام، ووضعت في يديه أخطر الملفات السياسية التي تحكم شكل وعمل النظام والمشهد السياسي، فلم يتوانى في تفعيل ذلك سواء بواسطته شخصياً أو بواسطة اللوبي الذي عينه وعاونه في الإعلام والسياسة، ولم يكن محاولاته في إقصاء المادة الثانية بعيدة عن ذلك، ولا تعيـيـناته الصحفية والإعلامية، ولا تصريحاته ولا كتاباته وتشريعاته القانونية..


رابعاً: يشهد على ذلك أن كلمات يحيى الجمل الصارخة في 14 مارس في برنامج مصر النهارده بتهكمه وإساءته للذات الإلهية، ومحاولة فتح ثقب عرفي للشعب في التقديس للحق سبحانه وتعالى، صاحبها كلمات شديدة الإقصائية ضد التيار الإسلامي -والسلفيين خصوصاً-، بل وتعدى إلى السب، لخلخلة أي جدار من الاحترام لهم..

ويلاحظ أنه منذ ذلك التاريخ وقبله بقليل ثم بعده انطلقت حرب إعلامية (صحفية وفضائية) منظمة ضد السلفيين خاصة، وهو يعني أن الجمل أعطاهم إشارة البدء، وافتقدت تلك الحرب لأي موضوعية أو مهنية أو صدق في أى معلومة، وتزامنت مع الاستفتاء وتجييش الناس للتعديلات وعدم الموافقة عليها مما استدعى أن يهب الشعب للرد بطريقة عفوية على تلك الحملة في الاستفتاء..


خامساً: استغل هؤلاء في حربهم حوادث تعتمد على أن أساسها الشرعي مخالف للشريعة مثل بناء الأضرحة، واستغلوا حادثة هدم ضريح لا يعرف فاعلها فأشعلوا ناراً كي تنضم إليهم الصوفية، بتعمد مخطط واضح لتجـيـيـش أكبر كمّ ضد السلفيين، وتعمدوا عدم مناقشة بناء الضريح مطلقا، لأنه في مناقشته العقلانية يتنافى مع العقلانية والليبرالية والحداثة وكل شعاراتهم، وتم التركيز على هدم الأضرحة وتشويه أضرحة الأولياء مع أنهم لا يعترفون لولي بمكانة ولكنها الحرب الظالمة، وكذلك تغاضوا عن أساس مشكلة قطع الأذن في الصعيد التي تفضحهم لأنها متعلقة بدعارة، وركزوا على الحدود لتشويه شريعة الإسلام!

ومن اللالفت أنهم حاربوا السلفيين في وقائع ملفقة، في الوقت الذي لم يذكروا النصارى بكلمة واحدة في حوادث حقيقية ضد الحرية مثل احتجاز الأسيرات في الكنائس وقتل المسلمات وأخرهم تلك الحادثة الرهيبة في كرداسة، خرست ألسنتهم عن قول كلمة واحدة ليفتضح موقفهم المعادي والمحارب للإسلام...


سادسا: استطاعوا في تلك الحرب -وللأسف- ضم شيخ الأزهر، الذي كان مفترضا فيه أن يقف مدافعاً عن الإسلام مبتعداً عن الوقوف في موقف يحسب على مكانته كقيادة دينية، ولكنهم نجحوا في ضمه ومعه المفتي الذي ثار للأضرحة ولم يـثـُر ضد أصنام الظلم التي ساعد في بنائها كحسني مبارك ومن معه بفتاويه، وامتدت حربه إلى التحريض في صحيفة الواشنطن بوست ضد السلفيين، خاصة وكان لافتاً أن المفتي في مقاله ذكر السلفيين بالاسم، خلافاً لما ذكر مستشاره الذي خرج في تصريحات ينفي ذلك كأنه لم يقرأ المقال المذكور فيه كلمة Salafis وهو مما يثير الحزن على الكذب العلني !


سابعاً: يلاحظ أن الحرب على السلفيين ليست مقصورة على مصر، بل في ثورة ليبيا وسوريا ومظاهرات الأردن والجزائر، وفي كل حركة تحرر للمسلمين تخرج كلمة السلفيين كأنها إنذار علماني للغرب أن انتبهوا منهم واحذروا، بعكس أن تلك الكلمة لم تخرج في مظاهرة البحرين، بل حتى حاولوا أن يمنعوا كلمة شيعة البحرين كأن كل من ليس على الحق له حق، وأهل الحق ليس لهم حق ...


الشاهد أن نتائج تلك الحرب الخبيثة المنظمة الكبيرة والمتشعبة هي سيطرتهم على المشهد السياسي والإعلامي الفوقي فقط، وأعتقد أنها مرحلة وكما يقال الحرب سجال، وبالنسبة لعموم الناس فقد استطاعت فقط حشد حالة تشويه حتى سألني قريب لي قائلاً بغضب: أنت من السلفيين ؟

ومع الحوار معه أيقنت أن الحرب وصلت فقط لتشويه الاسم، والحمد لله لم تصل لتشويه المضمون الإسلامي، وهي خطتهم المتدرجة التي تعمل على تشويه الاسم، وبالتالي أي كلام يخرج من السلفي يضعه في خانة عدم القبول..


لكن يبقى على كل مسلم في مصر أن يعي تلك الحرب وبالنسبة للسلفيين خاصة، وهو ليس بالحلم ولا الأماني أن يتركوا ما مضى من خلافات وعمل غير منظم وضعف -فرضه نظام القهر والظلم البائد- وأن ينتبهوا جيداً للواقع الجديد وللحرب المعلنة، وأن يتعاملوا معها بذكاء، وتوعية الأفراد بعدم الإقدام على أي عمل يستفيد منه أعداء الدعوة، ووجوب عمل استراتيجية عمل دعوي وإعلامي (وهو مهم لأنه أقوى سلاح لخصوم الدعوة، ومن هنا ينبغي السعي لصحافة إسلامية مقروئة وفضائيات متطورة إخبارياً وسياسياً)، وأيضاً عمل سياسي منظم، وهذا يستدعي توحيد الجهود والاستفادة من كل الإمكانيات المتفرقة، وحتمية التقرب من الشارع والشعب بتحرك فعّال بالنزول للناس وعدم انتظارهم، فالقادم أخطر ولم يعد للمسلمين عذر في العمل لدين الله بعد الحرية...


ممدوح إسماعيل - محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com

 


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام