ورحل (عبد الفتاح) وصاحباه..

الشيخ ياسر برهامي

كان قبل دقائق مِن الأجل في سيارة الأخ "حمدي" في طريقهم إلى "ليبيا" على رأس قافلة الإغاثة لحملة "أمة واحدة"، استأذن الأخ "حمدي" أن يركب مع صاحبيه السيارة الأخرى، أذِن له صاحبه، بعد عشر دقائق كان الأجل قد حان...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان قبل دقائق مِن الأجل في سيارة الأخ "حمدي" في طريقهم إلى "ليبيا" على رأس قافلة الإغاثة لحملة "أمة واحدة"، استأذن الأخ "حمدي" أن يركب مع صاحبيه السيارة الأخرى، أذِن له صاحبه، بعد عشر دقائق كان الأجل قد حان، انفجر إطار إحدى العجلات، انقلبت السيارة عدة مرات واشتعلت، أدركهم الإخوة خلفهم، وجدوا "محمد جلال"، و"أشرف"، بحثوا عن "عبد الفتاح": ليس هو داخل السيارة، اتصلوا به على أمل أن يكون في السيارة الأخرى.. لم يرد.


أتاهم مَن قال لهم: هناك جثة على بعد ثلاثين مترًا..

وجدوا "عبد الفتاح منجود" قد اختلط جثمانه بأرز الإغاثة..

رحل ابني "عبد الفتاح منجود"، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولد ليكون رجلاً، رجلاً للمواقف الصعبة والمهمات الشاقة، قلبه يشتعل حماسة؛ لنصرة الإسلام والمسلمين.


- أتذكره أيام حرب اليهود على غزة باذلاً كل جهد لجمع التبرعات، يأتيني مرات عديدة بما جمعه قبل الناس، وبعد أن انتهى الناس مِن التبرعات وبردت حماستهم ظلت همته العالية مستمرة، كان مِن مهمته تحويل العملات المعدنية مِن التبرعات، وما أكثرها وما أحسنها مِن دلالة على طبيعة المتبرعين! وأنها جهد من مقل، ما أعظمها بركة!، كان مهمته تحويلها إلى عملات ورقية؛ ليسهل نقلها.


- أتذكره يوم موت الأخ "سيد بلال" -رحمه الله، وتقبله في الشهداء- يتصل بي صباح ذلك اليوم بعد ساعات مِن مقتل الأخ "سيد" منهارًا باكيًا؛ لم أسمعه باكيًا كبكائه في هذا اليوم، يتصل بي ويقول: قتلوا أخًا تحت التعذيب، هو الأخ "سيد بلال" كان رفيقه الدائم في توصيل الزيارات للإخوة المسجونين ثم قبض عليه وتعرض لما تعرض له حتى قتل -رحمه الله-.


أتذكره بعد ذلك وهو حلقة الوصل بيننا وبين أسرة الأخ "سيد بلال" لمتابعة احتياجاتهم، وإرشادهم إلى أفضل ما يمكن لأرملته وابنه اليتيم -حفظهما الله-.

- أتذكره ساعيًا في تفريج كربات إخوانه، في توفير القروض الحسنة لمن يحتاج، في مساعدة مَن يحتاج لمساعدة في الزواج، في رعاية الأسر الفقيرة، لا يمتنع مِن أي مهمة، وفي أي وقت، مهما كانت الظروف، أتذكره وقد استدعوه في "مباحث أمن الدولة"؛ لمشاركته في وقفات الأخت "كاميليا شحاتة"، وتعرض لما تعرض له؛ ليدل على مَن يُنظـِّم الوقفات، وأبى أن يتكلم بشيء.


- أتذكره محبًّا للبذل والتضحية في سبيل الله، يحدث نفسه بالجهاد في سبيله، وأحسبه قد نال ما يريد فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ » (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَقَدْ غَزَا؛ وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ؛ فَقَدْ غَزَا » (رواه البخاري ومسلم). و"عبد الفتاح" وصاحباه لم يرجعوا إلى مسكنهم، وأرجو الله أن يكونوا في الجنة.


اللهم أجرنا في مصيبتنا، وأخلف لنا خيرًا منها، وتدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا على فراقكم: يا "عبد الفتاح"، ويا "أشرف"، ويا "محمد" لمحزونون، وعزاؤنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَهُوَ شَهِيدٌ» (رواه مسلم).



1-جماد ثاني-1432هـ
4-مايو-2011 م
 


المصدر: موقع صوت السلف

 
 
<