لمصلحة من هذا الخطاب التحريضي المتطرف؟

الشيخ محمد جلال القصاص

على العقلاء من النصارى أن لا يستعدوا الخارج، وأن يعلموا أن للخارج حسابات خاصة في مقدمتها التمكين لأوليائه. أو التأثير في رعايا الأقباط الموجودين عنده ويحولهم إلى شكل آخر لا ترتضيه الكنيسة وينقلب السحر على الساحر..



يحرص بعض المتطرفين من المنتسبين للكنيسة الأرثوذكسية المصرية على التحدث عن مصر وحال الأقباط في مصر، وبتتبع حديث هؤلاء نجد أنه يسير في اتجاهين:

الأول: إعطاء تصور مغلوط عن وضع النصارى في مصر، يقولون: تحرق كنائسهم، وتغتصب نساؤهم، ويقتلون، ويعذبون، بشكل جماعي، وبأسلحة متطورة، ومن الشعب ورجال الدولة ( الجيش والشرطة). يقولون لا يأمن النصراني في مصر على نفسه، ولذا هم قد شدوا رحالهم وتقاطروا يريدون الرحيل عن مصر إلى مكانٍ آمن.!!

والثاني: عن حال المسلمين، وكيف أنهم أميون، متعصبون، يسمعون خطبة الجمعة ثم يخرجون هائجين في الطرقات والشوارع، يبحثون عن النصارى ليقتلون رجالهم ويغتصبون نساءهم بشكل ٍ جماعي.!!
ويصورون حال المسلمين في التعامل مع النصارى على أنهم يظلمونهم غاية الظلم ، فلـ "كي يعيش النصراني بين المسلمين الآن عليه أن يدفع 75 % من دخله فيما يعرف بالجزية" هذا نص كلامهم، وإن حصلت خصومة بين نصراني ومسلم، كان الحكم للمسلم وإن كان متعدياً، يقولون: لأن هذه هي تعاليم القرآن الكريم.!!، وكذبوا.


المتحدث شخصية كنسية رسمية، ـ الأنبا دميان الأسقف العام لكنيسة الأقباط الأرثوذكس في ألمانيا، يتحدث للتلفزيون الألماني ـ، ويتحدث بشكلٍ رسمي وليس بشكل شخصي، إذ أنه يرتدي الزي الكنسي حال حديثه، ويجلس متأهباً أمام الكاميرا، ويؤكد على أنه يروي "الحقيقة" وليس حالات فردية.

وفضلاً عن أنها شخصية رسمية تتكلم بشكل رسمي، لتلفزيون رسمي، وبتركيزٍ شديد، فإن هذا الكلام يتكرر في أماكن أخرى بنصه تقريباً، يتكرر على ألسنة شخصيات أخرى تحمل رتباً كنسية عالية، وعلى سبيل المثال القمص "مرقص عزيز"، تحدث مراراً عن عمليات الاغتصاب والقتل الجماعي التي تحدث للنصارى في مصر، وعن تواطؤ الدولة عليهم، وعن أن "البلد بلدهم" ولا يشعرون فيها بالأمان!!

وآخرون من دونهم ينتمون للكنيسة بشكل رسمي ويقولون بمثل قولهم، في الداخل والخارج.


وربما تقول: أن هذا الخطاب خطابُ متطرفين.. خطابُ حالاتٍ شاذة لا نصغي إليه!!
ولا. ليس خطاب متطرفين، بل خطابُ رسميين، يتقلدون مناصباً رسمية، ويرتدون "زيَّ" الكنيسة الرسمي. فلا يمكن أن يكون أبداً خطاب متطرفين. بل خطاباً متطرفاً يخرج من رسميين.

وقد تقول: تصريح أو تصريحان جاء في ظروف خاصة محلية أو دولية!
ولا. ليس تصريحاً أو تصريحين بل سياق عام يمتد لسنواتٍ عديدة، ويتسلمه قوم من قوم، بالأمس البعيد أقباط المهجر، وكنا نقول متطرفين، ثم جاء زكريا بطرس، وكنا نقول: متعصب ، ثم جاء الرسميون أصحاب الرتب الكنسية العالية الهادئون الآمنون المطمئنون يتحدثون بذات الحديث، فهو سياق يتطور ويشتد.


وقد تقول: قول بعضهم يكذبه قولٌ آخرٌ لغيرهم من كهنة الكنيسة وقساوستها. فهو خطابٌ فردي.
ولا. لا يكذبونهم، ربما يكون هناك من يتحدث بلغة أقل حدَّة، ولكنه لا يكذب هذا الخطاب... بل لا يخرج عن مضمونه.
فللأسف لا يخرج من الكنيسة خطابٌ يوبخ هؤلاء ويكذب قولهم ويرده ... وهم من رعاياهم.مما يعطي قراءة واضحة جداً ـ وخاصة مع استحضار حالة الكاريزما العالية لقيادة الكنيسة والسيطرة القوية للكنيسة على رعاياها ـ أن هذا الخطاب مرضي عنه، أو خطابُ الكنيسة للخارج.

وإن القراءة التي لا يردها شيء هي أن نصارى مصر يستعدُون الخارج على الداخل، بالكذب الصريح المبالغ فيه. واستعداء الخارج ليس فقط حال القساوسة وإنما يظهر من عامتهم في الحوادث والملمات بشكل فردي أو جماعي، فقلوب النصارى مرتبطة بالخارج ، تنظر إليه وتعول عليه. وهل ينصرهم الخارج؟!


ما لا يفهمه النصارى أن "تفعيل الأقليات" لعبة تلعبها الدول الكبرى للضغط على دول العالم الثالث، فهم في إطار الضغط (وسيلة ضغط) وليسوا في إطار النصرة والمحبة، وخاصة أنهم يخالفون الخارج في العقيدة، وخاصة أن لأوليائهم من الخارج أولياء في الداخل، أعني الأرثوذكس أتباع الأنبا ماكسيموس، والبروتستانت، والكاثوليك، فلا يمكن للخارج أن يمكن للأرثوذكس الأقباط ـ على فرض أن الخارج سيمكن للنصارى على حساب المسلمين ـ على حساب الأرثوذكس الأمريكان ( ماكيسموس الأول)، والبرتستانت، والكاثوليك، فنصرة الغرب لن تأتي قبل تفتيت المنظومة القبطية الموجودة الآن، وهو أمر بدت تباشيره، فمن يتدبر حال أقباط المهجر، وحال غير قليل من المبرزين في النصرانية القبطية المصرية يعلم أنهم خارجون عن قواعدهم ( مرتدون أو مهرطقون)، وأنهم إلى البروتستانتية وغيرها من الملل النصرانية أقرب منهم للأرثوذكسية، وليس هذا قولي بل هو صريح قول أستاذ اللاهوت في الكنيسة القبطية سابقا الدكتور جورج حبيب بباوي ـ وله موقع خاص على الشبكة العنكبوتية باسم "موقع الدرسات القبطية والأرثوذكسية" لمن شاء أن يطالع محاضراته ومناقشاته ـ ومنتشر في تصريحات الأنبا بيشاوي.


وعلك تسأل: لِمَ يصغي الغرب لمثل هذه الأطروحات التي يظهر كذبها، بل ويروجها في وسائل إعلامه ؟!
لمثل هذه التصريحات، ولهؤلاء المتطرفين عدد من الاستعمالات:
منها: شرعنة الأطروحات الأقل تطرفاً، وقد شرحت هذا في مقالٍ سابق بعنوان " الطرح المتطرف والبعد الغائب".
ومنها: استعمال هؤلاء وسيلة للضغط على الداخل.
ومنها: استعمال هؤلاء ذريعة للتدخل في شئون الدولة، أو تقسيمها كما يتردد.
ومنها: استنزاف جهدنا في التصدي لهؤلاء.
ومنها: تقديم صورة مغلوطة عن الإسلام لعامة الناس في الغرب، إن لم يصدقوها صدقوا الأقل منها تطرفاً. وكله متطرف.

على العقلاء من النصارى أن لا يستعدوا الخارج، وأن يعلموا أن للخارج حسابات خاصة في مقدمتها التمكين لأوليائه. أو التأثير في رعايا الأقباط الموجودين عنده ويحولهم إلى شكل آخر لا ترتضيه الكنيسة وينقلب السحر على الساحر، ونذكر هنا بضراوة المعارك الداخلية ـ الفكرية والعسكرية ـ بين أتباع النصرانية ـ، وبأن "جماعة الأمة القبطية" نشأت بداية للتصدي لخطر نصارى الخارج على نصارى الداخل.


وعلى العقلاء من المسلمين والنصارى أن يتحدثوا لهؤلاء بأن الكذب بلا أقدام، وأن هذا الخطاب المتطرف لن يغني عنهم شيئاً، فالناس لها عيون ترى، وآذانٌ تسمع، وعقول تفهم، وسينقلبون عليهم.وإن لكم في زكريا بطرس لعبرة. فقد قام في الغرب يحدثهم بأن مليونَ مصري تنصر ( هذا قبل عشرة أعوام تقريباً، ولقاؤه التلفزيوني منشور على الشبكة) وأن خمسة عشر مليوناً يكتمون كفرهم، وعما قريب سيجاهرون بتنصرهم، وأنه على أبواب أمة محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناطقة بالعربية حتى يكفروا. وكادوا أن يكفروا!!.
ثم ماذا؟!

علمت "جويس ماير" بالحقيقة ، وأنه كذاب، فركلته، وتركته خائفاً مزعوراً يتخفى في طرقات ضيقة مظلمة منحدرة .
فلا تكذبوا يا "قومنا"، حتى لا تستعدوا كلَّ الداخل، ولا تحسبوا أن الكذب سيأتيكم بخيرٍ من الخارج.


محمد جلال القصاص
‏03‏/06‏/2011 م

 


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام