نصرانية منصفة: صدقوني ليس السلفيون والإخوان هم الخطر الحقيقي

ملفات متنوعة

لا أنكر عليكم دهشتي مما اكتشفته لأني كنت أرفض كغيري من الأقباط فكرة أن السلفيين أبرياء لكنني انتقلت للسؤال التالي: إذن ما الرابط المشترك بين كل تلك الأحداث التي بدأت أتأكد أنه يقف وراءها فاعل خفي واحد هل عرفتم من هو؟


تذكرت شيئًا مهمًّا وسؤلاً أهم حينما قرأت مقال الأستاذ خالد صلاح "ثورة الثانوية العامة"، وتوقفت تحديدًا عند الفقرة التي لخص فيها مشكلتنا "نجاح الثورة الحقيقي هو في التغيير الشامل لمناهج التعليم وطرق التقويم التربوي، مصر تريد مناهج جديدة، تشجع على الاختلاف في الرأي، وتفتح القلوب والصدور والضمائر لاحترام الرأي الآخر"، فأنا قبطية وأدعو جميع إخوتي الأقباط لقراءة هذا المقال بدون انفعال أو إصدار أحكام مسبقة، هل مازلتم تتصورون، بحكم الثقافة السائدة الآن أن الإخوان المسلمين والسلفيين هم الخطر الحقيقي عليكم وعلى مصر؟ أنا مثلكم أعيش الهواجس التي خلفتها حالة الانفلات الأمني وانعدام الشعور بالأمان في هذه الفترة التي أعقبت ثورة يناير كلما سمعنا عن حادث طائفي هنا أو هناك تزوغ أعيننا ونرتجف خوفًا من شبح السلفيين أو الإخوان وسرعان ما تستريح ضمائرنا لشعورنا بأنا ضحايا تلك الفئة التي نصفها بـ"المتعصبة" أنا لست في موضع الدفاع عن أحد ولا تبرئة أحد من أخطائه ولا أدعي معرفتي المتعمقة بالسلفيين لكنني قرأت بعض المعلومات عن معتقداتهم وأفكارهم، فكلمة سلفية تعبر عن تيار إسلامي عريض يشمل الكثير من الحركات الإسلامية والمفكرين الإسلاميين يدعون فيه إلى العودة إلى نهج السلف الصالح كما يرونه والتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من الأحاديث الصحيحة دون الرجوع للكتب المذهبية ومنهج السلفية النصية يعتمد على النص الصحيح من الكتاب والسنة هو مصدر العقيدة، لكن ضمن هذا التيار توجد تنويعات كثيرة لتفسير وتطبيق السلفية، فمنهم من يحاول استمداد روح فهم الشريعة من السلف الصالح ومنهم من يطالب بالتطبيق الحرفي لآراء السلف، لكن المنهجية التي ينظر بها إلى الإقتداء بالسلف تختلف اختلافًا كبيرًا بين العلماء و المدارس التي تصف نفسها بأنها سلفية، فمع أن المصطلح ظهر أساسًا في وصف بعض العلماء المجددين في الإسلام الذين أرادوا تحرير الشعوب من كوارث التعصب المذهبي الذي كان شائعًا في أيام الدولة العثمانية، هذه الشخصيات لا ترفض الاجتهاد كمبدأ وتحاول إتباع منهج السلف في العقائد غالبًا أما الفقه فتعتقد أنه يجب أن يخضع دومًا لعملية تجديد ليناسب العصر ومن هنا كانوا من أهم من ركز على فكرة مقاصد الشريعة وإعادة إحياء البحوث الشرعية فيها.


هؤلاء العلماء ورجال الدين يمكن أن نسميهم بالسلفية الاجتهادية إلا أن هذا المصطلح سرعان ما انتشر لاحقًا لوصف الملتزمين بالنص الشرعي (قرآنًا وسنة) مع رفض لكل قياس أو اجتهاد و التزام بنهج السلف في رفض أي بدعة وتمثل هذه المدرسة أساسًا أتباع وتلاميذ محمد بن عبد الوهاب وقد أثرت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية على سائر الحركات الإصلاحية التي ظهرت في العالم الإسلامي في مواجهة المستعمر الغربي، والذي بات يشكل تهديدًا حقيقيًّا وخطرًا في بلاد الإسلام، ومن ثم ازدهرت الدعوة إلى العودة للأصول التي قامت عليها الحضارة الإسلامية من خلال الدعوة إلى نبذ البدع والخرافات التي أدت إلى حالة الجمود والتخلف، وتأثر بهذه الدعوة طائفة من الدعاة الإصلاحيين وأخذوا ببعض مبادئها، وإن ظلت العديد من معتقداتهم وآرائهم السياسية والدينية مخالفة للمنهج السلفي التقليدي المعروف، ومن أبرز هؤلاء الدعاة الشيخ حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين.

هذه نبذة بسيطة عن هذه الجماعات ولكن أدعوكم لقراءة المزيد عن مبادئها لتعرفوا أنه لم يكن ضمن مبادئ حركتهم الدعوة للقضاء على المسيحيين كما نتصور، وعمومًا أرى أن كل جماعة أو فرد له مطلق الحرية فيما يعتقد ويؤمن طالما لم يجبر غيره على اعتناق تلك المعتقدات، وتابعت جيدًا ما حدث في كنيسة القديسين بالإسكندرية وبعدها منشية ناصر وأطفيح وإمبابة، وأخيرًا ما حدث لمذيعة قناة "سي.تي.في" مريان عبده بميدان التحرير خلال جمعة العودة للعمل، كما أطلقوا عليها، وما تعرضت له من اعتداءات من الغوغاء ولن أقول الثوار، لأنهم أبعد ما يكون عن روح الثورة والثوار الذين سفكوا دماءهم ليمنحوا الوطن حريته، تلك الأحداث الدامية التي أدمت قلوبنا جميعًا دفعتني في ثورة غضبي إلى أن أعلق كل شيء كغيري على شماعة السلفيين ولكن حينما هدأت ونظرت للأمور نظرة عقلانية وجدت أمورًا كثيرة يرفضها المنطق وأول سؤال سألته عندما سمعت بقصة مريان: هل السلفيون أو الإخوان كانوا هناك؟ هل هم الذين اعتدوا على مريان؟ وبحثت في الإنترنت عن صور للحادث لعل أجد فيها إجابة شافية عن الفاعل هذه المرة ففوجئت بأن كل المحيطين بالسيدة مريان بدون لحى ولا جلابيب بيضاء وهو المظهر المعتاد للسلفيين وجدتهم أشخاصًا عاديين مثلي ومثلكم منهم المتعلم وغير المتعلم وحتى الشباب "الروش" كان ضمن المعتدين.


لا أنكر عليكم دهشتي مما اكتشفته لأني كنت أرفض كغيري من الأقباط فكرة أن السلفيين أبرياء لكنني انتقلت للسؤال التالي: إذن ما الرابط المشترك بين كل تلك الأحداث التي بدأت أتأكد أنه يقف وراءها فاعل خفي واحد هل عرفتم من هو؟
إنه الفساد الذي لم تقطع أذرعه حتى الآن والجهل الذي بذر بذوره فينا النظام السابق ولم ننجح حتى الآن في التخلص منه والتعصب الأعمى الذي حفر ملامحه بداخلنا نظام مبارك ليجعلنا نتصور أن كل جريمة طائفية هي صنعة أيادي الإخوان أو السلفيين حتى أنا كنت أؤمن بذلك ولكنني خالطت عن قرب أفرادًا من جماعة الإخوان المسلمين فهم زملاء لي في العمل منهم الزميل أحمد غانم وهاني صلاح الدين وعمرو محمد هل تصدقوني لو أقسمت لكم إني وجدت منهم حسنًا في المعاملة ورحابة في الصدر واستعدادًا لقبول الآخر لم أشهده من قبل للدرجة التي لم أتخيل فيها أنهم من تلك الجماعة "الشبح الذي نتصوره نحن الأقباط" كم أجد منهم سماحة تستحق أن أشيد بها، ولا ننسى أنه في أحداث إمبابة كان الشيخ محمد علي كبير شيوخ السلفيين بإمبابة الوسيط لتهدئة الأوضاع هناك، هل تعلمون أن السلفيين شكلوا لجانًا شعبية لحماية أقسام الشرطة بالإسكندرية أثناء أحداث البلطجة التي أعقبت الثورة، والصورة المرفقة بالمقال توضح ذلك؟ لذلك كله أؤكد أن الخطر ليس في الجماعات الدينية، صحيح أننا قمنا بثورة جريئة عظيمة وخلصنا البلد من مبارك وأعوانه لكننا لم ننجح حتى الآن في التخلص من أفكار وثقافة نظام مبارك التي بداخل كل واحد فينا تلك الثقافة التي ترعرعت على مدى أكثر من ثلاثين عامًا، أنا لا ألوم أحدًا ولا نفسي لأننا لم نجد من يلقنا ثقافة مختلفة فما ذنب المجرم أنه أصبح مجرمًا إذا كان تربى في بيئة الإجرام، حقًّا الإنسان ابن بيئته، لكن نستطيع أن نجاهد الآن لقتل مبارك الذي بداخلنا، وأنا في ذلك أناشد وزارة الثقافة والإعلام بالتعاون لعمل حملة تثقيفية تتضمن دورات تدريبية تنويرية وبرامج توعية تبصر المواطنين بضرورة التعرف على الآخر وحقيقته وتقبل الاختلاف، نحن نحتاج أن نتعلم من جديد وهذه هي الثورة المكملة لما لثورة الـ25 من يناير، صدقوني الخطر الحقيقي ليس في الإخوان أو السلفيين فهم في النهاية يعلنون عن أنفسهم بكل وضوح وصراحة ولا يحاولون إخفاء ذواتهم والاندساس بيننا، الخوف الحقيقي ممن لم يكشف عن نفسه حتى الآن ويلعب بنا من خلف الستار، والمشكلة الحقيقية أننا لا نعترف بوجود خلل في ثقافتنا لذلك لابد من الفهم أولا والنظر للأحداث بعقلانية حينما ننجح في ذلك سيكتمل نجاح الثورة.

السبت، 18 يونيو 2011 م
 


المصدر: إيمان النسايمي

<