صحة إسلام الصبية المميزة

الشيخ محمد بن شاكر الشريف

«لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ»



الإسلام الدين الحق الذي رضيه الله تعالى لعباده، وطلبه منهم وأنزل كتبه وبعث رسله وأيدهم بالمعجزات الباهرة لتكون عونًا للناس على تصديقهم، وقد بينت النصوص الشرعية أنّ الله تعالى أعدّ الجنان العريضة عرض السموات والأرض لمن آمن وعبد الله تعالى ووحده كما أعدّ النيران لمن كفر به ولم يؤمن بالرسل المرسلة إليهم، وقد يسّر الله سبل الدخول في هذا الدين الكامل فلم يشترط أية شروط للداخلين فيه المقبلين عليه حيث يدخله العالم والجاهل، والكاتب والأمي، ويدخله الكبير والصغير، والذكر والأنثى، ومن محبة الله تعالى لهداية الناس ودخولهم في السلم كافة فقد وعدهم بدخول الجنان وغفران الآثام مع الأمن والطمأنينة في الحياة وبعد الممات كما جعل لمن يقوم بدعوة الناس وهدايتهم إلى ربهم مثل ما للمهتدين من أجر وقد أخبر الرسول الأمين الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه»، وقال: « لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ» أي أن هداية شخص واحد خير لمن قام بذلك من ملكه للدنيا كلها، ونظرًا لمحبة الله الهدى للناس الذي ينقذهم به من الاصطلاء بالنيران ويدخلهم إلى الجنان فإن الشريعة لم تضع أية اشتراطات لدخول الإسلام فما على مريد الإسلام إلا أن ينطق شهادة الحق فيقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى يدخل الإسلام ويكون أخًا للمسلمين يتولاهم ويتولونه ويكونون أهله، ولا يشترط في ذلك بلوغ بعد أن يكون مميزًا، والمميز الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ويعرف ما يضره وما ينفعه، روى البخاري في صحيحه عن أنس -رضي الله عنه-، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فمرض، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: « أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: « الحمد لله الذي أنقذه من النار ».


فهذا غلام وقد عرض عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- الإسلام فدل ذلك على أن إسلام الغلام صحيح، ولو كان لا يصح منه إسلام لم يكن في عرض النبي عليه الإسلام فائدة، وهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أسلم وهو صبي مميز قد بلغ ثمان سنين أو تجاوزها بقليل، وفي هذا يقول -رضي الله تعالى- عنه:

سبقتكم إلى الاسلام طرا
صبيًا ما بلغت أوان حلم

وكذلك الزبير -رضي الله تعالى- عنه أسلم وهو صبي وإنما لا تصح تصرفات الصبي في المسائل التي تحتمل أن يكون مردودها حسنًا أو سيئًا على الصبي لاحتمال عدم تنبهه لما يترتب على تصرفه، فأما الأمور التي لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا في الخير أي تكون نفعًا محضًا كإسلام الصبي الكافر فإنها تصح منه لأنه لا ضرر عليه منها، بل هو سعادة أبدية ونجاة في العاقبة سرمدية فهي لذلك من أجل المنافع، فإسلام الصبي لا غرر فيه وهو بإسلامه قد أصاب الحق يقينًا لا ارتياب فيه، فلا وجه للحكم بعدم صحة إسلامه وقد قال بصحة إسلام الصبي المميز أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل وسائر أصحابه، وإسحاق وابن أبى شيبة وأبو أيوب، واختلف أصحاب مالك في إسلام الصبي المميز غير البالغ على ثلاثة أقوال أحدها: إن إسلامه يصح، والثاني: أنه لا يصح، والثالث: أنه موقوف، وعن الشافعي الأقوال الثلاثة، ومأخذ الذي منعوا من صحة إسلامه مأخذ غير قوي فإنهم احتجوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- « رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ» الحديث.

فهذا في إسقاط التكليف قبل البلوغ فرفع القلم يعني ترك المؤاخذة لكن ليس فيه ما يدل على عدم صحة صدور التصرفات التي تمخضت نفعًا، ومما يتعجب منه أن بعض من ينسبون إلى العلم أنهم يأخذون بالرواية -عند اختلاف الروايات- لا لقوة دليلها وإنما لتحقيق بعض المصالح أو خدمة بعض التوجهات، فقد وجدنا من هؤلاء من يجتمع مع بعض القساوسة ثم يعلن أمامهم وللملأ أن إسلام القاصرة -وهي التي لم تبلغ- لا يصح اعتمادًا على مذهب الشافعي -رحمه الله-، فيخرج النصارى من ذلك الاجتماع فرحين يثنون عليه، وذلك أن فتاتين من النصارى أحداهما تبلغ من العمر سبعة عشر عامًا والثانية تبلغ أربعة عشر عامًا أعلنتا الإسلام، والنصارى لا يرضون بإسلام بناتهم، فهل خرجت الفتوى لإرضائهم ولإضفاء مسحة شرعية على تسليم الفتاتين للكنيسة؟


وهنا تعليقات سريعة على هذا القول:

1- سن بلوغ الفتاة عند أهل الإسلام يبدأ من التاسعة وبعضم يجعله خمسة عشر عامًا، وقد جاء في مجلة الأحكام العدلية "(مادة 986) مبدأ سن البلوغ في الرجل اثنتا عشرة سنة وفي المرأة تسع سنوات ومنتهاه في كليهما خمس عشرة سنة"، وسن البلوغ في القانون المصري ثمانية عشر عامًا وبهذا يمتنع تطبيق كلام الشافعية على القانون المصري وحينئذ لا يصلح الاحتجاج بكلام الشافعية في عدم اعتبار صحة إسلام الفتاتين.

2- هناك نساء نصرانيات تجاوزن سن البلوغ حسب القانون المصري بمراحل أعلن إسلامهن فاعتقلتهن الكنيسة في أديرتها وما زلن يقبعن في أقبيتها وبعضهن قد تجاوزت الخمس سنين وهن أسيرات وهذا أمر تأباه الشريعة وتأباه مذاهب الفقه كافة ومع ذلك لم نسمع كلمة واحدة ممن أطلق الفتوى السابقة يبين فيها حكم الشرع في أسر النصارى لأخوات مسلمات بالغات عاقلات بل قد تزوجن وأنجبن.

3- فرق الله تعالى بين حكم الرجال وبين حكم النساء اللاتي يسلمن فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}، فإن في ردهن تعريض لهن للفتنة عن دينهن إذ لا يطقن ما يطيق الرجال، لذا فالبنت المميزة أولى بالحكم بصحة إسلامها من الصبي المميز، فهل يراعي المفتون ذلك أم أنهم يسارعون في مرضاة من حاد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حيث لا يحفظون لكتاب الله ولا رسوله حرمة يعالنون بذلك مجاهرين غير مسرين.


لذا أقول إن إسلام الفتاتين صحيح وإن ردهن إلى ذويهن أو إلى الكنيسة فتنة لهن في دينهن يتحمل وزرها من أفتى بذلك.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزُ فيهِ أهلُ طاعتك ويذلُ فيهِ أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.


 


المصدر: مجلة البيان