تمثيل الأنبياء كفر وتمثيل الصحابة وغيرهم من سادات الأمة حرام

الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك

إن من فتن العصر التي هي مدد من ظلام الغرب: فتنةَ التمثيل، وهو تمثيل الإنسان والحيوان في الهيئات والحركات والأصوات، وهو عند الكفار من ضروب اللهو واللعب والسخرية...



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد؛ فإن من فتن العصر التي هي مدد من ظلام الغرب: فتنةَ التمثيل، وهو تمثيل الإنسان والحيوان في الهيئات والحركات والأصوات، وهو عند الكفار من ضروب اللهو واللعب والسخرية، كما أنه وسيلة لغرس أفكار وأخلاق، وتشويه أخلاق وأفكار، وترويج عادات، وتغيير عادات، وتعظيم من يعظمونه من الساقطين والساقطات، وأبطال الحروب التي انتصروا فيها، وذلك بتقمص أشخاصهم، والتسمي بأسمائهم، والظهور بهيئاتهم؛ لباسا ومركبا وحركة وصورة وصوتا، وذلك كله ضمن مسلسلات يقوم بحلقاتها عدد من الرجال والنساء، كلٌّ يقوم بالدور الذي يناسبه من القصة، وقد يكون المسلسل يحكي قصة واقعية، ويمثَّل فيه أشخاص معينون، وقد يحكي المسلسل قصة خيالية يمثَّل فيها أنواع من الناس على اختلاف طبقاتهم ومناصبهم وعاداتهم وحرفهم وعلاقات بعضهم ببعض، كل ذلك بالهيئات والحركات والأصوات المناسبة لحال الممثَّلين.

ومعلوم أن الكفار لا يقفون فيما يعملون ويشتهون عند حد إلا فيما يخرجون به على النظام، وليس لهم من شريعة الله ما يمنعهم من ارتكاب القبائح القولية والفعلية، وقد صار هذا الفن ـ كما يسمونه ـ أداة كبرى لكثير من الأغراض المادية والمعنوية، فهو وسيلة كسب ودعاية وشهرة وتجارة رائجة تجبى بها الملايين من جيوب الجمهور، ويقام لهذا الفن مؤسسات وشركات، وقد كان قديما في بداياته يعرض داخل الصالات، ثم في دور السينما، ثم صار أهم مادة للتلفزة، فطفحت به القنوات.

ومعلوم أن من أهم ما يُقصد لشد أنظار جماهير المشاهدين: المرأة، فكان وجودها عنصرا أساسيا في هذه المسلسلات.

وقد كان السبب الأول لدخول التمثيل فنا وحرفة للبلاد العربية والإسلامية على أيدي النصارى المحتلين لأكثر بلدان المسلمين، وذلك بفتح دور العرض السينمائي، ونشرها، واختيار الأفلام المثيرة الجنسية وغيرها، والمشتملة على تصوير حياة الغرب أنها الحياة الراقية والمتقدمة، وتشويه صورة حياة المسلمين، فتقبل كثير من جهلة المسلمين وفساقهم هذا الفساد، وأعان عليه من في البلاد الإسلامية من نصارى العرب وغيرهم.

ثم تطور أمر التمثيل فنشأ في الأمة من يدعو إلى أسلمة التمثيل، وذلك بتمثيل الشخصيات الإسلامية التاريخية من خلفاء وأمراء ووزراء وقادة وعلماء، وتمثيل أحوالهم، وما جرى منهم وعليهم من حوادث التاريخ، سلما وحربا، وقد تحقق لهم ذلك، فصدرت أفلام في سير الخلفاء الراشدين وملوك المسلمين، وعن شخصيات شهيرة من العلماء الربانيين.

وتختلف أغراض المصدِّرين لتلك الأفلام والمسلسلات، فإما الإشادة وإبراز المحاسن ـ زعموا ـ إن كانوا من الموالين، وإما الطعن وإظهار المساوئ إن كانوا من المعادين، ويعولون في ذلك على ما كتب في التاريخ، وفي التاريخ ما هو كذب، وما زيد فيه ونقص، وغير عن حقيقته.

والغالب أن الذين يقومون بكتابة هذه المسلسلات وإخراجها وتمثيلها ليسوا ممن يتحرون الصدق، ولا التحقيق في المرويات، بل هم من أهل الأهواء الذين من أهم أغراضهم غرسَ مذاهبهم وترويجَها في الأمة.

ومع ذلك فإن هذه الأفلام والمسلسلات الإسلامية ـ كما تسمى ـ لا تنفك عن الأغراض العامة من اللهو والتأثير على المشاهدين أيَّ تأثير، والكسب المادي، مع ما يدخل فيها من منكرات قولية أو فعلية، بشبهات التأويل والتسهيل بالترخصات.

وما يدعيه دعاة التمثيل الإسلامي من ضوابط، غايتها أن تخفف من المحاذير التي يذكرها المانعون، وكم من باب من مداخل الشر فُتح بحجة وضع ضوابط وشروط، ثم كان ذلك سببا في فتح هذا الباب واقتحامه دون وفاء بتلك الضوابط حينا، بل ولا اعتبار لها أحيانا، فما تلك الضوابط إلا شبهاتٌ للتسويغ، ودفعٌ لحجة المانعين!

وبسبب ذلك صار حكم التمثيل قضية فقهية تتجاذب فيها أنظار الفقهاء بين التحريم مطلقا، والتفصيل.

ومن مسائل التفصيل تمثيل الصحابة رضي الله عنهم، وهي التي نقصد إليها في هذا المقام؛ فقد أجمع أهل الفتوى في هذا العصر ـ إلا من شذ ـ على تحريم تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم، فضلا عن الأنبياء، وكل ما يذكره المسوغون لتمثيل الصحابة يلزمهم أن يقولوه في الأنبياء، مع إضافة ضوابط أخرى.

وكل ما يذكرونه من مصالح تمثيل الصحابة يتحقق بذكر أخبارهم على ما جرت به العادة في سياق الأخبار، وإذا دعت الحاجة إلى مزيد الإيضاح كان ذلك بتمثيل الفعل لا بتمثيل الفاعل، والعادة أن ذلك يكون قليلا، مثل ما تكفي فيه الإشارة باليد.

وأما ما ذكروه من تمثل الملائكة لإبراهيم ولوط ومريم، وتمثل جبريل بصورة دحية، أو رجل غريب وكما في حديث الثلاثة؛ الأبرص والأقرع والأعمى، وتمثل الملك لهم؛ فكل ذلك مختص بالملائكة لا يقاس عليه؛ لأنهم غير متعبدين بشريعتنا، وهم يفعلونه بإذن الله، وقد جعل الله لهم القدرة على ذلك.

وبعد؛ فإذا ضربنا صفحا عن حجج المانعين لتمثيل الصحابة، وما ذكروه من المفاسد، وأعرضنا عن شبهات المجوزين؛ فإنه يبقى أن تمثيل الصحابة افتيات عليهم، وعدوان على حقهم، والواقع شاهد بأنهم لا يرضون بتمثيلهم، وتقمص شخصياتهم.

فنقول للمجوزين: أفترضون أن تمثل أشخاصكم بهيئاتكم، وتمثل حركاتكم، وأصواتكم؟! بدهي أنكم لا ترضون ذلك، لما ترونه من الكذب عليكم، والإزراء بكم، واتخاذكم لهوا ولعبا، ولهذا؛ فإن العقلاء والعظماء لا يرضون بتمثيلهم.

ومن هذا المنطلق نقول بتحريم تمثيل الصحابة، بل والتابعين، وسائر علماء المسلمين، مع اعتبار تفاوت منازلهم، مما يقتضي التفاوت في تحريم تمثيلهم.

والمتدبر لموضوع تمثيل الصحابة بتجرد يقطع بأن مفاسده ترجح على ما يُدعى فيه من المصالح، وهذا من مقتضِيات التحريم في الشريعة، بل هذا شأن أغلب المحرمات، والمترخصون في تمثيل الصحابة؛ إما أن يقولوا: إنه جائز فقط، فيجروا الناس، ويجرئونهم على باب من المشتبهات على الأقل؛ لأنه ـ واللهِ ـ ليس من الحلال البين، فيكون بابه على الأقل من باب سد الذرائع.

وإن زعموا أن تمثيل الصحابة مستحب؛ فقد تضمن قولهم أنه من الدين، وهو محدث، فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

ومن قال: الأصل في تمثيل الصحابة الإباحة، فلم يراع اعتبار رضاهم، مع القطع بأنهم لا يرضون ذلك، كما هو شأن سائر العقلاء؛ لما في التمثيل من السخرية والإزراء، قُصد ذلك أو لم يُقصد. بل نقول: الأصل في تمثيل الصحابة التحريم؛ للزوم المفاسد العامة والخاصة له، فلا ينفك عنها، وما يدعى من المصالح لا تدانيها.

وكل ما يذكر في تمثيل الصحابة من المصالح والمفاسد يقال مثله في تمثيل علماء الأمة وخيارها، فيجب تجويز الجميع، أو تحريم الجميع، وإذا كان الجميع مطبقين على تحريم تمثيل الأنبياء؛ لعلو قدرهم، وهيبة مقامهم، ومنافاة تمثيلهم لذلك، فهذا يقتضي أن تمثيل الأنبياء كفر، لأنه يتضمن الاستهزاء بهم، وقد قال تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}، ومن أطلق تحريم تمثيل الأنبياء، واقتصر على ذلك فقد أجمل، ولم يحرر حكمه، فيجب التنبه لذلك.

ولهذا كان من مقاصد الكفار وأعمالهم التي يرفضها جميع المسلمين إصدار أفلام عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لما يعلم الجميع ـ المسلمون والكفار ـ ما في تمثيله عليه الصلاة والسلام من الإزراء والتنقص، واتخاذ سيرته وشخصه لهوا ولعبا.

وفي ضوء ما تقدم نقرر: أن ما أعلن في بداية شهر رمضان لهذا العام 1432هـ من إصدار مسلسل عن الحسن والحسين ومعاوية رضي الله عنهم، وعرض إحدى القنوات الفضائية له أن ذلك حرام، يشترك في إثمه كل من له أثر في صناعة المسلسل وترويجه؛ من كاتب ومخرج وممثل ومموِّل وناشر، وأولى منهم بالإثم صاحب فكرة المسلسل، وهكذا من يقره وهو قادر على منعه، فعلى الجميع أن يتقوا الله، ويتوبوا إليه.

وقد ذكر تقرير عن الخمس الحلقات الأولى من هذا المسلسل نشر في الشبكة أنه مُثِّل في المسلسل بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم بصورة لا تليق ببناته وأهل بيته عليه الصلاة والسلام، ومُثِّلت فيه زوجة الحسين رضي الله عنه، فلم يخل المسلسل من عنصر المرأة، فيحسن الرجوع إلى هذا التقرير، للوقوف على مساوئ هذا المسلسل.

وبعد؛ فهناك معنى ينبغي التنبه له، وهو أن صناعة المسلمين لهذه المسلسلات والأفلام مما يهواه الكفار، ويعجبون بعناية المسلمين به، وهم لا يحبون الخير للمسلمين، قال تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.



أملاه
عبد الرحمن بن ناصر البراك
15/9/1432هـ