الأولويات ... قبل الرياضة في مدارس البنات!

ضحكت كثيرا من براءة الصغيرات في فناء إحدى المدارس , وهن يتخاصمن على أدوارهن , و يتزاحمن حول برادة ماء في صيف حار بعد أن تسابقن وجرين فلهثن عطشا ..



ضحكت كثيرا من براءة الصغيرات في فناء إحدى المدارس , وهن يتخاصمن على أدوارهن , و يتزاحمن حول برادة ماء في صيف حار بعد أن تسابقن وجرين فلهثن عطشا .

و حينما قررت أن أذوق الماء الذي تخاصمن لأجله سرعان ما انقلبت ضحكتي عبرة !!

إذ كانت تلك البرادة خضراء الغاية كما هي خضراء الصفاية !!

فسكبت على يدي منها ففاحت رائحة المواسير فأغنتني عن تذوق ما جرى بينها !!

وحينها رثيت لحالهن ، وقلت في نفسي صدق من قال : فما حيلة المضطر إلا ركوبها ..!

إذ ليس كل من عطش ملك ريالا ليشتري ماء !

وليس كل من ملك ريالا أول اليوم قد يكون في جيبه وقت العطش آخر اليوم!

وحينها تساءلت أين فقه الأولويات عند وزارة التربية والتعليم حين أقرت الرياضة في مدارس البنات ابتداء من العام المقبل ؟!

فبعيدا عن الملاحظات الشرعية على هذا القرار اسمحوا لي أن أسأل العقلاء:

هل استوعبت مدارسنا عطش الأكباد حتى تستجيب لداع الحفاظ على الرشاقة والقوام المتناسق؟!

و لمصلحة من يسن مثل هذا القرار؟!

أليس إقرار مادة الصحة الغذائية وتشكيل لجان لمتابعة المقاصف وبيع الفاكهة والحليب والشطائر الطازجة ـ بدلا عن مبيعات محسوبة لصالح شركات احتكارية استحوذت على مقاصف التعليم العام لتبيع لأولادنا ساندوتشات كاكو المصبرة ، و شراب النكهات والسكر!!ـ أولى من إقرار الرياضة التي سنعالج بها السمنة ؟!!

لأن المثل يقول:

المعدة بيت الداء و الحمية رأس كل دواء.

ومن منظور اجتماعي فإن ضرورة إعداد البنات لبيوت المستقبل نفسياً و مهارياً قبل أن يدخلنه بسنين مهمة جسيمة لأنه ليس لكل فتاة أم ، كما أنه ليست كل أمٍ أماً

فكيف تُقر وزارة التربية والتعليم حصص الرياضة في مدارس البنات بينما لم تقدم لهن دروس التربية النسوية إلا مرة واحدة في الأسبوع و بهيئة يستحيل أن تؤتي معها ثماراً كانت من أهداف دراسة المادة !!.

لأن من يحشر أربعين طالبة وربما أكثر في آخر اليوم و بقاعة واحدة ليتحلقن على فرن واحد أو ماكينة خياطة واحدة!!

يخرجهن في نهاية الفصل الدراسي من حصة التفصيل بقطعة صغيرة مردها صندوق التبرعات إن لم تكن سلة المهملات !!

ومن حصة التدبير بطبق تعرف اسمه ولا تعرف كنهه !!

فتكون النتيجة دخول كثير من الفتيات بيت المستقبل تنقصهن أبسط المهارات فيتعلمن فيه بالحظ أو بالبركة كما يقال !

وربما عادت بعضهن من حيث أتت إذ لم تمهلها التجارب لتوافق حظا أو بركة !

وحينها نعلم كم هو مقدار الجرم الذي حملته وزارة التربية والتعليم حين تخلت عن تربية الفتاة قبل تأهيلها للزواج و تعليمها مهمات البيت ومسؤولياته , فقد أغرقتها بحشو من العلوم التي تفارق ذهنها بمفارقتها كتابها ، وشاركتها في هذه الجريمة وزارة الإعلام بقنواتها المتعددة يوم صورت للفتاة بأن الزواج هو ببساطة نهاية سعيدة لقصة حبٍ جميلةٍ تسبح فيها بالهيام والغرام لينتهي المسلسل عند هذا الحد !!

أو حين تصوره بشبح المسؤوليات المتكاثرة التي لا حل لها إلا الهروب منه لبناء علاقة خالية من كل التبعات !!



إن عظم خطيئة الوزارتين يزداد وضوحا عند اطلاعنا على تقرير أعدته وزارة التخطيط السعودية لعام 1432 هـ ذكرت فيه أن نسبة الطلاق قد ارتفعت في مجتمعنا كثيرا , حيث سبق وأن سجلت المحاكم الشرعية في عام واحد 70 ألف عقد زواج و13 ألف صك طلاق !

و أن حالة طلاق واحدة تحدث كل 40 دقيقة، بمعدل 33 حالة طلاق في اليوم الواحد !! .

هذه الانهيارات الأسرية اشترك فيها وزارتان اثنتان , أولاهما وزارة التربية والتعليم بمناهجها وخططها وقراراتها , لأنها تكفلت بمهمة تربية الجيل وتنشئته ، والأخرى وزارة الثقافة والإعلام لأنها أخذت على عاتقها رعاية ثقافته وصياغة فكره بما أوتيت من قنوات مسموعة ومرئية ومقروءة .

ومن عجائبهما ـ وما أكثرها ـ تقديم الثانويات على الأساسيات , فالرياضة التي لم يمانع أحدا في مشروعية ممارستها بالبيت نالت قضيتها منهما اهتماما بالغ القدر قبل أن يفرض القرار, وحظيت بطرح متواصل شاركت فيه وزارة الإعلام بكل جدارة , ثم تشرفت بتطبيقه الفعلي وزارة التربية والتعليم , تاركين مئات القضايا الساخنة التي بحت أصوات المطالبين بها , يدلك هذا السيناريو على أن وراء الأكمة ما وراءها !!!

ولو سلمنا بحسن النية وسلامة المقصد فإن مالا يمكن تمريره هو آثار هذا القرار من الناحية السلوكية فإذا كان الإشراف الاجتماعي المدرسي يعاني من عناد بعض الطالبات وإصرارهن على تضييق المراييل قبل فرض الرياضة في مدارسهن ، فكيف سيكون الحال مع زِيّ الرياضة الذي لن يكون بكل الأحوال مريولاً أو تنورة !!

وإذا افترضنا بأن شرط اللباس في حصة الرياضة (أن يكون واسعا ساترا) فإن من الصعب ضبط تصرفات الناس اليومية لأن مما لا يُمارى فيه أن فرض القوانين أسهل من تطبيقها ومراقبة المقصر فيها.

وبالجملة فإذا كانت لدينا مشكلات سلوكية كالتعلق والعشق أو الاسترجال أو التفاخر بالممتلكات فإن لباس الرياضة بعد إقرارها في مدارس البنات سيذكيها وبلا شك .

وإن سكتنا اليوم عن هذا القرار وهو في بدايته فلا تستغربوا غدا أن تتعاون الوزارتان ـ بوضعهما الحالي ـ لينشئا مراقص في مدارس البنات لأن الرقص رياضة ممتازة كما يؤكد المختصون !

وحينها من يلوم العلماء ـ إن صدقت الكذبة ـ بأنهم عارضوا تعليم البنات !!



كتبته :

نورة بنت محمد الزيد

أكاديمية سعودية .

16/ 9/ 1432هـ


موقع نور الإسلام

 

<