حال الناس بعد شهر رمضان

مر بعض الصالحين على شباب يلعبون في يوم الفطر فقال: يا هؤلاء إن كان قد قبل منكم صومكم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان صومكم لم يقبل فما هذا فعل المحزونين..



الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا لمتابعة سيد الأنام، نحمده سبحانه أن بلغنا شهر الصيام، ونشكره على إكمال عدته ونسأله أن يتقبل منا الصيام والقيام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه العزيز: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهاشمي العدناني، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد:
فيا عباد الله، اشكروا الله على نعمه العظيمة التي من أجلها وأعظمها شهر رمضان الذي جعله الله موسمًا للرحمة والغفران والعتق من النيران، ففيه تضاعفت الأعمال أضعافًا تفوق العد والحسبان، واختموا شهر رمضان بالتوبة والاستغفار، ولا تبطلوا ما عملتم فيه من الحسنات بالغفلة والانهماك فيما لا يرضي مولاكم من القيل والقال والغيبة والنميمة التي تورث غضب الجبار، واعلموا أنكم في يوم عيد الفطر المبارك ويسمى يوم الجوائز حيث تقسم جوائز الغفران على الصائمين، ومن تقبل الله منه عمله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه طاهرًا مطهرًا من الذنوب والآثام، ومن رُدَّ فيه فقد خسر خسارة ما بعدها خسارة، ألا وإن المؤمن في هذا اليوم بين مخافتين، أجل قد مضى ما يدري ما الله قاض فيه، وأجل قد بقي ما يدري ما الله صانع فيه، فعليك يا أخي بملازمة الاستغفار ومتابعة الاجتهاد والأعمال الصالحة فلا تقل مضى شهر الصيام وقد صمته وقمته وسيكفر عني السنة ثم تترك الاجتهاد فإنك لا تدري أقُبِل منك صيامك وقيامك فكتبت فيه من المقبولين الذي يكفر عنهم رمضان ما تقدم من ذنوبهم، أم أنه لم يتقبل منك، وأن حظك فيه الجوع والظمأ والسهر والتعب.

مر بعض الصالحين على شباب يلعبون في يوم الفطر فقال: يا هؤلاء إن كان قد قبل منكم صومكم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان صومكم لم يقبل فما هذا فعل المحزونين، فوقع كلامه في قلوبهم وتركوا لهوهم.
ودخل رجل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم عيد فوجده يأكل خبزًا خشنًا فقال: يا أمير المؤمنين يوم العيد تأكل خبزًا خشنًا، فقال رضي الله عنه: اليوم عيد من قُبِل صومه وشكر سعيه وغُفِرَ ذنبه، ثم قال: اليوم لنا عيد وغدًا لنا عيد وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد.

واعلموا رحمكم الله أن العيد ليس بالمباهاة في الملابس والمراكب والمنازلة ولكن العيد لمن تقبل الله منه عمله.
رأى بعض الصالحين الناس في يوم عيد وعليهم العمائم والطيالسة فقالت: أما ترى ثوبًا يبلى وجسدًا يأكله الدود غدًا؟ هؤلاء قوم قد أنفقوا خزائنهم على ظهورهم وبطونهم يقدمون على ربهم مفاليس.
وقد كان بعض السلف يظهر عليه يوم العيد الحزن فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملًا فلا أدري أتقبله مني أم لا؟ فينبغي للمؤمن أن يجمع في هذا اليوم بين الخوف والرجاء فيكون خائفًا من عدم قبول صيامه وقيامه راجيًا من الله أن يتقبل منه صيامه وقيامه وأن يكثر الاستغفار والتوبة وذكر الله وتهليله وتسبيحه وأن يسأله الله أن يجعله من المقبولين.
كان السلف يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان فإذا بلغهم شهر رمضان وصاموه وقاموه سألوا الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.

واعلموا رحمكم الله أن من صام رمضان وهو يحدث نفسه أن يعود إلى المعاصي بعد شهر رمضان فصيامه عليه مردود، وباب التوبة عنه مسدود، ولا يكفر عنه رمضان لا صغيرة ولا كبيرة، لأن الأعمال بالنيات والله غني عن عباده وأعمالهم، وهم فقراء إليه والفقر ملازم لهم لا يفارقهم طرفة عين.

واعلموا رحمكم الله أن علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر» [1]؛ لأن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ست من شوال بستين يومًا فيكون العبد قد صام الدهر كله، جعلني الله وإياكم ممن حظه في هذا الشهر القبول والغفران والعتق من النار إنه جواد كريم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------------------
[1] رواه مسلم ح (1984).



الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن بن عبد العزيز الدهيشي

موقع الألوكة
 

<