العلماء الربانيون أمان للأمة

الشيخ محمد بن شاكر الشريف

العلماء الربانيون أمان للأمة:
المجتمع أي مجتمع ومنه المجتمع المسلم توجد فيه عدة قوى بعضها قوى خير وبعضها قوى شر، وكل قوة تحاول جذب المجتمع إليها، أما قوى الخير فإمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قوى الشر فقائدهم إبليس اللعين وهو يؤزهم أزا، والعلماء الربانيون الذين يعملون بالحق ويدعون إليه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويتحملون في سبيل ذلك ما يمكن أن يلاقوه، أمان للأمة كلها من اتباع طريق الشيطان، فالعلماء بتمسكهم بالحق والذود عنه أمام من يتنقصه يدفعون بمسلكهم الرشيد هذا عن الأمة الكثير والكثير من الفتن والمحن، وعندما يتخلى العلماء عن دورهم هذا أو يقصرون فيه تكون الأمة قد نكست على رؤوسها، ودفع إلى مصابرة المحن طبقات الخلق.

عندما يوجد عالم قوال بالحق لا يخاف في الله لومة لائم فإنه يخافه ويرهبه كل مخالف للحق، ولو كان هو السلطان الذي يمتلك العدة والعتاد، والجنود المعدة، لأن ما معه من الحق أقوى من جنود الباطل، وما اجترأ من اجترأ من الطغاة إلا لتقاعس من كان يجب عليه القيام بالحق، والدعوة إليه عن كلمة حق عند سلطان جائر.

قد حدث فيما مضى فتنة القول بخلق القرآن، فأراد الخليفة المأمون أن يدعو الناس إلى ذلك فما صده عنه إلا علمه بوجود عالم أَبِيُّ، هو (يزيد بن هارون) لن يقبل قوله ويرد عليه بدعته، فمنعه ذلك من الدعوة إلى ما كان يريد أن يدعو إليه، فموقف عالم واحد قد كف عن الأمة شر مستطير، فمعرفة الولاة بوجود العلماء الربانيين الذين لا يهابونهم، فيردون عليهم باطلهم وظلمهم يمنعهم من القيام بذلك.

روى الخطيب البغدادي بسنده، وكذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء عن يحيى بن أكثم قال: "قال لنا المأمون: لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت القرآن مخلوق، فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ومن يزيد حتى يكون يُتقى؟! فقال: ويحك إني لا أتقيه لأن له سلطانًا أو سلطنة، ولكن أخاف إن أظهرته فيرد علي، فيختلف الناس وتكون فتنة وأنا أكره الفتنة، فقال له الرجل: فأنا أخبر لك ذلك منه، فقال له: نعم. قال: فخرج إلى واسط فجاء إلى يزيد فدخل عليه المسجد وجلس إليه فقال له: يا أبا خالد إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك: إني أريد أن أظهر القرآن مخلوق، فقال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على مالا يعرفونه، فان كنت صادقا فاقعد إلى المجلس، فإذا اجتمع الناس فقل، قال: فلما أن كان من الغد اجتمع الناس فقام فقال: يا أبا خالد -رضي الله عنك- إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك: إني أردت أن أظهر القرآن مخلوق فما عندك في ذلك، قال: كذبت على أمير المؤمنين، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على مالا يعرفونه، وما لم يقل به أحد، قال: فقدم فقال: يا أمير المؤمنين كنت أنت أعلم، قال: كان من القصة كيت وكيت، فقال له: ويحك تَلعَّب بك" (تاريخ بغداد للخطيب: 14/342، وسير أعلام النبلاء: 9/ 362).

وهذه الواقعة تبين أن وجود العلماء الصادعين بالحق يكف عن الأمة شرورًا كثيرة.، فالمأمون امتنع من إظهار القول بخلق القرآن لوجود (يزيد بن هارون) ويزيد بن هارون لم يمنعه ما علمه من رغبة أمير المؤمنين من الجهر بالحق، بل احتال حتى يظهر إنكاره ذلك أمام مجمع عظيم من الناس، ولم يكتف بالإنكار في السر، فلو قام كثير من أهل العلم بواجبهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما آل حال الأمة إلى تلك الحال المزرية، التي تقدمت فيها علينا أمم الشرك والكفر.

فاللهم أصلح علماء المسلمين وأمراءهم، وأبرم للأمة أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، ويدعى فيه إلى تحكيم شريعتك، ويعمل فيه بكتابك وسنة نبيك.