مذكرات مسئول إسرائيلي

ملفات متنوعة

..ومنذ ذلك التاريخ انتشرت "التحريكات.. والتحركات".. وبدأت "التطبيقات.. والثمرات المرة".. ومع كل هذا يتهمنا البعض بأننا أسرى "نظرية المؤامرة"!..


في مذكرات "موشي شاريت" ـ رئيس وزراء إسرائيل ـ بتاريخ 27 فبراير سنة 1954م ـ أي قبل أكثر من عشرين عامًا على الحرب الأهلية اللبنانية.. وظهور المارونية السياسية الساعية إلى إنشاء دويلة مسيحية في لبنان ـ في هذه المذكرات نص اقتراح "بن جوريون" (1886 ـ 1973) لتحريك الأقليات المسيحية في العالم العربي.. وذلك "التدمير المجتمعات المستقرة، وإذكاء النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة، وتوجيهها نحو المطالبة بالاستقلال.. وتثبيت الميول الانعزالية للأقليات في العالم العربي.. بدءًا بالأقلية المارونية"!..


نعم.. منذ ذلك التاريخ كتب "بن جوريون":

"إن لبنان هو الحلقة الأضعف في الجامعة العربية.. إذ يشكل المسيحيون الأغلبية عبر التاريخ اللبناني، وهذه الأغلبية لها تراثها وثقافتها المختلفة عن تراث وثقافة الدول العربية الأخرى.. وهكذا تبدو مسألة خلق دولة مسيحية أمرًا طبيعيًا، لها جذورها التاريخية، وستلقى مثل تلك الدولة دعمًا واسعًا من العالم المسيحية الكاثوليكي والبروتستانتي..

وإذا كان مثل هذا الأمر يبدو شبه مستحيل في الظروف العادية، وذلك بسبب افتقار المسيحيين إلى الشجاعة والحافز من أجل تنفيذ مشروع كهذا.. فإن انتشار الفوضى والاضطرابات، وظهور أعراض الثورة أو الحرب الأهلية، يجعل الأمر مختلفًا، إذ يتصرف الضعيف كبطل في مثل تلك الأوقاف!..


وربما كان الوقت الحالي هو الظرف المناسب لخلق دولة مسيحية مجاورة لنا، ومن دون مبادرتنا ودعمنا القوي لا يمكن إخراج تلك الدولة إلى حيز الوجود!.. ويبدو لي أن هذا هو واجبنا الأساسي، أو على الأقل أن الهموم الرئيسية لسياستنا الخارجية. وهذا يعني أن علينا أن نحسن استثمار الجهد البشري، وعامل الوقت، والعمل بكل الطرق الممكنة لإحداث تغيير أساسي في لبنان. يجب علينا تجنيد "ساسون" ـ (أحد الخبراء الصهاينة في اللغة العربية والعادات العربية) ـ وكل من يتكلم العربية بيننا، ولن نتقاعس عن توفير الأموال اللازمة لإنجاح هذه السياسة. ولا بأس لو اضطررنا أحيانًا إلى إنفاق الكثير دون التوصل إلى نتائج سريعة!..

فلنركز جهدنا جميعًا على هذه القضية، فقد لاحت في الأفق فرصتنا التاريخية، ولن يغفر لنا التاريخ إضاعتها سدى. ولنكن على ثقة بأن موقفنا هذا لا يتضمن أي تحد للقوى الكبرى. إذن علينا أن نشرع في العمل فورًا وقبل فوات الآوان.

وفي سبيل الوصول إلى ما نبتغيه، علينا فرض قيود على الحدود اللبنانية وتنظيمها، ويستحسن اختيار بعض اللبنانيين في الداخل والخارج وتجنيدهم من أجل خلق الدولة المارونية.. وهناك طرق عديدة يمكننا بواسطتها تحقيق المشروع المقترح".

هكذا كتب "بن جوريون" في 27 نوفمبر سنة 1954م ـ ووافق على اقتراحه ـ ومخططه ـ "موشي دايان".. أما "موشى شاريت" فلقد كتب ـ معلقًا على هذا المخطط ـ في 18 مارس سنة 1954م ـ فقال : "إنني بالتأكيد أحبذ تقديم الدعم الفعال لأي شكل من أشكال تحريك الأقلية المارونية بهدف تثبيت وتقوية ميولها الانعزالية، بغض النظر عن مدى فرص النجاح أمامها، إذ يعتبر مجرد تحريك الأقليات عملاً إيجابيًا لما قد ينتج عنه من آثار تدميرية على المجتمع المستقر"!..


نعم.. لقد كتب المستشرق الصهيوني "برنارد لويس" ـ عند قيام إسرائيل ـ مقترحًا إعادة تفتيت العالم الإسلامي على أسس دينية ومذهبية وعرقية، ليصبح "فسيفساء ورقية" ضعيفة، فيتحقق الأمن لإسرائيل.. وبعد سنوات قليلة من نشر هذا المخطط ـ في مجلة "البنتاجون" ـ بدأ التنفيذ بالمارونية السياسية في لبنان، كنموذج لتحريك الأقليات، لأن مجرد تحريكها يدمر استقرار المجتمعات العربية!!..

ومنذ ذلك التاريخ انتشرت "التحريكات.. والتحركات".. وبدأت "التطبيقات.. والثمرات المرة".. ومع كل هذا يتهمنا البعض بأننا أسرى "نظرية المؤامرة"!..


د. محمد عمارة

19-01-2010 م
 

<