الأُخوَّةُ الإسلاميّة.. والبحث عنها

ملفات متنوعة

الأُخوَّةُ الإسلاميّة.. والبحث عنها
محمد عبد الله السمان


لا عجب إذا قلت: نحن بحاجة إلى فيلسوف مسلم، يبحث عن الأخوة الإسلاميّة التائهة، في وضح النهار، وبيده مصباح.

لقد أصبحت الأخوة الإسلامية اليوم مجرد شعار، يردّده بعض خطباء المنابر والوعاظ، في أضيق الحدود، بل وعلى استحياء!
إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه حين قال لنا: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه ولا يخذله»، لم يقل لنا هذه الكلمات، لكي تكون مجرد شعار نردّده للاستهلاك، بل لتكون منهج عمل وخطة للتنفيذ.
لقد أصبحت التوعية الدينية اليوم ضرورة ملحة؛ أعني التوعية الدينية الرشيدة، التي تهتم بمعالي الأمور، وتتابع الأحداث الجارية، وفي مقدمتها ما يمس الإسلام، بل والمسلمين في شتى بقاع العالم، ولم يعد لنا عذر أي عذر، بعد أن تقدمت وسائل الاتصال، حتى أصبح العالم قرية صغيرة.

إن التوعية الدينيّة التي نريدها، ليست قاصرة على ما يتعلق بأمور الدين، بل يجب أن تشمل أمور الدنيا، باعتبار الإسلام ديناً ودنيا معاً، أعني هنا التربية التوعية السياسية الإسلاميّة في المقام الأول.
ومما يُؤسف له أن المناهج الدراسيّة في وطننا العربي - ولا يُستثنى من ذلك الأزهر- لا تزال في معزل عن دراسة السياسة الإسلاميّة العامة والخاصة، والتي يجب أن تتبناها مناهج الدراسة؛ لإنارة الوعي الديني لدى الشباب المسلم أمل الحاضر والمستقبل، على الرغم من غياب الوحدة الإسلاميّة!
وكم أحزنني حين سألني أستاذ بجامعة الأزهر عن رحلتي القادمة فأجبته إلى ماليزيا إن شاء الله, قال: "مالك يا أخي، وهذه البلاد الأفريقيّة، التي تتنفس فيها الأوبئة؟" وضحكت.. ولم يكن الشيخ يدري أن ماليزيا دولة آسيوية، وليست أفريقيّة!
وكان للشيخ الأزهري عذره، وهذا ما عبّر عنه الداعية الإسلامي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه "علل وأدوية"؛ إذ قال: "إن دراسة أي شعب إسلامي أمر إسلامي واجب.. فالمسلمون أمة واحدة، غير أنني أتممت دراستي الأزهرية التي استغرقت 15عاماً، دون أن أدرس حرفاً واحداً عن الاستعمار الهولندي لإندونيسيا، ولا الأسباني لجزر سولدومندناو، والتي سُمّيت بعد الفلبين، ولا عن مسلمي جنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا وغربها، لم نعرف كيف استعمر الفرنسيون الهند الهلينية، ولا ما حدث للمسلمين في فطاني والملايو وسنغافورة، وما يُقال مثله عن جهلنا المطبق بمسلمي تركستان الهيلينية والروسية، وبقية الشعوب المسلمة التي ابتلعها التنين الروسي، أما القارة السوداء، والإسلام هو الدين الأول في أقطارها، فالموقف أدهى وأمر في أقطارها، وقد أنشئت فيها اليوم خمسون دولة.
ويضيف الداعية، في مرارة أشد: لقد تبين لي أن دراستنا للتاريخ الإسلامي ضحلة، وأن دراستنا للتاريخ الإنساني فوق الصفر، كيف هذا؟
إن رسالة محمد للقارات كلها، فكيف نجهل هذه القارات، ولا نعرف ما يعمرها من أجناس ومذاهب وفلسفات؟ ولماذا نلوك بألسنتنا أن رسالتنا عالمية دون أدنى اتصال بهذا العالم الرحب؟

إن ما قاله الداعية الإسلامي الكبير في عام 1984م جدير بأن يثير في نفس كل مسلم كوامن الأسى المرير.

إن هناك أثراً يقول: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولا أهمية هنا لصدور هذا الأثر، فالمهم هو المضمون ألم يقل الحق سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وأي أخوة تكون إذا كانت مجرد شعار يردّده الخطباء على المنابر؟
ألم يقل كتاب الله لنا: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75].
ألم يقل لنا صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

إن هناك أقليات مسلمة، مستضعفة تشن عليها حرب إبادة في كثير من بقاع العالم لا نحسّ بها، وتتجاهلها وسائل إعلامنا المشغولة بالفن والكرة والتلميع، وما تزال ذاكرتي تحفظ ما أذاعته إذاعة لندن أوائل الستينيات من القرن الماضي وانفردت به، ولم تذعه إذاعة عربية، قالت: إن الكهنة في بورما، قادوا مظاهرة في العاصمة (رانجون) اتجهت للمساجد الثلاثة، وقامت بإحراقها!
وكتبت يومها مقالاً بمجلة الأزهر عن الجريمة، وعلى إثر ظهور المجلة.. كان سفير بورما يزور شيخ الأزهر الشيخ شلتوت رحمه الله يبدي عتابه على مجلة الأزهر، وفوجئ الشيخ بأن مكتبه لا يقرأ المجلة!

ولا داعي للدهشة إذا قلت لك: إن بابا الفاتيكان الراحل ذهب إلى نيجيريا؛ لكي يتدخل بشأن ثلاثة قساوسة اعتقلوا، ولم يغادرها حتى أقام قداساً وأفرج عن القساوسة، والسودان قرر طرد بعض القساوسة، ضبطوا وهم متلبسون بالتجسّس، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتدخل بعض سفراء الدول الأوربية، وجاؤوا للسودان للتدخل.

ونتساءل في أسى مرير: لو كان هؤلاء مسلمون في دولة غير إسلامية، أكانت الدول المسلمة تدخلت؟ وهل كانت وسائل إعلامنا العربي والإسلامي تهتم ولو لمجرد خبر عادي؟

ولك أن تتصور أن الرئيس الروسي بوتين، حين زار إسرائيل أواخر إبريل الماضي أراد أن يطمئن على آلاف الروس، الذين هاجروا إلى إسرائيل، على الرغم من اكتسابهم للجنسية الإسرائيلية، بينما الرؤساء العرب والمسلمون يزورون دولاً فيها أقليات مسلمة، ولا أظن أحداً منهم تجرّأ وسأل عن حال هذه الأقلية المضطهدة!

كان الرئيس عبد الناصر في زيارة ليوغسلافيا أيام السفاح تيتو، الذي أزهق أرواح الألوف من المسلمين، ودُعي إلى البرلمان ليتحدث، وفوجئ بالدعوة إلى الوقوف دقيقة حداداً على روح الشهيد الشيوعي المصري، الذي مات تحت وطأة التعذيب في سجن أبي زعبل، وأُسقط في يد الرئيس عبد الناصر، واتصل على الفور بالمسؤولين؛ لوقف تعذيب المعتقلين الشيوعيين، بل أكثر من هذا فإن الرئيس الروسي خروتشوف اشترط قبل أن يقبل الدعوة لزيارة القاهرة أن يِفرج عن سائر المعتقلين الشيوعيين المصريين، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل إننا نستقبل في ديارنا أحياناً زعماء وحكاماً أيديهم ملوثة بدماء المسلمين بالترحاب! وحسبنا أن نذكر إمبراطور الحبشة الراحل هيلا سي لاسي، وما فعله بمسلمي الحبشة من اضطهاد لدرجة أنه فرض جزية على المسلمين هناك أسماها ضريبة الكنائس، في عام 1960م دُعي لزيارة مصر، في طريق عودته من نيويورك، واستقبل استقبالاً شعبياً، وسيق بعض الناس للمطار؛ ليهتفوا بحياة الإمبراطور، الذي صرح للصحفيين في نيويورك قائلاً: إن المسلمين في بلاده قلة دخلوا الإسلام على أيدي بعض التجار العرب، وقريباً سوف يعودون لدين آبائهم وأجدادهم، أي المسيحية!
ألست على حق حين قلت: نحن في حاجة لعالم مسلم يبحث عن "الأخوة الإسلامية التائهة" في وضح النهار، وبيده مصباح، كما فعل فيلسوف يوناني، كان في وضح النهار يبحث عن الحقيقة وبيده مصباح!

ولله الأمر من قبل ومن بعد.


الإسلام اليوم

<