الطغاة وغباء التوقيت!!

بعد استعلاء نرجسي طويل، رضخ النظام السوري فجأة لبنود المبادرة العربية، التي لطالما تعامل معها بتكتيكات مخادعة ومراوغات مكشوفة لشراء الوقت، ثم هجاها وشن حملة شتم بذيئة لجامعة الدول العربية، لأنها اضطرت أخيراً إلى وضع حد لتلاعبه بدماء السوريين، فقررت تعليق مشاركة أزلامه في أعمال الجامعة. فما الذي تبدل في ساعات لينتقل نظام بشار الأسد من السب العنيف للعرب والافتراء عليهم ورميهم بخيانته، ثم يستجدي قمة عربية في الوقت بدل الضائع، ويذل نفسه إذ يخاطب القيادات العربية متسولاً منهم فرصة أخيرة لتطبيق مبادرة الجامعة؟


بالطبع، لا ينبغي لعاقل الوقوف عند التناقض المزري في سلوك النظام إذ يلح على الجلوس مع الذين يتهمهم بالخيانة والعمالة لسادته الأمريكيين، فذاك سلوك نمطي مألوف حتى أصبح التعليق على شواهده الجمة لغواً من نافلة القول وتبديداً للوقت والجهد.
غير أن الملمح المهم هنا، هو ملاحظة سوء التوقيت لدى الطغاة، في جميع القرارات المصيرية التي يتخذونها مرغَمين.


ألم يكن في وسع جلاد تونس الهارب من غضب شعبه، أن ينتهي نهاية أقل مهانة لو أنه قدم التنازلات الضرورية قبل أسبوع مثلاً من توبته الاضطرارية التي رفضها التونسيون عن حق وبصيرة، لأن "يقين" المجبَر ليس سوى حيلة لينجو من الغرق الفرعوني!!
وكذلك الأمر مع الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وبصورة أشد جلاء مع طاغية ليبيا الهالك معمر القذافي!!


ذلك أن كل الطواغيت يقلدون سلفهم الهالك فرعون في الغطرسة والمكابرة، ويدخل في ذلك التقليد البليد، ما يلمسه الجميع لديهم من غباء مطلق في التعامل مع الحقائق وإدراك البديهيات بعد ضياع الفرص الواسعة.
قال الحق عز وجل عن إيمان فرعون بعد فوات الأوان: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ . آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ} [يونس:90-91].


والشواهد في التاريخ على هذه السنن الربانية الماضية، أكثر من أن تُحصى وأشهر من الحاجة إلى التذكير بها، وهذه الشواهد غزيرة في العصر الحديث، وهي أبرز الآن في مسيرة الربيع العربي، التي انطلقت منذ شهور معدودة.
وإذا كان رب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لا يقبل توبة المحتضر، فإن على أمة التوحيد أن تأبى الانخداع بمظاهر الأوبة التي يتملقهم بها الطغاة عندما يشعرون بالحبل يلتف على أعناقهم الغليظة.


نقدم هذه النصيحة الصادقة، استباقاً لمزيد من ألاعيب "الإيمان" الفرعوني المتأخر التي نتوقع أن يبديها بشار الأسد، كلما ضاق الخناق عليه. فهو اليوم فقط بات يدرك أن الجميع انفضوا من حوله، بسبب دمويته المفرطة وشراسته الهمجية، وبتأثير ثبات السوريين الأسطوري!!


فمبكراً خسر جلاد الشام تركيا العدالة والتنمية التي أنقذته من مشنقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وخسر قطر التي ناصرته في محنته المذكورة، بكل ما أوتيت من طاقة، وفرنسا التي أعاد رئيسها ساركوزي تأهيله أوربياً.
وقبل أيام فحسب اضطرت الجزائر والسودان وموريتانيا إلى التراجع عن تأييدها الجائر لممارساته الوحشية في حق الشعب السوري البطل الثائر على الظلم ثورة سلمية راقية.


فهؤلاء جميعاً لم يجدوا مفرّاً من التصويت مع الإجماع العربي لتعليق عضوية نظام القتلة السوري في جامعة الدول العربية، فكانت صدمة لدى النظام، الذي ينظر إلى العالم بمنظار أهوائه العليلة ومصالحه الذاتية والطائفية البغيضة.


وكل إنسان ذي ضمير حر يحترم مواقف الشعب السوري الذي سخر من ألاعيب النظام، وكذلك موقف الدول العربية التي عاملت تهريج النظام السوري بلا مبالاة مهينة. وبعبارة أكثر صراحة: لم تنفع فرعونَ الشام توبته الكاذبة، فليتحمل أوزار جرائمه الرهيبة ومسؤولية غبائه حتى في تقدير عنصر الزمن لاتخاذ القرار الصائب لمصلحته. والحمد لله الذي يُعْمي بصائر الطغاة فلا يرون ما تحت أنوفهم من حقائق يعيها كثير من عوام الناس!! ولله في خلقه شؤون.

<