تحريم قتل النفس والجناية عليها

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان


قال الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ } [الإسراء:33]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (الراوي:عبد الله بن مسعود، المحدث:مسلم، خلاصة حكم الحديث: صحيح). والنفس التي حرم الله هي نفس المسلم، ونفس الكافر المعاهد، والذمي والمستأمن قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة» (الراوي:عبد الله بن عمرو بن العاص، المحدث:البخاري، خلاصة حكم الحديث: صحيح). وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]. فجعل نفس المعاهد مثل نفس المؤمن في قتل الخطأ تجب بها الكفارة والدية، وحرم سبحانه قتل نساء الكفار وصبيانهم، ورهبانهم وشيوخهم، وأمر بقتال المقاتلين منهم المدافعين عن الكفر الصادين عن الإسلام، وأمر بقتل المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام بعد استتابته؛ لأنه عرف الحق وآمن به ثم ارتد عنه بعد معرفته، فيقتل حماية للعقيدة التي هي أولى الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها، وفي غير هذه الأحوال فالنفس معصومة، وكرامة الإنسان محفوظة قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].

فالكفرة الذين لا يباح قتلهم وقتالهم نتعامل معهم بأحسن معاملة، في البيع والشراء، في إبرام العقود والعهود معهم، والوفاء لهم ما وفوا لنا: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة:7]. في الإحسان إلى من أحسن إلى المسلمين منهم: {لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8].

أوجب على الولد المسلم البر بالوالد الكافر: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَي} [لقمان:15]. أباح لنا التزوج من المحصنات الكتابيات: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5]. وأوجب علينا دعوتهم إلى الإسلام لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومحبة للخير لهم إن النفس البشرية محترمة تجب المحافظة عليها إلا في الأحوال التي شرع الله قتلها فيها لمصلحة أعظم، ولذا حرم الله على الإنسان أن يقتل نفسه لأي دافع قال تعالى: {ولا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء:29،30].

وصح في الحديث أن من قتل نفسه فقد أوجب الله له النار، وأن من قتل نفسه بالسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم، ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يجأ بها نفسه في نار جهنم، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم، ومن ذلك قتل النفس بما يسمونه الانتحار، أو قتل النفس في التفجيرات التي يسمونها الجهاد في سبيل الله، ويزعمون حصول الشهادة لمن يفعل ذلك، وهو قاتل لنفسه يستحق النار والعذاب، والجهاد بريء من هذا العمل، وكذلك لا يجوز تعريض النفس للخطر الذي تترجح في التعرض له مصلحة شرعية قال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195].

فالنفس البشرية محترمة ما لم يهنها صاحبها بالكفر والمعاصي قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10]. {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ.إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:4-6].

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.