"عروسٌ".. لأسبوع!

سحر المصري

وزُفَّت سميّة إلى زوجها.. تلك الطفلة كبِرَت أمامي عامًا بعد عام حتى بلغت الثامنة عشرة سنة.. لكنها دائمًا ما كانت الطفلة المدلّلة بالنسبة لي.. والدتها أخت مقرّبة أحببتها في الله لنبل أخلاقها وحرصها على الطاعات وهي التي بلغت من العمر عِتِيا.. ولكنها لم تتوان عن الصيام واغتنام أوقات الفراغ لتلاوة القرآن الكريم حتى في العمل.. تعمل بجِد لتكفي بيتها.. خاصة بعد اضطرار زوجها للتوقف عن العمل.. فكانت من خيرة الأخوات اللواتي عرفت..

كانت سميّة آخر العنقود.. المقرّبة من قلب أبيها بشكل أخص.. علاقاتها الاجتماعية محدودة ضمن المعهد الذي تدرس فيه.. ولم تكشف الدنيا عن أنيابها أمامها.. فما خبرت لؤم اللئام ولا تلاعب المنافقين!

وفي غضون أيام.. انتقلت سميّة من "طفلة" إلى "عروس".. فقد أتى شاب من آخر الدنيا وقَصَد لبنان -بلده الأصلي- ليختار مسلمة ملتزمة يؤسِّس معها بيتًا إسلاميًا وعائلة على النهج القويم.. هكذا أُخبِرَت سميّة حين تقدّم لها الشاب لتُطلِق العنان لأحلامها الوردية فتوافق عليه.. وما أسهم في سرعة الموافقة أن هذا الشاب هو أخ لصهرها الذي تزوج أختها منذ سنوات.. وهي الآن ستنضمّ إلى العائلة في بلاد الغربة.. لتكون مع أختها في بلد واحد.. يعاقران الحياة معًا..

بسرعة قياسية تم عقد القران.. ثم الزواج.. لتبدأ فصول التعاسة وتتوالى.. كبرقٍ خطف كل معنى للسعادة والاستقرار! ففي ليلة الزفاف.. ألبسوها ثوب "الفرح".. وتزيّنت.. وحين أدخلوها البيت "المستأجر".. خرجت من الحياة! ولا أدري هل يكون لها في قابل الأيام إياب؟!!

كانت بداية المصائب حين تدخلت والدته في كل أمر.. وكل تفصيل.. وكل كبيرة وصغيرة.. وفي كل مرة كانت تعود لتسوية الأمور.. فحينًا يغض أهل العروس الطرف.. فهم أصلًا أهل بعد زواج الأخت الأولى من ابنهم.. وفي حينٍ آخر تحاول الحماة تزيين المواقف وتعديل تدخلاتها الفاضحة.. ولكن بعد الزفاف.. لم تعد المساحيق قادرة على إخفاء السواد في الوجوه والران في القلوب!

وفي تلك الليلة.. بقيت الحماة واقفة على الباب لتطمئن على "فحولة" ابنها.. وحين تعذّر الأمر صرخت العروس مستغيثة لتدخل الأم وتتدخل في أدق الأمور خصوصية بين الزوجين..
ولولا قدرة الله جل وعلا وفضله لانهارت العروس في أرضها! وكل ما صدر منها صرخة اجتثتها من قلبٍ يتألم وجسد يتمزق "أكرهكم كلكم!".. فتتلقّف الحماة هذه العبارة وتنشرها على الملأ وتنخر أذن ابنها بها: "هل سمعت؟ هي تكرهك وتحب رجلًا آخرا!! وهي لا تصلح للزواج لأنها تعصِّب!!"

وبقيت أمه في بيت الزوجية طيلة أيام بقاء الزوجين.. وبدأت فصول المسرحية بالتتابع وبدأ الثلج بالذوبان ليظهر وحل المرج! فالزوج "الوقور" لا يتحرك إلا بأمر من أمه.. قم! اقعد! اذهب! تعال! تسمّر هنا! قرّب! ابتعد! لا تدخل إلى زوجتك.. لا تقرب منها.. لا تسايرها.. لا تخرج معها.. لا تزر أهلها.. وسلسلة من اللاءات كان ينفّذها بخضوع تام وبراعة تنمّ عن اعتياد على الالتزام!
في هذه الفترة كان لا بد أن يتم تحضير أوراق العروس ليتم تقديمها للسفارة الأسترالية حتى يأذنوا للعروس باللحاق بزوجها.. وكانت الحماة دائمة التهديد للعروس.. إن كنتِ عاقلة سأقدّم الأوراق وإلا.. فستبقين هنا وحدك!

لم تكن سميّة لتخبر أمها بما يحدث معها في بادئ الأمر.. ولكن حين طفح الكيل وفار التنور أسرّت لها ما يجترحون في حقها.. فجُنّ جنون الأم وواجهت الحماة وهددتها بأنها ستفضح ما عملوا.. فاستكانت الحماة وخاب أُوار لؤمها.. فاعتقد الجميع أنها عادت لرشدها.. وما علموا أنه مكر القلب الذي ساقها للتخفيف من حدّة أعمالها الخبيثة..

فبعد أسبوع.. لملمت الحماة أشياءها.. وحضّرت حقائبها وابنها.. وقفلت عائدة إلى أستراليا.. تاركة عروسًا لم ينته مسلسل تهنئتها بعد!! ومن هناك.. يتصل الزوج بعروسه لينفّذ أمر والدته.. وحين سمعت صوته استبشرت واعتقدت أن الخير قادم.. فإذ به يصب في أذنها الصديد.. "أنت طالق.. أنت طالق.. أنت طالق"!.. وتشهق العروس وتسأل: "لِمَ؟!" ولكنه لم يكلّف نفسه عناء الرد.. فأغلق الخط.. ليجلس حيث أمرت أمّه!

هذه حكاية سميّة.. التي تعيش اليوم صدمة عمرها.. والتي لا تقل عن صدمة والدتها.. وصدمتي كذلك!

حين شكت لي الأم لم أستطع كبح جماح نفسي من فرط الغضب.. وبالرغم من أنها تتألم إلا أنني لمتها على عدة نقاط..

الإسراع في الزواج.. فكيف لفتاة بعمر صغير ولم تخبر الحياة بعد.. أن تقرر إن كان هذا الرجل يناسبها بكل مقوّماته وشخصيته وطريقة تفكيره في أيام قلائل.. غالبًا ما تكون زاخرة بالمجاملات والابتسامات والكلام المعسول!

اعتماد العائلة على بعض كلمات عنه من هنا وهناك.. في حين أن الاستشارة يجب أن تكون مع أشخاص يتمتعون بالحكمة والصدق والأمانة.. ولو توسّعوا قليلًا في السؤال عنه لعلموا أنه لعبة في يد والدته تحرّكه كيف تشاء.. وهذا ما لمّح إليه صهرهم إذ أخبرهم أن أخاه ضعيف الشخصية.. فكيف لم يتوقفوا مليًا عند هذه النقطة؟!!

تهاون الأهل في استنباط بعض الخصائص الظاهرة في شخصية الزوج والحماة قبل الزفاف.. من ناحية التسلط والبخل والتحكم.. فلِم الاستمرار في زواج وقد بدا من الطرف الآخر ما لا يليق؟!!
الاستخفاف في قرار الزواج.. فلا أقل من جلسات متكررة لدراسة كل طرف للطرف الآخر بعقلانية وتفكّر.. والتركيز كثيرًا على أي معلومة أو حركة تصدر.. والتعاطي معها بأهمية بالغة..

والآن.. وقد وقع الطلاق غيابيًا.. أصبحت سميّة التي كانت قبل أسبوع فقط عروسًا.. أصبحت امرأة "مطلّقة".. في مجتمع "جاهلي" ينظر للمطلقة أنها "شيء" ما لا يصلح "للاستخدام" مرة أُخرى إلا أن يكون بثمن بخس! فكيف ستقوى سمية على الاستمرار في العيش بهذا اللقب دون أن تدفع ثمنه من نفسها وأعصابها.. ولربما لن تستطيع سداد الفاتورة الباهظة كلما وعت لِما ستكون عليه في قابل الأيام!
لم أسرد هذه القصة لملء الصفحات.. وإنما لأطلِق صرخة لطالما أرسلتها مدوية.. وسأبقى أرددها ما حييت.. علّنا نعي!

الزواج مشروع عُمُر.. يجب علينا أن نستفيض في عملية التفكير والبحث والاستقصاء.. ونكثِر من الاستشارات والاستخارات والدعاء.. فلا نُقبِل على الخطوة إلا وقد أشبعناها بحثًا وتفكيرًا.. فأي خطأ يعني أن نتحرك إلى الهاوية.. في زمن لا يرحم الأخطاء الجِسام.. وفي مجتمع يظلم المرأة فوق ظلم الظالمين!
والله المستعان!