فخر الدين "الأمين"

ملفات متنوعة

في إحدى الشركات رأيتُ شابًا في العقد الرابع من العمر استقبلني بابتسامة جميلة وحفاوة بالغة اسمه "فخر الدين" من بلاد الشام.

بادرته بالسؤال: هذه هي المرة الأولى التي أراك هنا، هل أنت جديد؟. فأجاب: جديد في هذه المدينة نعم، ولكن كنت في مكة ثمان سنين ثم انتقلت.

فقلت له: ومن يترك مكة والمسجد الحرام وينتقل عنها؟ تنهد فخر الدين وأطرق برأسه، وقال: لا تذكرني بمكة فقصتي معها " قصة عشق وحب لم تكتمل فصولها".

قلت له متلهفًا: لقد اشتقت لسماع قصتك أرجوك أخبرني بها رفع رأسه وبدأ في سرد قصته الحزينة.

وإليكم قصة "فخر الدين" كما يرويها بنفسه يقول: قدمت لبلاد الحرمين قبل تسع سنين لأعمل في شركة شهيرة بعد أن ودعت زوجتي وأطفالي وقبل ذلك والدتي ووالدي وتركتهم في بلاد الشام مع دموعهم ودعواتهم لي بالتوفيق والنجاح.

وبالفعل كانت أول البشائر أن مقر عملي الجديد سيكون في مكة وتحديدًا أمام المسجد الحرام مباشرة، فكنت أرى المسجد وأصلي فيه جميع الفروض باستثناء صلاة الفجر أصليها في مسجد بقرب من منزلي الذي يبعد عن الحرم مسافة طويلة.

وتمر الأيام ويزداد تعلقي بالمسجد الحرام وكنت في أوقات فراغي أتجه إليه وأجلس بالقرب من صحن الطواف، وبيدي ماء زمزم وأمامي الكعبة الطاهرة الشريفة أكحل عيني برؤيتها وأشنف أذنيّ بسماع أصوات الطائفين وتلاوات الخاشعين وتكبيرات الصالحين.

وكنت طوال السنين الثمان التي قضيتها في مكة منعزلًا عن الناس كان أنسي وسلوتي في خلوتي لا أغتاب أحدًا ولا أشتم أحدًا ولا يضيع عمري مع سارقي الأعمار.

قاطعت فخر الدين: أرجوك أخبرني لماذا تركت كل هذا النعيم وانتقلت من مكة؟ تغيرت ملامح وجهه ونبرة صوته ازدادت حزنًا ثم قال: بسبب مديري في العمل لقد كان رجلًا خائنًا للأمانة يقوم بتغيير الحسابات وسرقة أموال الشركة.

وعندما علمت بأمره وصدعت بالحق في وجهه عرض عليّ المال وزيادة المرتب ووسيلة المواصلات، مقابل سكوتي لكني رفضت وهددته بإبلاغ كبار المسئولين وعندما فعلت: لم يصدقوني وطعنوا في أمانتي؛ لأنهم شركاء للمدير في السرقة ثم جاء قرارهم بنقلي ليتخلصوا مني.

قلت له وأين مالك الشركة؟ قال: الشركة كبيرة وفروعها كثيرة ومالكها كثير السفر ولا يمكن الوصول إليه بسهولة.

قلت له " مختبرًا ": ولماذا لم تسكت فأنت مكره ولا يضرك مادام قلبك منكرًا لفعلتهم؟.

فأجاب: ألم تسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:الألباني -صحيح الترمذي-خلاصة حكم المحدث: صحيح) لماذا أرضى بأضعف الإيمان وبإمكاني التغيير باليد أو اللسان؟.

عندها انعقد لساني وعلمت كما أنا مقصر في إنكار المنكرات ويبقى السؤال الأهم: "كم من المنكرات شاهدناها وسمعناها ولم نغير فيها شيئًا؟.

وقفة سريعة: "الوظيفة مضمونة والباب مفتوح والأعوان على الخير كثيرون فلماذا السكوت؟".

الكـاتب: محمد علي الغامدي

<