كم أفتقد هذا العملاق

أبو الهيثم محمد درويش


الصحابي الجليل جليبيب -رضي الله عنه- كان دميم الخلقة، كلما ذهب يخطب لا يرغبون فيه، لأنها طبيعة بشرية عند الوالد يحب أن يكون زوج ابنته حسن الوجه حسن الثوب، ذا وجاهة، هذا شيء فطري، فهذا جليبيب كلما ذهب ليخطب طُرد..!

جاء في المسند عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: «زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ» فَقَالَ: "نِعِمَّ وَكَرَامَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَنُعْمَ عَيْنِي" فَقَالَ: «إِنِّي لَسْتُ أُرِيدُهَا لِنَفْسِي» قَالَ: "فَلِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: «لِجُلَيْبِيبٍ» قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُشَاوِرُ أُمَّهَا، فَأَتَى أُمَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ابْنَتَكِ فَقَالَتْ نِعِمَّ وَنُعْمَةُ عَيْنِي، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ إِنَّمَا يَخْطُبُهَا لِجُلَيْبِيبٍ، فَقَالَتْ: أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ أَجُلَيْبِيبٌ ابْنَهْ لَا لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تُزَوَّجُهُ.

فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَهُ بِمَا قَالَتْ أُمُّهَا، قَالَتْ الْجَارِيَةُ مَنْ خَطَبَنِي إِلَيْكُمْ فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا، فَقَالَتْ: أَتَرُدُّونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ ادْفَعُونِي فَإِنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْنِي، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: شَأْنَكَ بِهَا فَزَوَّجَهَا جُلَيْبِيبًا، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ قَالَ: فَلَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ» قَالُوا: نَفْقِدُ فُلَانًا وَنَفْقِدُ فُلَانًا.

قَالَ: «انْظُرُوا هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ» قَالُوا: لَا. قَالَ: «لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا قَالَ: فَاطْلُبُوهُ فِي الْقَتْلَى» قَالَ: فَطَلَبُوهُ فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَا هُوَ ذَا إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «قَتَلَ سَبْعَةً وَقَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا». ثُمَّ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَحُفِرَ لَهُ مَا لَهُ سَرِيرٌ إِلَّا سَاعِدَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ غَسَّلَهُ، قَالَ: ثَابِتٌ فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا".

وَحَدَّثَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ثَابِتًا قَالَ: "هَلْ تَعْلَمْ مَا دَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «اللَّهُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا الْخَيْرَ صَبًّا وَلَا تَجْعَلْ عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا» قَالَ: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقَ مِنْهَا، قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مَا حَدَّثَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ".

ملحوظة: الحديث قال الهيثمي فيه رجاله رجال الصحيح.
وهو في صحيح مسلم مختصراً بدون الحديث عن شخصية جليبيب، أو موضوع زواجه .أما مرادي من التقديم بهذا الموقف العظيم هو افتقادي الشديد لرجل قلما تذكره الذاكرون وسط هذا الزحام والزخم الثوري، الذي أطاح بالعديد من الطغاة، وننتظر من بعده فجر الإسلام يرمقنا من بعيد.


أفتقد صاحب هذا النداء الرائع:

أخي:ستُبيد جـيـوش الظـلام *** ويُشرق في الكون فجر جديد
فأطـلـق لـروحـك إشـراقهـا *** ترى الفجر يرمقنا من بعيد
أخي: قـد أصـابك سهم ذليل *** وغدرا رماك ذراع كليل
ستُبتَر يـوماً فـصـبـرٌ جميل *** ولم يدمَ بعدُ عرين الأسود

أخي: قد سرت من يديك الدماء *** أبت أن تُشلَّ بقيد الإماء
ســتــرفــع قـربـانـهـا للــسـمـاء *** مخضبة بوسام الخلود
أخي هل تُراك سئمـت الـكـفـاح *** وألقيتَ عن كاهليك السلاح؟
فمن للضحـايا يـواسي الجـراح *** ويرفع راياتها من جديد؟
أخي: إنني اليوم صلب المراس *** أدكُّ صخور الجبال الرواسي

غدا سأشيحُ بفأسي الخـلاص *** رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد
أخي: إن ذرفت عليَّ الدموع *** وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع *** وسيروا بها نحو مجد تليد
أخي: إنْ نـمتْ نلـقَ أحبابـنـا *** فروضات ربي أعدَّت لنا
وأطيـارهـا رفـرفـت حـولـنا *** فطوبى لنا في ديار الخلود

أخي: إنني ما سئمتُ الكفاح *** ولا أنا ألقيتُ عني السلاح
فـإنْ أنـا مـتُّ فـإنـي شـهـيـد *** وأنت ستمضي بنصر مجيد
سـأثـأر ولـكـن لـرب وديـن *** وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النـصر فوق الأنام *** وإما إلى الله في الخالدين

قـد اخـتـارنا الله فـي دعـوتـه *** وإنا سنمضي على سنته
فمنا الـذيـن قـضـوا نـحـبـهـم *** ومنا الحفيظ على ذمته
أخي: فامضِ لاتلتقت للوراء *** طريقك قد خضبته الدماء
ولا تـلـتـفـت هـنـا أو هـنـاك *** ولا تتطلع لغير السماء



رحم الله العملاق سيد قطب رحمة واسعة.
وأختم بإضاءة لكل من ينتقص من قدر الأديب المسلم المجاهد سيد قطب رحمه، قال الإمام مالك: "كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر" وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.