آهات مكتومة - قالت : ولا زلت بكراً !!

الشيخ كارم السيد حامد

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}


(1) قالت: ولا زلت بكراً...!!

الأبناء رزق من الله عز وجل وهبة وعطاء ومحض تفضل ومنَّةٍ يمنحها من شاء من عباده ويمنعها عمن شاء: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49-50].

ولقد أرشدنا الله عز وجل في القرآن الكريم أن نبتهل إليه ونرفع أكف الضراعة بالدعاء والرجاء أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].

ولقد جعل الله عز وجل هذه النعمة في مقام الرعاية التي يسأل عنها العبد يوم القيامة ويا لها من مسؤولية ويا لها من محاسبة ومؤاخذة لو أدرك العبد!

قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

وهذا تكليف واضح جليٌّ من الرب العليِّ سبحانه لكل من كان له زوج وولد أن يعمل ما استطاع ويبذل جهده ما وسعه البذل دونما تخاذل أو تكاسل أو إهمال لينجوا بنفسه ويكون سبباً في نجاة أهله "امرأته" وأبنائه "ذكوراً وإناثاً" من النار التي وصفها الله عز وجل بأن وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

وإن من أهم وسائل النجاة أن يبذل الوالد ماله ومهجته ليساعد أبناءه على ترك الحرام واجتناب الفواحش وتحصين الفروج وغض الأبصار سواء بالتربية الصالحة التي تبدأ منذ الصغر وتصاحبهم حتى البلوغ والكبر، أو بتقديم المال وتيسير العقبات وتذليل المصاعب وتخفيف الأعباء لينكح الولد ويتعفف بالحلال عن الحرام، أو لتنكح البنت إذا أتاها الكفء المناسب لها وهو ذو دين وخلق وأمانة.

وتحصين الفروج أمر شرعيٌّ تكليفيٌّ أمرنا الله تعالى به وحثنا عليه وحضنا على السعيِّ من أجل تحصيله وتحقيقه: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30].

وقال جل وعلا ممتدحاً المؤمنين الذين وصفهم بأنهم قد أفلحوا:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:5-7]، ونحوها جاءت في المعارج.

وحبذا لو انطلق الوالد في سعيه هذا من خلال الآية السابقة التي تحثه على بذل الوسع لتحصيل التقوى التي هي الوقاية والحماية من النار والتي من أسباب استحقاق العذاب بها الوقوع في الفواحش والمنكرات كالزنا وغيره.

وأيضاً من خلال هذا الحديث النبويِّ البديع: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته، قال فسمعت هؤلاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: والرجل في مال أبيه راع وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (رواه البخاري في صحيحه).

والحق أن كل والد أنجب طفلة يعيش على أمل من الآمال التي تملأ حياته ويتمنى أن لو مد الله عز وجل في عمره حتى يراها وقد تحققت وثارت واقعاً أمام عينيه، ذلك الأمل هو أن تأتي لحظة زواج ابنته وانتقالها من بيته الذي تربت فيه ودرجت إلى بيت زوجها الذي تعيش فيه ملكة متوجة بعد أن كانت بنتا مدللة.

تلك فطرة طبيعية يعيشها الإنسان حتى الكافر والمنافق والملحد، فما بالك بالمسلم الموحد السويِّ التقيِّ صاحب الفطرة المستقيمة؟

وصدق الله العظيم إذ يقول: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف:46].

أجل، الأبناء زينة للحياة الدنيا؛ وهل يتزوج المرء ليعيش بلا ولد؟ وهل ينجب المرء ليحبس أبناءه لاسيما البنات منهم بجواره بلا زواج ولا استقرار؟

وهل أرقت أزمة اجتماعية الشعوب والجماعات والأمم مثلما أرقتها وأرهقتها وأججت نيران الألم في وجدان أفرادها والمخلصين من حكامها مشكلة العنوسة خصوصا بين النساء؟

وعلى الرغم من ذلك، ومع احتواء القرآن الكريم على مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15].

على الرغم من ذلك إلا أن هناك نوعاً من الناس من بني آدم من البشر من بني الإنسان من لا يشعر تجاه أبنائه وأخص البنات منهم بتلك المشاعر الراقية والأحاسيس التلقائية الجبلية السامية فتراهم ـ هذا الصنف المذكور ـ لا يساعد أبناءه رغم قدرته على المساعدة واحتياج أبنائه إلى المساعدة ليتزوجوا ويقيموا أسرة توفر لهم قدراً من الراحة والسعادة والاستقرار!!

وطبعاً فإنه لا يحتمل هذا التصرف المعوج والسلوك المنحرف والنفسية المختلة في حق الشباب والذي قد يكون بدافع رغبة الوالد في حث الولد على الاعتماد المطلق والكامل والمجرد على ساعده ليكون رجلاً قادراً على تحمل المسؤولية، أو بخلاً بماله وضناً به على ولده.

فإذا كان هذا التصرف لا يحتمل من الوالد تجاه ولده الذكر، بل يستقبح ويستبشع خصوصاً في زمان الفتن الشديدة وحاجة الولد إلى النكاح، فكيف بهذا التصرف والبخل والقمع في حق البنت التي هي عرض وشرف الرجل بل والأمة؟

لا يحتمل أبداً ولا يتقبل إطلاقاً في حق البنت التي هي الطرف الضعيف وربما المستضعف في المجتمع، أن تبلغ البنت السن وتكتمل أنوثتها ويطلبها الراغبون في الحلال ليعصمها الله بالزواج ويعفها بالنكاح وينشأ منهما بيت مسلم جديد يقوم على دعائم الدين الحق وهدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم يعرض والدها أو وليها عن ذلك النكاح ويرفض ذلك الزوج لعلل واهية وأسباب باهتة واعتراضات تافهة فيفوته الكفء الذي ربما لا يأتي بعده مثله، بل قد لا يأتي بعده أحد أصلاً غيره!

كل من رزقه الله تعالى البنات يستشرف قلبه العمر ويعد الأيام والليالي ولئن سألته ماذا تريد من الدنيا بعد العمل الصالح الذي يقربك إلى الله وبعد سعة الرزق والسعادة تجد الجواب متحداً: أن يستر الله عرض بناتي أو ابنتي وأفرح بها أو بهنَّ قبل أن أموت.

وذلك إحساس لا يفارق العبد يوماً ولا يتخلف عن خياله ساعة ولا يهجر خاطره دقيقة، ولا ينساه في دعائه مرة في صلاته إلا لماماً.


تلك هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وتلك هي سنة الأنبياء أجمعين عليهم صلوات الله وتسليماته وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38].

يقابل الداعية في حياته الدعوية مواقف ومشاهد يشيب لها الولدان وتحار فيها العقول وتعتصر لها القلوب حتى ليكاد يفسد عليه عيشه ولا تهنأ له حياته مما يرى ويسمع من مشكلات تأخذ الخواطر وتذهب بالألباب والأبصار والأفكار.

من ذلك تلك الليلة التي لن أنساها حيث إنها قريبة جداً.. بعد صلاة مغرب الثلاثاء الماضي التاسع من شهر صفر 1433هـ، الثالث من يناير 2012م، حيث نودي عليّ لأجيب امرأة تريد عرض مسألتها على الإمام، فلما خرجت هالني مظهر التبرج الفاحش إلى حد ما الذي ظهرت به، و على الرغم من هذا التبرج والسفور إلا أنها بدأت تتكلم بحياء شديد، وصوت خفيض وكلام متردد متقطع وكأنها تجاهد نفسها وتخالف طبعها وتخرج عن أدبها لتبديَ شيئا من وجيعتها وتكلمت بكلمات يسيرات وعبارات موجزات لكنها بليغات موجعات كلفحات الشرر انطلقت من حمم بركانية لتحرق قلبي وتكوي مهجتي وتصدع فؤادي!!

لا تعجب ولا تحسبن أني أبالغ في استعمال المحسنات البديعية أو ألوان الأدب والبلاغة العربية، فإنما هي أوصاف أحاول بها جاهداً أن أقرب الصورة من الحقيقة والخيال من الواقع ولطالما كان الخيال أوسع نطاقاً غير أنه قد يكون كذلك الواقع أبشع من الخيال والحقيقة أصعب تصوراً من صورتها،

إنها آهات مكتومة أطلقتها تلك المرأة المظلومة المكلومة في محاولة يائسة منها عساها ترجع برد أو تجد حلاً.

قالت لي المرأة ـ وأنا سأجمل عبارتها بتصرف يناسب المقام ـ: عمري ثلاث وأربعون سنة، ومتزوجة منذ ثماني سنوات، ثم زادت صوتها خفوتاً وتردداً وانهياراً وكأنها تحبس دمعاتها وتقدم اعتذارها لحيائها الذي اضرت لبذله أو بعضه باحثة عن مخرج وسبيلـ

قالت:..... ولازلت بكراً!!!

تشغل وظيفة محترمة مرموقة ـ بمفهوم العصر الذي نعيشه بغض النظر عن الموقف الشرعي ـ وكذلك زوجها، وأبوها إمام مسجد ـ ربما أرادت أنه يصلي بالناس إمامًا لا على وجه التكليف الرسمي ـ يسأله الناس فيجيب ويستفتى فيفتي واعتلى المناصب والمراتب حتى شغل منصب وكيل وزارة.

أبَى أن تنكح كل من تقدم لها على مدى سنوات عمرها حتى كادت تفقد الأمل في الزواج وعذره الذي يفهمه المحيطون جميعاً وإن لم يصرح هو به أنه يريدها خادمة له ولأبنائه الذكور ـ إخوتها ـ وزوجاتهم والأحفاد!!

فلما كثر الخطاب وبات الأمر مخزيا مخجلا وازداد عتاب الأصحاب والأصدقاء فضلا عن الأقارب وذوي الأرحام، زوجها لأول طارق، غير أن سعادتها لم تكتمل وفرحتها لم تتم فلقد اكتشفت أنه غير كفء، إذ لا زالت بكراً!!

طافت معه على الأطباء والعيادات وأجرى كل الفحوصات والتحاليل لكن لا أمل.
عادت إلى أبيها تشكو له شؤم حالها وسوء حظها ظانة أنه سيقف إلى جوارها ويعيد إليها جزءاً من حقها وينصرها على زوجها الذي تقدم ليتزوجها عالماً بحالته ومدركاً لعلته وعدم أهليته، فما كان من أبيها إلا أن صدها وردها بائسة مفجوعة غير فرحة ولا منصورة، متعللاً بالخوف من الناس والحرص على الوجاهة الاجتماعية والعائلية والتحرج من الفضيحة والنقيصة والسخرية على ألسنة الناس !!

استنجدت بإخوتها الرجال الذين هم أهلها من بعد أبيها وعزها ومستندها إذا جار عليها الظالمون وأحاطت بها البلايا، فلم يكن موقفهم وردهم بأفضل من أبيهم بل أيدوه متعللين: أين تعيشين إذا طلقت؟

حولت قبلتها ووجهت وجهها إلى أم زوجها لعلها تكون عوضاً عن أمها التي ما كانت لترضى بظلمها ولا قهرها لو أنها على قيد الحياة -هذا معنى ما قالت والأمر كله بقدر الله تعالى ـ فلما أفضت إلى حماتها مؤملة فيها إحساس الأم وعاطفة الأنثى قهرتها ونهرتها بسلبيها واستخفافها ـ لو أنها عرفت أن لها أهلاً يغضبون لحق ابنتهم أو يغارون على عرضها أن تفتن في دينها وشرفها!!

لما سدت أمامها الطرق وتقطعت بها السبل وغلقت دونها الأبواب أثرت الصمت لاسيما وزوجها لا يفتؤ يردد على مسامعها -مسامعها فقط لا غير في حدود المتاح له- يردد قائلاً: أنه يحبها ولا يستطيع فراقها!!!!!!

وتمر الأيام وتمضي السنون حتى بلغت الثالثة والأربعين ولسبب ما، ورغم كثرة مرورها أمام هذا المسجد قررت الليلة والليلة فقط أن تفتح قلبها وتفشي سرها وتخرج مكنون نفسها وتحدث بوجيعتها عسى أن تلقى لدى الشيخ ما عز عليها من سبيل إلى الحلّ!!

قلت لها كلمة واحدة: عليك بالقضاء فهو الطريق المتاح والميسور لديك.

تخوفت من أهلها وردة فعلهم وتهديدات أبيها وإخوتها بالتعرض لها، ثم أين ستقيم وكيف ستعيش بمفردها في مثل هذه الأيام العصيبة الشديدة السوء؟

قلت هذا ما لديَّ ولا أجد لك عذراً إن أنت سكتِّ إلا أن تقنعي بالحال وتقبلي بالواقع والمآل.
قالت: وهل لامرأة أن تختار الحياة بلا حياة؟ بلا زوج؟ بلا ولد؟
قلت فدونك القضاء.

والحكم الشرعيُّ في تلك المأساة معلوم فمن ذلك مثلاً:
من هو العاجز جنسياً؟
العاجز جنسيّاً هو رجل يملك آلة الذكورة لكن لعلة مرضية، أو نفسية، أو عصبية، أو غيرها من الأسباب لا يقوى على الجماع، وبالتالي لن يكون منه جماع، ولا متعة، ولا إنجاب.
والعنِّين هو: العاجز عن الوطء، وربما اشتهاه، ولكن لا يستطيعه.

قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/142) بعد أن ذكر العيوب التي تثبت للزوجة حق فسخ العقد، ومنها: إذا كان الزوج عاجزاً عن الجماع، قال: "ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب: أن لا يكون عالما بها وقت العقد ، ولا يرضى بها بعده ، فإن علم بها في العقد، أو بعده فرضي، فلا خيار له. لا نعلم فيه خلافا" انتهى من "المغني" (7/142).

فمما سبق يتضح أن جهل أحد الزوجين بالعيب وتدليس المعيب وإخفاءه عن الآخر عيبه يثبت للمدلس عليه والمغرر به الخيار في الفسخ.

وحيث إن الزوجة في هذه المسألة وتلك المأساة هي المدلس عليها وقد تبين لها ولكن لم تجد من يؤازرها لدفع الخطر ومنع الضرر الواقع والمحتمل كان لها أن تفسخ العقد.

فإن العنين إذا ثبتت عنته عند القاضي يؤجل سنة، فإذا لم يستطع الجماع واختارت الزوجة فراقه فرق بينهما القاضي، وكان لها المهر كاملا عند الجمهور خلافا للشافعية.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: ولا أعلم بين الصحابة خلافا في أن العنين يؤجل سنة من يوم يرفع إلى السلطان، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - وقد ذكرنا الخبر عنهم بذلك عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - وإنما أجله سنة فيما ذكر والله أعلم لتكمل له المداواة والعلاج في أزمان السنة كلها لاختلاف أعراض العلل في أزمنة العام وفصوله، فإن لم يبرأ في السنة يئسوا منه وفرق بينه وبين امرأته...اهـ.

القصة تحمل مأساة امرأة مثلها كثيرات لم ينطقن، وربما لم يحافظن على عفافهن تحت وطأة الفتنة الشديدة وعجز الزوج الظالم وإعراض الوالد الراعي وتخاذل الإخوة الذين يفتقدون إلى المروءة والنخوة، وتبلد حس أم الزوج التي لم تراقب الله في مثل ابنتها.

والحق أن الرجل الذي يقدم على الزواج من امرأة وهو عالم بحالته ومدرك لعلته ولا يصارح ولا يعلم المرأة بها فإنه يرتكب إثماً ويحمل وزراً..

وأما بخصوص زواج "العاجز جنسيّاً": فليس في الشرع ما يمنع منه، ولكن لا بدَّ أن يبين لمن يريد التزوج بها حقيقة حاله، وإلا أثم، وكان لها حق فسخ النكاح، لأن المتعة والولد مقصودان عظيمان من الزواج، وهما من الحقوق المشتركة بين الزوجين.
وفي "الموسوعة الفقهية" (31 / 16):
العُنَّة: عيب يجعل للزوجة الخيار في طلب الفرقة عن زوجها، بعد إمهال الزوج سنَة، عند جمهور الفقهاء.

الإسلام سؤال وجواب.

كيف لا وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء»".

فالزواج تدور عليه الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة، الوجوب، والندب "الاستحباب"، الإباحة، الكراهة، التحريم.
فرجل مثل هذا الذي معنا لا يحل له الزواج إلا إذا أعلم المرأة ورضيت على علمها بعلته ومرضه وعيبه وإلا أثم.

ووالد كوالدها لا ريب آثم جائر لأنه مفرط في واجبه تجاه ابنته التي هي بضعة منه، وقد احتمت به ولجأت إليه ولاذت به فتنكر لها فلبئس الوالد ولبئس الرجل.

وكذلك إخوتها وأم زوجها وكل من سكت عن ظلمها ولم يساعدها ومن هي في مثل محنتها.
القصة أعنف من مجرد فتاة تقتلها الأيام وتغتالها الآلام وتفتك بها العادات والتقاليد والأعراف الجائرة الظالمة.

لا تزال مجتمعاتنا تحتاج إلى ثورة عارمة ونفرة شاملة ليس على ظلم الحاكم فحسب، بل على ظلم النفس وقهر الذات وانتهاك الحقوق وانتقاص الحرمات.

لا نزال نحتاج إلى تصحيح مفاهيم وتغيير أساليب وتصويب مسالك وتعديل مسارات.
لا نزال نحتاج إلى أن نتفاعل مع قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:10]. حتى نحقق مراد الله منا، وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه) نحتاج إلى تفعيله وتطبيقه حتى نتمثله ونعيشه واقعاً.

فاللهم استر عوراتنا واحفظ أعراضنا وفرج الهم عن المهموين ونفث الكرب عن المكروبين.. آمين.
والله المستعان.

الساعة 12.07 بعد منتصف ليل الجمعة 12- صفر 1433هـ، 6 يناير 2012م.

ابن الأزهر ومحبه
أبو أسماء الأزهريّ
كارم السيد حامد السرويّ
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
ABO-ASMAA@HOTMAIL.COM
ABOASMAA20011@YAHOO.COM

 
المقالة التالية
ضيعها أبوها..!