الإسلام دين عقيدة ودعوة حضارة

ملفات متنوعة


الرسالة: الإسلام دين عقيدة ودعوة حضارة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنام محمد بن عبد الله الرسول الأمين، بلغ الرسالة ونصح للناس أجمعين، من اتبعه وأخذ بنهجه فقد فاز الفوز المبين في الدنيا والآخرة، أما بعد:
فما زال الجاهلون بطبيعة الإسلام منذ بزوغه حتى يومنا هذا يتناوبون على مشعل المكائد والعداء، وكأن خَلَفَهم لم يتعظ من سيرة سَلَفِهم ونتائج مكائده التي دحضها رب العزة تارة برسله، وتارة بورثة رسله، وتــارة بالعقلاء من أنفسهم، تحقيقـا لقولـه تعــالى: {يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْكَافِرُ‌ونَ} [الصف: 8].
وكأن الغشاوة التي على أعينهم قد حجبت عنهم نور فطرتهم التي كادوا لها بكيدهم لدين الإسلام وما يشعرون، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَ‌ضٌ فَزَادَهُمُ اللَّـهُ مَرَ‌ضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]، وها نحن نرى في خضم الأحداث التي تعصف بأمتنا العربية من ينبري سبّاقا ليكيل بسهام التخلف والرجعية والعودة لعصور الجاهلية إلى صدر شعوب متعطشة للقيام بقفزة نوعية إلى الأمام، إن هي تشبثت بأحكام الإسلام ملاذا للخلاص من نير التشرذم والخلاف ومنارا للسير بهم على خطا سلف ملأ الدنيا بعلوم الدين والدنيا.
إن هؤلاء القوم إن جنحنا بهم إلى منطلاقاتنا حاججونا بأنهم لا يسلّمون لنا بما نقول؛ فقواعدهم على النقيض من قواعدنا، وشرقهم بعيد عن شرقنا، وغربهم أبعد من غربنا، لذلك فإن علينا أن نقف على أقوال علماء أوروبا ومفكريهم وفلاسفتهم - منطلق فكرهم - لنقيم عليهم الحجة ممن درسوا منطلقنا "الإسلام" بتجرد.
إن ما يلي من المقتطفات والمقولات من كتب الفلاسفة والمفكرين غير المسلمين قد وفق الله تعالى إليها بعض العلماء ممن ترجم كتب هؤلاء ولكن للأسف لم تحظ بالاهتمام المطلوب، وهو جهد قصر إعلامنا العربي المدعوم بقوة الدولة عن نبشه من
بطون الكتب، وتسليط الضوء عليه، وإبرازه للعالم أجمع على أنه رأي أئمة الفكر الأوربي ومنظريه في الدين الإسلامي.
وللأسف في غياب هذا الجهد نهض من الجانب الآخر ضعاف الفكر الذين راحوا يكيلون للعقائد والقيم الإسلامية ما لا يتصف به إلا ظلام أفئدتهم وسوء فهمهم، متسلحين بإعلام لا يلين ولا يستكين، يسعى حثيثا للنيل من الإسلام، فقلبوا صورته من دين إصلاح إلى دين فساد وإفساد، ومن دين يدعو إلى السلام وحفظ النفوس إلى دين دموي إرهابي.
يقول "واشنطن إيرفنج" وهو كاتب نصراني وباحث وقاص ومؤرخ قد عمل وزيرا مفوضا للولايات المتحدة الأمريكية في مدريد بين عامي (1842- 1846) واصفا سلوكيات النبي العظيم صلى الله تعالى عليه وسلم في تعامله مع خصومه
عندما دخل مكة: "في قمة مجده يوم أن فتح مكة.. ارتفع "محمد" برحمته وتواضعه على كل من سبقه وتلاه من الظافرين، فعلى الرغم من كل ما أحرزه من انتصارات على خصومه الألداء فإنه على الرغم من كل ما قاساه منهم هو وأصحابه، لم يركبه غرور النصر، ولم تستبد به شهوة الثأر، فهكذا القرآن المنزّل عليه: يدعو إلى الرحمة والصفاء، وإلى كل ما هو سام من الأخلاق ورفيع فيه الناس سواء".
فهكذا هو الإسلام دين سماحة وسماح، دين عاطفة وتواد بين الناس يقدم العفو والرحمة والسلم والسلام، لا كما يحلو لبعضهم أن يصوروه، والسبب في ذلك بسيط جدا وهو أنه دين لجميع الناس على السواء.
يقول المستشرق الهولندي "سنوك هرجر يانجه": "إن الإسلام بفضل ترفعه، قد وجد وسيلة صعد بها إلى مكانة رفيعة، رأى منها ما هو أبعد من آفاقه الخاصة، بمعنى: أنه اشتمل على خاصية دولية الدين". وما أصدقها من شهادة تلك التي بعث بها البطريرك (النسطوري الثالث) إلى البطريرك "سمعان" زميله في المجمع بعد ظهور الإسلام حيث قال فى كتابه: "إن العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الأرض أصبحوا معنا، ومع ذلك نراهم لا يعرضون النصرانية بسوء، فهم يساعدوننا ويشجعوننا على الاحتفاظ بمعتقداتنا، وإنهم ليجلون الرهبان والقسيسين، ويعاونون بالمال الكنائس والأديرة"، ويقول المفكر والمؤرخ الإنجليزي الشهير "هربرت جورج ويلز" في كتابه "التاريخ القصير للعالم": "إن هؤلاء العرب فتحوا الدنيا في
مشارقها ومغاربها، ثقافة جديدة، وأسسوا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية)، وبالطبع ما كان لهم أن يتبوؤوا هذه المنزلة إلا بما سكن في قلوبهم من اليقين الراسخ الذي قال عنه "ويلز": "إن أهم عناصر قوة الإسلام كدين ملهم هو التوحيد الذي لا يعرف هوادة، والإيمان الحماسي البسيط بقدرة الله على الناس، ورعايته العلوية لهم، وخلوه كدين من
التعقيدات اللاهوتية"، ويقول "ويلز" بعد أن درس أصول الإسلام رادا على من يقول إن الإسلام ليس بالعقيدة السماوية: "العنصر الثاني للإسلام كقوة مؤثرة في تاريخ البشرية، هو أن الإسلام جاء فريدا منفصلا عن كهنوت القرابين ومعابدها، فهو عقيدة نبوية خالصة، جعلتها تفاصيلها النبوية بمأمن من كل انزلاق نحو دموية القرابين، كما أن النبي نفسه حرص على أن
يحتاط لمنع تأليهه في حياته وبعد مماته".
ويقول العالم الهندي: ت. ل. قسوائي: "إليك يا محمد أقدم إجلالي وتعظيمي بكل خضوع وتكريم، إليك أطأطئ رأسي، فإنك حقاً رسول من عند الله، وإن قوتك العظيمة كانت مستمدة من عالم الغيب الأزلي الأبدي".
فإن كانت هذه هي صفة الدين الإسلامي بالكلية فما هي صفة منبعه ومعتمده وما يقوم عليه، وهو كلام الله تعالى؟
يقول "غوستاف لوبون" عن القرآن الكريم: "حسب هذا الكتاب تقديسا وخلودا أن القرون التي مرت عليه لم تستطع أن تجفف ولو قليلا من أسلوبه الذي لا يزال نقيا، كأن الأمس عهده بالوجود".

ويفرض السؤال التالي نفسه على ساحة العرض الذي بين أيدينا، وهو: فما تأثير هذا الدين على أتباعه وكيف ارتقى بهم؟ لقد انتقل الإسلام بالعرب من جاهلية عمياء على كافة الأصعدة، إلى نور العلم والمعرفة فأسس لظهور المدنية الحديثة بقوائمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومثّل الطاقة الكامنة الدافعة التي تستمد منها هذه المجالات مسيرة تطورها وانبعاثاتها الحضارية.
يقول "ويلز": "إن تطور الشعوب عادة يرتبط بالظواهر السياسية، فالاقتصادية، والاجتماعية.. إلا أن العرب كسروا
هذه القاعدة"، وقال أيضا: "عندما حل القرن الثامن للميلاد كانت للدولة الإسلامية منظمات تعليمية منتشرة في كل مكان من العالم المستعرب، وإذ بدأ القرن التاسع، كان العلماء في مدارس قرطبة (أسبانيا) يتبادلون رسائل العلم مع زملائهم في القاهرة، وبغداد، وبخارى، وسمرقند، حتى عندما تمزق شمل العرب، وضعفت شوكتهم، استمر ارتباطهم الفكري بعد هذا التمزق، حتى أنه أثمر للعالم في القرن الثالث عشر نتائج عظيمة أثرت في الحضارة البشرية".
ويقول "أدموند بيرك": "إن القانون المحمدي قانون ضابط للجميع من الملك إلى أقل رعاياه، وهذا القانون نسج بأحكم نظام حقوقي، وشريعة الإسلام هي أعظم تشريع عادل لم يسبق قط للعالم إيجاد نظام مثله، ولا يمكن فيما بعد.
وقد قال القانوني الكبير "فمبري": "إن فقه الإسلام واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانكم وبلادكم".
بهذا الفهم العميق والرشد المستنير تحدث فلاسفة أوروبا ممن درسوا الفكر والحضارة الإسلامية على أصعدتها المختلفة حتى جاء أحدهم بمقولة؛ هي نازلة تقريع على رأس من غض النظر عن الإنجازات التي حدثت تحت مظلة الحكم الإسلامي، وهو "أناتول دي فرانس" أحد كبار علماء أوروبا: "إن أشأم أيام التاريخ هو يوم معركة بواتييه عام 732 عندما وقف الزحف الإسلامي، حيث توقفت الفنون والحضارة العربية أمام البربرية الأوروبية".
وجاء في كتاب "دفاع عن الإسلام" للمستشرق "فاغليري" ترجمة "منير بعلبكي" ويقول "هنري دي شاميون" تحت عنوان "الانتصار الهمجي على العرب": "لولا انتصار جيش "شارل مارتل" الهمجي على العرب في فرنسا في معركة (تور) على القائد الإسلامي "عبد الرحمن الغافقي" لما وقعت فرنسا في ظلمات العصور الوسطى، ولما أصيبت بفظائعها ولما كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني، ولولا ذلك الانتصار البربري لنجت إسبانيا من وصمة محاكم التفتيش، ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون بينما كنا مثال الهمجية".

فيا إخواننا ممن يتغنون بإنجازات الغرب ولا يرون في الإسلام غير القيم السلبية:
لا تكونوا كمن اطلع على زينة القوم ثم التفت فلم ير في أمته إلا التخلف والرجعية، فيا حبذا لو عمدتم إلى كتب عمداء الفكر الفلسفي الأوروبي بما حباكم الله تعالى من قدرة الاطلاع على ثقافة الآخر، لتطلعوا إلى الحقائق التي قادتهم إلى هذه الأقوال، لعلكم تطبقون بأكفكم على أكفنا لنحمل مشعل الحضارة الإنسانية، فنعرض إسلامنا كما فعل وعلمنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


المصدر: الدكتور: محمد الشقيري

 
<