مصر.. قلوبنا بحبك عامرة

مصر أم الدنيا إن كان الشعب المصري يحب بلده مصر فنحن كعرب نحبها أيضاً، لأن مصر ليست فقط في قلوب المصريين، بل في قلب كل عربي يسري في عروقه حب العروبة..



مصر أم الدنيا إن كان الشعب المصري يحب بلده مصر فنحن كعرب نحبها أيضاً، لأن مصر ليست فقط في قلوب المصريين، بل في قلب كل عربي يسري في عروقه حب العروبة، فنحن كالجسد الواحد يشد بعضه بعضًا، وجميعنا في مركب واحد حتى وإن فرقتنا السياسات بحدود، وفصلت بعضنا عن بعض، إلا أن انتماءنا العربي وحبنا لبعضنا عامرة به قلوبنا وعقولنا، وتوطد أواصره علاقاتنا الاجتماعية وعلاقات النسب، ويجمعنا دين رباني واحد.

مصر هذا البلد العظيم الذي أعاد لنا ثورة الشعب العربي العريق، وبلد الثقافة والانفتاح، بلد جميعنا نفتخر بعروبته وبإسلامه، ونفخر بما يتمتع به من سمعة مشرفة عالميًا فهو منبع الثقافات والتاريخ العريق، ما يحدث اليوم في مصر من أحداث سلبية بعد نجاح ثورة 25 فبراير التي غيرت مجرى التاريخ المصري الحديث، ورسمت الطريق لمصر حقيقية، مصر جديدة بمستقبلها عتيدة بتاريخها وإرثها الثقافي العريق.

الانعكاسة الارتدادية لما بعد الثورة، وردات الفعل التخريبية هذه التي تشهدها الساحة المصرية، ليست بمستبعده فلا بد للثورة من معوقات بعد نجاحها، ومقاومة تستمر لفترة من الزمن وخاصة عندما يفقد المنفذون صلاحياتهم وسلطاتهم، التي كانوا يتمتعون بها، ومصادر ثروتهم التي كانوا يستحوذون عليها من خلال مناصبهم ونفوذهم المطلق عبر الجهات الرسمية الداعمة لهم في نظام الحكم السابق، لا شك بان مثل هذه الخسارة لهؤلاء لن تمر مرور الكرام.

وهذا الوضع يشبه وضع الحيوان، فبعد ذبحه يظل يرفس برجليه لفترة من الزمن يقاوم بها الموت حتى يستسلم في نهاية المطاف، هؤلاء كالحيوان بل أشد ظلالاً فمن يسعى للانتقام من وطنه ويدفع للمأجورين الخارجين عن القانون، للنيل من مكتسبات الوطن، وزرع الفتنة وتحريض المأجورين على زعزعة أمن الوطن، وتشويه سمعته..

فالشباب المصري الذي أظهر لنا حسًا وطنيًا عاليًا، وتعاملاً أخلاقيًا راقيًا في التعبير عن رأيه، قادر على حماية مكتسبات ثورته، التي سقاها بدماء الشرفاء من أبناء مصر، والوقوف مع القيادات الوطنية الشريفة التي ستولي المصلحة الوطنية الأولوية في قيادة مصر إلى مرحلة العمل الجاد، لاستعادة مكانة مصر العالمية، بل وصناعة مصر حديثة، وبناء اقتصاد مصري قوي يغني مصر والشعب المصري عما كان يقتات عليه من فتات الصدقات، التي كانت تقدمها له الدول الغربية في مقابل استعباد وتحجيم دور مصر على الساحة العربية والعالمية، وخاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، كونها اللاعب الأكبر في هذه القضية.


شاهدنا: (واقعة الجمل) والانفلات الأمني التي حدثت في مصر، والتي كان وقودها هم من بسطاء الشعب المصري، الذين لا يمتلكون ثقافة تجعلهم يميزون بين مصلحة الوطن وإغراءات من أشخاص ينفذون من خلالهم أجندات سياسية، هؤلاء البسطاء من أبناء مصر استخدموا للإضرار بمصلحة الوطن، دُفع لهم المال مقابل زعزعت الأمن وخلق جو من الفوضى والانفلات الأمني، وهذه صورة مماثلة لما حدث في مملكة البحرين عندما استخدم الإرهابيين المتطرفين الشباب كوقود لتنفيذ مخططهم الإرهابي في اختطاف البحرين.

فكانت فئة من المواطنين البسطاء هم ثمن لهذا المخطط الخبيث، والقصص تُستنسخ ومع الأسف لا تُأخذ الجوانب الإيجابية منها، والتي تخدم المصلحة العامة، ولكن تـُسخر هذه السلبيات لتحقيق مصالح شخصية سواء للمعارضة في البحرين أو لأولئك المنفذين، الذين أعلن الشعب المصري براءته منهم وتم إزاحتهم عن ممارسة النهب والسلب للمال العام لسنوات طويلة، بل وأدانهم الشعب المصري أجمع ورفضهم، وسينال كل خائن لوطنه ما يستحقه من الجزاء.


في الأزمات ونوائب الدهر تبرز طاقة الحكماء، وقدرتهم على التحكم في مجريات الأمور ومواجهة هذه الأزمات، وإيصال الوطن والمواطن إلى بر الأمان والتنمية والسلام والارتقاء والتجاوز، ففي الشدائد والمحن يندر الحكماء والعقلاء، أو يتوارون بعيدًا عن المشاكل، بعضهم من خوف وجبن والأخر يرقب تحقيق مصلحة شخصية من الطرف المنتصر، ولكن يظل هناك بصيص أمل في كثير منهم بالوقوف مع الحق، مع ما يخدم الوطن ثم المواطن..

في المقابل نرى بروز الجاهلين المعطلين والمنافقين الذين يلعبون على وتر المظلومية، ويكثر الخونة الساعين للتسلق وتحقيق مصالح شخصية، ومن هؤلاء من يدعي الحكمة والسيطرة على مجريات الأمور، لكن سرعان ما يظهر عريهم وقبيح فعالهم، ونحن نعول خيرًا على الحكماء من أبناء مصر وفي جميع أقطار الوطن العربي في الخروج من هذه المحن بكل قوة، وبما تقتضيه المصلحة الوطنية ومصر أم الدنيا وفيها من العقلاء والحكماء والوطنيين ما يمكنها من الخروج من هذه الأزمة بهمة عالية، وبروح وطنية وأقوى من ذي قبل.

فقد عُرف الشعب المصري منذ القدم بقوته في تجاوز المحن والتغلب عليها، ونستذكر موقف المواطن المصري في حرب أكتوبر 1973م عندما قامت الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل، حينها كان المواطن المصري يعاني من مجاعة كبيرة ولا يجد ما يقتات عليه في هذه الأثناء، آثر على نفسه الجوع وأن يتم إطعام القوات المحاربة على الحدود بدلاً منه..

مع ذلك لم يقل حبهم لمصر وخوفهم على مصلحة وسيادة وطنهم، وهكذا يؤثر المواطن الشريف على نفسه مصلحة وطنه وسيادته، ويقبل بأن يموت جوعًا على أن يضر أو يتسبب في المساس بكيان وطنه، أو خرابه أو التشهير به لأي هدف كان، فالوطن أغلى وأسمى من أي مصالح فئوية أو مطامع شخصية.


عبد الهادي الخلاقي
المختار الإسلامي

 


المصدر: موقع المختار الإسلامي

<