فوق الاحتمال.. وفوق التخيل

الشيخ ياسر برهامي

أمر فوق الاحتمال، بل فوق التخيل أن تبلغ الاستهانة بالأرواح والدماء إلى هذا الحد الذي شهدناه في "أحداث مدينة بورسعيد"، وأن تصل سلوكيات التدمير إلى هذا القدْر، وأن يبيع بعض السفهاء دينهم ووطنهم ومواطنيهم بأبخس الأثمان!


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأمر فوق الاحتمال، بل فوق التخيل أن تبلغ الاستهانة بالأرواح والدماء إلى هذا الحد الذي شهدناه في "أحداث مدينة بورسعيد"، وأن تصل سلوكيات التدمير إلى هذا القدْر، وأن يبيع بعض السفهاء دينهم ووطنهم ومواطنيهم بأبخس الأثمان!

إن أمتنا مستهدفة - بلا شك - مِن وراء هذا السيل المتتابع من الأحداث المدمرة؛ التي هي كحبات عقد انفرط فتتابع في السقوط: "أحداث محمد محمود - أحداث مجلس الوزراء - أحداث السطو المسلح على البنوك وغيرها - أحداث مباراة كرة القدم السابقة - ثم الأحداث الأخيرة"...

وكلها تهدف -عند كل مَن تأمّل- لإسقاط كيان الدولة المصرية، وتحويل البلاد إلى الفوضى، فكل محاولة مِن هذه المحاولات تسعى إلى التهييج على إسقاط مؤسسة مِن مؤسسات الدولة وهدمها؛ دون النظر إلى البديل، بل "في الحقيقة" مع نظر ثاقب ممن يدمرها إلى بديل واحد وهو "الخراب والدمار"؛ لأن مفتاح انهيار البلاد وتقسيمها -وهي مخططات معروفة- أصبحت منشورة في كل مكان، تتركز على الفوضى وتوابعها.

فاعتبروا يا أولي الأبصار.

انتبهوا أيها الشباب لما يراد بالأمة.

احذروا أن تكونوا وقود فتنة هوجاء تأكل الأخضر واليابس.

فكِّروا جيدًا قبل أن تقرروا وتطالبوا؛ فبلادنا لا تحتمل مزيدًا مِن الهدم.. لا يمكن أن تكون عواطف الغضب هي التي تحركنا دون عقولنا وحكمتنا، والنظر في عواقب كل موقف أو قرار.

إن الذين يطالبون بإسقاط الحكومة هم الذين يطالبون بإسقاط المجلس العسكري "والعجب أنهم هم الذين يهاجمون مجلس الشعب ويحاولون اقتحامه!"؛ فماذا سيبقى للبلاد بعد غياب كل مؤسساتها؟!
"لا يمكن أن تكون عواطف الغضب هي التي تحركنا دون عقولنا وحكمتنا، والنظر في عواقب كل موقف أو قرار".

وحتى لو وجدت مؤسسة الرئاسة؛ ففي ظل روح الانقسام والتشرذم التي تعطي كل طائفة -ولو بلغت العشرات- الحق أن تعطل مسيرة الملايين، وأن تفرض إرادتها عليهم، بزعم أنها تمثِّل الشرعية الثورية أو شرعية الميدان حتى بعد أن قال الشعب كلمته، وشارك في الانتخابات بملايينه الحقيقية مشاركة غير مسبوقة، أي رئيس يستطيع أن يحكم وبمَن يحكم؟! وبمن سينفذ القرارات التي يتخذها؟! ومَن مِن العقلاء سيقبل تحمل المسئولية في ظل انهيار كامل؟!

إن مخططات الفوضى "الخلاقة" لم تتوقف منذ بداية الثورة، فهل نقف جميعًا في وجهها؟ وهل نعتصم بالله جميعًا ولا نتفرق في مواجهة هؤلاء الأعداء؟

اتقوا الله في مصر.

اتقوا الله في الأجيال القادمة.

اتقوا الله في الدماء، والأعراض، والأموال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» [رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني].

احذروا أن تعينوا -ولو بشطر كلمة- على تدمير قلب الأمة بأسرها "مصر الحبيبة".

اللهم نجنا مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم احفظ بلادنا آمنة مطمئنة رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.