عندما يُستجدى النصر من غير الله!

في موقف ومنظر عجيب يُظهِر مدى الضعف والخور الذي بلغ بالأمة المحمدية استقبلت جموع المسلمين بصدمة خبر استخدام "الفيتو الروسي الصيني"؛ لوقف أي تدخل لنصرة إخواننا في سورية! بل والأعجب: "التهديد لبعض الدول العربية بمحوها مِن على خارطة العالم"!


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي موقف ومنظر عجيب يُظهِر مدى الضعف والخور الذي بلغ بالأمة المحمدية استقبلت جموع المسلمين بصدمة خبر استخدام "الفيتو الروسي الصيني"؛ لوقف أي تدخل لنصرة إخواننا في سورية! بل والأعجب: "التهديد لبعض الدول العربية بمحوها مِن على خارطة العالم"!

أي هوان هانت به جموع المسلمين على الله؟! والصورة إذا أحببنا نقلها بغير إضافات ومحسنات فهي: أن "الدول العربية تستجدي مجلس الأمن أن يقر قرارًا لنصرة المسلمين"!

ألم يعلموا أن الله هو الناصر، وهو المنتصر، وهو القوي، وهو الجبار، وهو المنتقم، وهو السميع، وهو البصير، وهو العليم؟!

ألم يقرؤوا قول الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]؟! وقوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160]؟!

فبيَّن الله سبحانه شريطة النصر للمؤمنين، فقال: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ}، وهو أن ينصره المسلمون بالالتزام التام لأوامره، والاجتناب التام لنواهيه وزواجره.

وهذه دعوة عيسى عليه السلام، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 14].

ثم بيَّن سبحانه أن طريق النصر يلزمه عقيدة صافية مِن الداخل، فقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، لم يقل: "على مجلس الأمن!"، ولم يقل: "على دول الغرب الكافر!"، ولم يقل: "على قوتكم أنتم أنفسكم!"، ولم يقل حتى: "على إيمانكم الصادق بالله".. بل: {وَعَلَى اللَّهِ}، الله وحده هو المتوكَل عليه لا على غيره؛ ولذا وعد الله المتوكلين عليه، فقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي: كافيه.

هل مِن كافٍ غير الله؟!

وبيَّن سبحانه وتعالى لمن تكون العزة فقال سبحانه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:138، 139]، وقال سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، وقال جلَّ شأنه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].

ولم يقل: "إنها تُستجدى من مجلس أمن، ولا من قرارات مصيرية يجمِع عليها!"، والأعجب أنهم يأخذون بالأغلبية تصويتًا في مجلس "الأمن" أو إن شئت فقل: مجلس "الذل"، حتى إذا غلبت الأصوات؛ ظهر "حق الفيتو"؛ وهو حق للدول الكافرة الكبرى أن تلغي هذا الإجماع!

أي ذل وهوان أشد على نفس حر من ذلك؟!

ووالله ما كان هذا إلا للارتداد الملحوظ، والبعد البائن عن أسباب استجلاب العزة والنصر والتمكين من الله، ولا ينكر كثير منهم الخوف؟ ممن؟ من مجلس الأمن والفيتو؟! قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 36]، وقال سبحانه: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

فبيَّن سبحانه أن الخوف من دونه مضاد للخوف منه سبحانه، وعلى قدر الخوف مِن الله يكون قدر عدم الخوف مِن دونه سبحانه وتعالى؛ فالقلب كالوعاء، والخوف من الله والخوف ممن هو دونه كملء الوعاء بمائين لا يمتزجان، فعلى قدر ملء القلب بأحدهما بقدر قصر الآخر، وبالضد تعرف الأشياء، فكما بيَّن الله أسباب النصر والعزة؛ بيَّن أسباب الهزيمة والخذلان.

ففي أُحدٍ عصى أقلُ الجيش، ومعظمه على أمر الله باق؛ فماذا كانت النتيجة؟ {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].

وكذا قال جبير بن نفير: "لما فُتحت قبرص ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي، فقلت: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! فضرب منكبي بيده، وقال: ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة" [الكامل لابن الأثير].

فهذه سنة الله في أهل معصيته: ذل وهوان وهزيمة، كما أن سنته سبحانه في أهل طاعته: نصرهم، وعزتهم في الدارين.

وأخيرًا: ألم يقرأ القوم قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، مبيِّنًا سبحانه لمن الولاية بين المسلمين؟!

وكذا بيَّن سبحانه أن الكفار لا يوالون إلا على كفرهم، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت الفتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المؤمن بالكافر، فيقع بين الناس فساد منتشر، طويل عريض.

فالله الله يا مسلمون في إخوانكم في سورية..

واعلموا أن الرسول صلوات الله وتسليماته عليه قال: {مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَه} [رواه أبو داود، وحسنه الحافظ ابن حجر].

فاعملوا لنصرة إخوانكم، ولا تنتظروا مِن الغرب الكافر نصرة صافية لإنقاذ ذويكم في سورية!

وأخيرًا "لإخواننا في سورية": {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 139، 140].

فصبرًا.. إنما النصر صبر ساعة.


محمد سعيد حرفوش
 

<