من الليمان إلى البرلمان.. تحت القبة شيخ!

الشيخ كارم السيد حامد

وكأنها نزلت الآن فقط! تلك الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].



وكأنها نزلت الآن فقط! تلك الآية: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

وكأني وأنا أقرؤها أو أستمع إليها من قارئ متقن خاشع، أعيش حالة من حالات التجلي والتأمل والتدبر التي نادرًا ما تعرض للقلب، وتتهيؤ للفؤاد في خضم تلك الأحداث والوقائع المتتابعة.

حالة من الخشوع وسيل من الدموع تفجر من قلبي، وانطلق عبر عيني بتلقائية غير محسوبة ولا مقدورة لي أن أمنعها، ولم أحاول منعها ولم أخجل من إخفائها، بل ربما يتشرف المرء بإظهارها ليؤكد أنه لا يزال قلبه ينعم بالحياة، ولا تزال روحه تسمو في صفاء، ولا يزال ضميره وسريرته تتسم بالنقاء.

الآن وقد ذاق كل من ينتمي إلى الدين -الإسلام- ولو بمجرد سمتٍ ظاهر لم يتحقق على أرض الواقع منه كثير عمل، ذاق من صنوف العذاب والإقصاء، والتنكيل والتخويف، والتشريد والتعقيد و... إلخ، إنها لمن آيات الله البينات ودلائله الباهرات وسننه الماضيات.

الآن.. والآن فقط أصبح المسجون آنفاً، والمبعد دائمًا، هو المقدم والمقرب! بل والمتقرب منه والذي يسعى إليه من كان في الماضي القريب جداً يطارده ويعانده، ويتبرأ من أدنى شبة اتصال به! وصدق الله العظيم إذ يقول: {...وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].

مهما حاولت أن أتكلم ومهما كنت بليغاً لسِناً أريباً فطناً، فلا أظنني أقدر على بلوغ مدى بلاغة الشهد ودلالة الحدث، لكنني أريد أن أنتقل إلى ما هو أهم من هذا المهم، وأجل من هذا الحدث الجلل، أريد أن أذكر إخواننا المصريين وأخص (السلفيين والإخوان) ومن حذا حذوهم وتبنى نهجهم ورفع رايتهم.

ألا يا أيها النواب المنتخبون:
إنما أصبحتم الآن في مقام العزة والتمكين بعد عهود الظلم والتنكيل، ولقد منَّ الله علينا وعليكم وفتح لنا ولكم، فأورثكم أرضهم وديارهم -التي هي في الأصل أرضنا وديارنا- وأصبحتم داخل البرلمان، وقد كنا جميعاً من قبل نخشى ونحاذر من مجرد المرور بالقرب من شارعه أن نؤخذ ظلماً، ونعتقل عدواناً وإثماً، فأروا الله ثم الشعب الذي منحكم ثقته منكم خيراً.

تذكروا قول الله عز وجل على لسان نبيه ورسوله وكليمه موسى عليه السلام لقومه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 128، 129].

هذه هي إذاً: {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فأروا الله ثم الناس منكم خيراً، واعلموا أن الأيام دول وأن لله سنناً لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول ولا تتعطل، فاتقوا الله في الشعب، واتقوا الله في الوطن، واعملوا على أن تصونوا شرعة الله، وتقيموا حقوقه وترعوا حقوق ومصالح العباد، وإياكم أن يتطرق إلى قلوبكم الكبر أو يأخذ نفوسكم الزهو، أو تظنوا أن الأمر قد استقر والوضع قد استتم.

أيها النواب المنتخبون:
أذكركم -وهذا واجبي- فاذكروا -وهذا من واجبكم- بقول النبي المصطفى والرسول المجتبى فيما يرويه الإمام مسلم في صحيحه وهو في صحيح الجامع من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، و من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به».

ألا فانتبهوا، فلقد ولاكم الله عز وجل على حقوق ومصالح البلاد والعباد، وجعلكم نواب الأمة تتكلمون بلسانها وتتحدثون عن أوجاعها وتتطالبون بحقوقها، فإياكم والنكول، وإياكم والنكوث وإياكم والنكوص، فإن العاقبة وخيمة وإن التبعة ثقيلة وإن المسؤلية عظيمة وإن العاقبة أليمة.

اعلموا أنما منحناكم أصواتنا وأيدناكم وفوضناكم عنا، لتقيموا شريعة الله فينا وتحرسوها بيننا وتعملوا على إقامتها على أرضنا، فإياكم أن تتلوثوا بقذارة السياسة، فتتنكبوا الطريق وتغفلوا الحقوق، وتعرضوا عن الواجبات وتخفقوا في تحقيق المهمات.

ألا يا نواب الشعب:
اجعلوا الله نصب أعينكم، ولا تلتفتوا عنه ولا تركنوا إلى غيره، ولا تخشوا من أحد سواه ولا تحتسبوا أجركم إلا عند الله تبارك وتعالى.

ألا يا نواب الشعب:
إياكم أن يستزلكم الشيطان، أو يستدرجكم منافق عليم اللسان، أو يفتنكم عن عقيدتكم كذوب أو فتان، أو يغرينكم بالخيانة أثيم خوان.

ألا يا نواب الشعب:
اعلموا أنكم لنا خدام، وعلى مصالحنا حراس، فإن أحسنتم شكرنا لكم إحسانكم ورفعناكم فوق رئوسنا، وقدرناكم وحمدنا لكم جهدكم ومسعاكم، وإن تكن الأخرى -ونعوذ بالله ونعيذكم منها- فإنا بالله عذنا، وعليه توكلنا، وإليه أنبنا ثم إلى التحرير رجعنا، وخلعناكم كما بالطاغية وحزبه ونظامه فعلنا.

ألا يا نواب الشعب:
الآن أنتم ذوو سلطان تحت قبة البرلمان، وقد كنتم من قبل معتقلين في الليمان، فأورثكم مكان الظالمين وأورثهم أماكنكم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

يا له من مشهد ذلك الذي رأيناه، وستعتاده إن شاء الله عيوننا، وكم اشتهته قلوبنا وتاقت إليه نفوسنا، ووالله ما كان بحسبانكم ولا بحسباننا أن نرى اللحى تزين وجوه النواب، ويسمح لذات خمار أو نقاب وجلباب، ونسمع أقوال النبي وآيات الكتاب، ويدخل العلماء والفقهاء، والدعاة والوعاظ، والخطباء ويقسمون على ألا يخالفوا شريعة رب الأرض والسماء!

وأحمد الله تعالى أن تم رفع الجلسة لأداء صلاة الظهر، في بادرة هي الأولى من نوعها منذ عام 1979م بحسب ما ذكرته صحيفة الأهرام، ولم لا ترفع، وقد جرت العادة على رفعها لطارئ أو ضرورة؟ أليس ترفع الجلسة للاستراحة، أو استخلاف رئيس المجلس أحداً مكانه من الوكلاء؟
فلم لا ينتهج المجلس التشريعي هذا النهج ويسلك ذلكم المسلك الحميد؟

أليس مجلس الشعب الذي غالبيته مسلمة وموحدة؟
ألا فلله الحمد على نعمته وفضله ومنته.


ألا يا نواب الشعب:

أذكر نفسي وإياكم بقول الله عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40-41].

ألا فالزموها واحرصوا على أن تطبقوها، لتكون سنة حسنة وطريقة طيبة، ولا تفرطوا فيها ولا تحيدوا عنها فإن فيها العز والفخار، والتمكين والانتصار، ولا يردعنكم سخرية أو استهزاء، ولا تخشوا من غرب أو شرق.

هذا شئ يسير مما فتح الله لي من قول، وإن في القلب لما هو أكثر ولكن فيما ذكر الكفاية والغناء، والله المستعان.


ابن الأزهر ومحبه:
أبو أسماء الأزهري
كارم السيد حامد السروي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
Abo-asmaa@hotmail.com
Aboasmaa20011@yahoo.com
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام