ماذا نريد من الرئيس القادم (2-2)؟

الشيخ ياسر برهامي

ذكرنا في المقال السابق خمس نقاط فيمن نريده رئيسًا قادمًا لمصر، ونستكمل اليوم باقي النقاط..



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال السابق خمس نقاط فيمن نريده رئيسًا قادمًا لمصر، ونستكمل اليوم باقي النقاط.

سادسًا: نريد رئيسًا رءوفًا رحيمًا، يَشعر بآلام الناس ويقدر معاناتهم، حريصًا على مصالحهم، يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله عز وجل عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
فلا يصلح مَن لا يعبأ بمشاكل الناس، ولا ينزعج لجزع جائع، أو لعري عارٍ، ولا لخوف مضطرب.
لا يصلح مَن لا يستشعر مسئولية عن أي دم يسفك بغير بحق، أو مال يهدر في غير وجهه؛ عامًّا أو خاصًّا، أو عرض ينتهك، أو بشرة تضرب، أو صحة تضيع، أو عقل يفسد، أو أخلاق تُدمر.
لا بد للرئيس أن يكون منحازًا للضعفاء "الضعيف منكم قوي عندي حتى آخذ الحق له"، لا يرده شرف الشريف عن أخد الحق منه.
إن مِن أعظم تراكم الغضب في قلوب أبناء شعبنا على "الرئيس المخلوع" القسوة والغفلة في التعامل مع آلام الأمة ومشاكلها، نعم قد يحتاج القائد أن يتخذ قرارات مؤلمة، وأن يتبنى مواقف فيها تضحيات، لكن لا بد أن يكون ضمن المتألمين المضحين؛ ليخفف المعاناة ما أمكنه، فمن وجد ألم الجوع لم يستهن يومًا بجوع الناس، ومَن ذاق مرارة الحبس والسجن فلن يطمئن له بال وفي سجون بلده رجل مظلوم.

سابعًا: نريد رئيسًا متواضعًا منكسرًا لله عز وجل، لا يتكبر على الناس خوفًا من الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» [رواه مسلم]، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا في عشرة آلاف من أصحابه، وإن رأسه يكاد أن يمس عنق راحلته؛ تواضعًا لله!
نريد رئيسًا لا يسعى لمدح المادحين، ولا يأسر قلبه ثناء المعجبين، فضلاً أن يسخِّر مَن حوله لذكر مآثره وإمكاناته الهائلة التي تَفرد بها عن الخلق، بل يحثو في وجوه المادحين التراب.

ثامنًا: نريد رئيسًا يقبل النقد البناء، والنصح الصادق، ويفرح به ويشجع عليه، ومَن لا يستطيع أن يُخرج مِن أتباعه وأعوانه مَن يعترض عليه ويناقشه بكل حرية -مع الأدب بلا شك- ويصرِّح له أنه قد أخطأ في كذا وكذا، مَن لا يستطيع ذلك؛ فلا يكون قائدًا ناجحًا.

تاسعًا: نريد رئيسًا إذا حدَّث صدق، وإذا وعد وفى، وإذا أؤتمن أدى، وإذا خاصم عدل مع خصومه كما يعدل مع أحبائه، حكيمًا في غير جبن، حاسمًا في غير تهور، رجّاعًا إلى الحق، مشاورًا لأهل العلم، ينزل على رأيهم ويستجيب لتوجيهاتهم، بل يكون حريصًا على أن يكون منهم مشاركًا لهم في طلبهم، صادقًا في تعظيم حرمات الله، غيورًا على الدين، يجعل أول مقاصده إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.
لا يوالي الكفار والمنافقين، ليس بغافل عن كيدهم، وفي نفس الوقت لا يبني حكمه على الظن والاحتمال؛ فإن الظن أكذب الحديث، فلا بد أن يفرق بين المعلومة والاستنتاج، وبين اليقين والاحتمال، لا يسوي بين المختلفين، ولا يفرق بين المتساويين.

عاشرًا: نريد رئيسًا مصليًا، صائمًا، قائمًا قارئًا للقرآن، يفزع إلى الصلاة والدعاء عند الأزمات.

سيقول البعض: كأنك تريد نبيًّا!

أقول: بل نريد رجلاً يعمل بعمل الأنبياء ويقتفي أثرهم؛ فإن تاريخ أمتنا يُكتب في هذه الأيام، ونحن نرى ليلاً يوشك أن ينجلي، وشمسًا توشك أن تشرق، وصبحًا يوشك أن يسفر، ولن يتحقق ذلك بشخصيات عادية، بل بمَن يسير على طريق الأنبياء؛ فليست الخلافة على منهاج النبوة بالأمر الهين.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نشرت بجريدة "الفتح" بتاريخ الجمعة 2 ربيع الآخر 1433هـ - 24 فبراير 2012م.