حق الضابط والجندي في إعفاء لحيته

اللحية كمال وهيبة ووقار وزينة للرجال، وكان من قسم أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "والذي زين الرجال باللحى"، وقد ورد ذكرها في كتاب الله تعالى عندما قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَ‌أْسِي} [طه: ٩٤]، فهي من سنن النبيين والمرسلين..


اللحية كمال وهيبة ووقار وزينة للرجال، وكان من قسم أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "والذي زين الرجال باللحى"، وقد ورد ذكرها في كتاب الله تعالى عندما قال هارون لأخيه موسى عليهما السلام: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَ‌أْسِي} [طه: ٩٤]، فهي من سنن النبيين والمرسلين، وقد كانت لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيفة فقد ورد في صفته أنه "كث اللحية"، وقد جاءت أحاديث متنوعة في الدلالة عليها والأمر بها بصيغ متنوعة بلغت خمس صيغ، قال النووي: "فحصل خمس روايات أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا وفروا ومعناها كلها تركها على حالها، هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه" أ.هـ، فهذه خمس روايات فيها الأمر بترك اللحية على حالها فلا يتعرض لها بتغيير من حلق أو تقصير، قال النووي: "والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شيء أصلاً".
وحلق اللحية عده طائفة كبيرة من أهل العلم أنه مُثْلة، وحكى ابن حزم في مراتب الإجماع الاتفاق على ذلك فقال: "وَاتَّفَقُوا أَن حلق جَمِيع اللِّحْيَة مثلَة لَا تجوز"، بل هناك من أهل العلم من أنزل حلق لحية إنسان منزلة قتله فجعل في حلقها إذا لم تنبت دية كاملة.
كما أن في حلقها تغييرا لخلق الله تعالى فإن الله تعالى منذ خلق آدم وإلى يومنا هذا وفي جميع الأصقاع يكون للرجل لحية فحلقها تغيير للخلقة التي خلق الله الرجال عليها، وتغيير خلق الله تعالى من متابعة الشيطان كما ذكر الله تعالى عنه: {وَلَآمُرَ‌نَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُ‌نَّ خَلْقَ اللهِ} [النساء: ١١٩]، وأمر ثالث، فإن في حلق اللحية تشبها بالنساء والمتشبه بالنساء من الرجال كما المتشبه من النساء بالرجال كلاهما ملعون كما قال الحبيب المصطفى: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال».
وبعيداً عن تفصيلات أهل العلم في الأحكام المتعلقة بإعفاء اللحية وحلقها، مع أن غالبية المنقول عن أهل العلم في ذلك في المذاهب جميعها هو وجوب الإعفاء وحرمة الحلق، نأتي للمجمع المتفق عليه بينهم حيث لا نجد لأهل العلم في جميع المذاهب قولاً ولو ضعيفاً أو شاذاً يقول بحرمة إعفاء اللحية أو كراهة ذلك، كما لا نجد قولاً ولو ضعيفاً أو شاذاً يقول بوجوب حلقها ولا استحبابه.

فأمر "إعفاء اللحية" أجمع أهل العلم على عدم تحريمه أو كراهته، كيف يمنع منه طائفة من الناس "الضباط والجنود" بحيث يعاقب من فعله وأتاه، وأمر "حلق اللحية" أجمع أهل العلم على عدم وجوبه أو استحبابه كيف يلزم به طائفة من الناس "الضباط والجنود" إلزاما بحيث يعاقب من يمتنع منه.

إن المسألة في صورتها المذكورة تتعدى ترك واجب أو فعل محرم إلى ما هو أبعد من ذلك وهو تشريع مخالفة ما ثبت بالنص الشرعي، وليس لأحد أيا كان ولي أمر بحق أو بباطل أو غير ولي أمر أن يشرع ما يخالف النص وإذا تجاوز أحد الناس هذا الطور فلا تجب طاعته ولو كان من كان لأنه من الثابت أنه لا طاعة لأحد في مخالفة المشروع الثابت بالنص.

وتأسيساً على ما تقدم فإنه لا يحل لأحد أن يمنع من إعفاء اللحية أو يأمر بحلقها ولو فعل فلا تجب طاعته في ذلك، ويشتد جرم الآمر بالحلق الناهي عن الإعفاء إذا رتب على مخالفة ذلك عقوبة تلحق بالمستمسك بما ثبت بالنص في ذلك.

ومن غريب ما قرأته قول بعض الناس إن إعفاء اللحية وعدم حلقها هو من سنن العادات، وهذا قول محدث لا يوجد في كتب المتقدمين وإنما ذكره بعض المعاصرين ممن ينتسبون إلى العلم ممن ابتلوا بحلق لحاهم فكان قولهم في ذلك كالتسويغ لفعلهم ومثل هذا لا يعتد بقوله في تلك المسألة ولا يعول عليه، ثم كيف يقال إنها من سنن العادات وقد جاء الأمر بها بصيغ متعددة من الأمر؟! ألا فليتق الله تعالى من يصدون الناس عن الاستمساك بأحكام دينهم الذي ارتضى الله لهم لقاء عرض زائل أو تسويغا لفعل سلطان جائر.


04/04/33

محمد بن شاكر الشريف

 

المصدر: مجلة البيان

<