وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 96 ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ( 97 ) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ( 98 ) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ( 99 ) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ( 100 )

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ) يعني: المطر من السماء والنبات من الأرض. وأصل البركة: المواظبة على الشيء, أي: تابعنا عليهم المطر والنبات ورفعنا عنهم القحط والجدب, ( وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) من الأعمال الخبيثة.

( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ) الذين كفروا وكذبوا, يعني: أهل مكة وما حولها, ( أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ) عذابنا, ( بَيَاتًا ) ليلا ( وَهُمْ نَائِمُونَ )

( أَوَأَمِنَ ) قرأ أهل الحجاز والشام: « أوْ أمن » بسكون الواو, والباقون بفتحها, ( أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى ) أي: نهارا, والضحى: صدر النهار, ووقت انبساط الشمس, ( وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) ساهون لاهون.

( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) ومكر الله استدراجه إياهم بما أنعم عليهم في دنياهم. وقال عطية: يعني أخذه وعذابه.

( أَوَلَمْ يَهْدِ ) قرأ قتادة ويعقوب: « نهد » بالنون على التعظيم, والباقون بالياء على التفريدِ يعني أوَلم نبين, ( لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ ) هلاك ( أَهْلِهَا ) الذين كانوا فيها قبلهم ( أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ ) أي: أخذناهم وعاقبناهم, ( بِذُنُوبِهِمْ ) كما عاقبنا من قبلهم, ( وَنَطْبَعُ ) نختم ( عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) الإيمان ولا يقبلون الموعظة, قال الزجاج: قوله ( وَنَطْبَعُ عَلَى ) منقطع عما قبله لأن قوله ( أَصَبْنَاهُمْ ) ماض و « نطبع » مستقبل.

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ( 101 ) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ( 102 )

( تِلْكَ الْقُرَى ) أي: هذه القرى التي ذكرت لك أمرها وأمر أهلها, يعني: قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب, ( نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ) أخبارها لما فيها من الاعتبار, ( وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) بالآيات والمعجزات والعجائب, ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ) أي: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا من قبل رؤيتهم تلك العجائب, نظيره قوله عز وجل: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ( المائدة- 102 ) .

قال ابن عباس والسدي: يعني فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم, فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب. وقال مجاهد: معناه فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم, لقوله عز وجل: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ( الأنعام- 28 ) .

قال يمان بن رباب: هذا على معنى أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب فكذبوه, يقول: ما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية, بل كذبوا بما كذب أوائلهم, نظيره قوله عز وجل: كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( الذاريات- 52 ) . ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ) أي: كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكها, كذلك يطبع الله على قلوب الكفار الذين كتب عليهم أن لا يؤمنوا من قومك.

( وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ) أي: وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق, حين أخرجهم من صلب آدم ( وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) أي: ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين ناقضين للعهد.

ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ( 103 ) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 104 )

قوله تعالى: ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ ) أي: من بعد نوح وهود وصالح وشعيب, ( مُوسَى بِآيَاتِنَا ) بأدلتنا, ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ) فجحدوا بها, والظلم: وضع الشيء في غير موضعه, فظلمهم وضع الكفر موضع الإيمان, ( فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) وكيف فعلنا بهم.

( وَقَالَ مُوسَى ) لما دخل على فرعون, ( يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) إليك, فقال فرعون: كذبت .